مندوبية التخطيط تسجل ارتفاعا في معدل البطالة السنة الفارطة    تراجع أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مؤشر مازي يستهل التداولات بأداء إيجابي    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يحتفي برئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ويمنحه جائزة الثقافة الرياضية العربية التقديرية لعام 2024    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    مندوبية التخطيط: نسبة البطالة تقفز إلى 13,3% ما بين 2023 و2024    طلبة الطب يشتكون"اختلالات بيداغوجية" ومنح وتعويضات عالقة بعد وقف الاحتجاجات    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    وفاة سفيان البحري.. رحيل مفاجئ    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    تبون يقيل وزير المالية دون تقديم مبررات    مراكش.. حجز 2514 وحدة من الأدوية المهربة وتوقيف ثلاثة أشخاص متورطين في ترويجها    كيوسك الإثنين | التساقطات المطرية تنعش حقينة السدود    الجامعة الوطنية للتعليم "التوجه الديمقراطي" تدعو للمشاركة في الإضراب العام    تبون: حذرت ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء.. ومازلنا في منطق رد الفعل مع المغرب    أوكسفام: 1% من الأغنياء يسيطرون على 63% من الثروات الجديدة منذ جائحة كوفيد-19    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    النقابات التعليمية تحذر الحكومة من التراجع عن التزاماتها    حروب الرسوم "الترامبية" تشعل أسعار النفط في الأسواق العالمية    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    محاربة المغرب لمد التطرف والإرهاب.. أي إشارات    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    تحولات "فن الحرب"    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في نقد الاستعلاء المنهجي قراءة في محدودية المثال الجاهز 1
نشر في شورى بريس يوم 19 - 05 - 2016


تقديم :
لايخفى أن المنهج ، في معناه العام ،هو عنوان لدينامية كاملة من الوعي المنظم لدى البشر في تفاعلهم مع الأشياء والظواهر ، وهو أيضا العنصر الفاصل بين هذا الوجود الانساني وذاك على مستوى السُّلم الحضاري ؛ إذ بقدر ما يكون التقدم في القدرة على الاستيعاب العقلاني للأشياء دليلا على النهوض والارتقاء ، يكون التراجع في هذا الصدد نفسه مؤشرا على الارتكاس والبدائية في ملامسة العقل البشري للأشياء والظواهر .
ولايخفى أيضا أن "النضوب المنهجي "في المدار العربي الاسلامي الراهن مظهر بارز للانحسار الحضاري الذي نعيشه ونكتوي بنيرانه في كل المجالات والمناحي ، وهو يختزل المأزق الوجودي للذات العربية الاسلامية في عالم تأخذه التحولات من كل جانب .
هكذا إذا كان الغرب قد استطاع منذ أمد من الزمن أن يحول "المنهج " إلى عنصر مُندغم حتى آخر الحدود في تفاصيل الممارسة بأبعادها النظرية والتطبيقية ، فإن الموضوع لازال بالنسبة إلينا بعيدا عن هذا الطابع الوظيفي المبدع .
ونيجة هذا الانحسار ليس مستغربا أن تكون المعضلة المنهجية من أكبر الاشكالات التي تواجه الباحث والطالب والناقد العربي على حد سواء
ففي الوقت الذي أصبح التحديد المنهجي ضرورة علمية لكل دراسة تروم الدقة والاتزان والعمق ، يبدو هذا المجال في الواقع العربي محاطا بسياج سميك من الإبهام والقلق ، ولنا أن ننظر إلى الدرس النقدي أو نماذج البحث العلمي لنقف بأعيننا على ذلك الحجم الكبير من الغموض و الارتباك الذي يمتد بين يدي الباحث منذ الوهلة الأولى ثم يلازمه إلى نهاية الإنجاز ، أو لننظر إلى مظاهر التداخل واللبس المصطلحي العجيب الذي صار يسِم عددا كبيرا من الإنجازات في هذا المضمار لنقف على الاستنتاج نفسه .
ونظن أن الدكتور برهان غليون كان محقا ودقيقا حينما وصف الظاهرة بقوله :
».. لاشك أن الكثير من أساتذة الجامعات العربية الذين قُدر لهم الإشراف على أبحاث الطلبة قد كشفوا العقبة الكبيرة التي يصطدم بها بيأس وقنوط القسم الأكبر من الطلبة : مشكلة المنهج والمنهجية وتحديد الخطة . وهي ليست مشكلة صغيرة فليس هناك من موضوع يمكن دراسته بدون تحديد إطاره وسياقه ومسائله والمفاهيم الضرورية لبحثه .
ويتحول بحث الطلبة العرب إلى مراكمة لامعنى لها ، ولا قاعدة لها لمفاهيم ومعارف كثيرة أحيانا لا يربطها ببعضها إلا التماثل الظاهري في الألفاظ أو التركيب الشكلي للفصول.
وبشكل عام يبذل الطلبة العرب المجدين أضعاف ما يبذله الطالب الغربي للوصول إلى نتائج أدنى بكثير ، وغالبا ما يضيعون بين صفحات الكتب ويقرأون كل شي ء دون أن يتمكنوا من تحديد إطار البحث وتحديد الموضوع. وهم بشكل عام أكثر اطلاعا على موضوعاتهم ولكن أقل قدرة على مناقشتها وتطويرا لبحثها والانتقال من المقدمات إلى النتائج « . 1
هذه شهادة حية لباحث عربي وقف بنفسه بعد تجربة طويلة على مظاهر الاختلال الكبير في
1- " مجتمع النخبة " برهان غليون ص:225-226 .
الأداء المنهجي ، وصاغ ملاحظاته في هذا الصدد بدقة و وضوح وصراحة . وثمة بالتأكيد عدد
كبير من الشهادات الأخرى التي تصب في المنحى نفسه لا مجال للوقوف عندها هنا .
ولسنا نبالغ إذا قلنا إذا قلنا إن الخيار المنهجي الذي ساد مجالات البحث بصفة عامة والبحث الأدبي ، الذي يعنينا هنا ، بصفة خاصة ظل خاضعا منذ بداية النهضة إلى الآن لهيمنة تيارين اثنين يقفان على طرفي نقيض ، ويستبطنان معا حدا لابأس به من الغلو والانغلاق :
الأول : توجه تراثي تقليدي قديم ، يحاول إعادة إنتاج الماضي بحذافيره ، وكثيرا ما يحاذر المعطيات الغربية ، وينظر إليها نظرة الرجل إلى الجمل الأجْرب .
الثاني : توجه تغريبي متحمس ، يستمرئ وضع الطرف إزاء المركز ، و التياران معا يؤسسان لحدي "الأصالة" و "المعاصرة" بالمعنى الذي يتداوله الإعلام ، ويسهمان معا في تعميق أخاديد التباعد بين بعضهما البعض ، ويلتقيان مع ذلك ،في " هوية الاغتراب" ؛
فالأول مغترب عن العصر بما يعنيه من هيمنة للغرب على جميع الواجهات ، و كثيرا ما يكون اغترابه هذا مصحوبا بنفخة من التعالي و الشعور بلا جدوائية منجزات الآخر ، وهي نفخة موروثة عن عهد " الجبرتي " و "الطهطاوي" إلى الآن.
أما الثاني فهو مغترب عن الذات بما تعنيه من خصوصية و تميز وكثيرا ما يكون هذا الاغتراب مثقلا بمشاعر الانبهار بالغرب والرغبة الملحة في تلقف ما ينتجه بحماس زائد و خشوع تام .
بهذا المعنى يكون الاغتراب قاسما مشتركا بين التيارين ؛ إلا أن الأول يمارس الاغتراب عن الزمان و الثاني يمارس الاغتراب عن المكان ، إن جاز التعبير.
ونظن أن الدرس النقدي العربي اليوم راكم من التجارب والزخم النظري ما يجعله مهيئا لأن يعيد قراءة موضوع المنهج قراءة نقدية بانية بعيدا عن غلو التيارين معا في أفق بناء الذات المستقلة التي تتفاعل مع التجارب البشرية من موقع اخر غير ذلك الذي حددته ملابسات مرحلة حضارية تميزت باندحار الأنا الجمعية وهيمنة الاخر
ضمن هذا الأفق نحاول هنا مساءلة الانبناء المنهجي الذي هيمن على مساحات الدرس النقدي في المجال العربي ، كما سنلامس بوادر الميل الى المراجعة والتي نظن أنها باتت تستشرف وضعا اخر غير الذي عمر لعقود من الزمن .
1 صدمة المثال الجاهز:
حاول ذ.برهان غليون تحليل بعض مظاهر الاختلال المنهجي التي وقف عندها وتحليلها فرأى أن ذلك يعود إلى »بنية الثقافة العربية ذاتها ،فالطلبة لا يحصلون على المعارف المختلفة إلا في سياق التطور التاريخي والاجتماعي للغرب .ولذلك تبدو المفاهيم لديهم أيضا كلمات لا معنى لها بالتحديد ،أي إطلاقات مجردة ،يتم التعامل و أحكامها إما بشكل عشوائي ، أو بالخضوع المطلق لها وعبادتها و تحويلها إلى تمائم وأحراز « ¹
ونظن من جهتنا أن المشكلة المنهجية لا يمكن أن تفهم فهما صحيحا إلا في علاقتها بالموضوع الثقافي ككل وعلاقة هذا الأخير بالمعضلة الحضارية للأمة العربية . ذلك لأن المنهج كما هو شأن " المذاهب الأدبية "» فرع من قضية أكبر :قضية العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية ²« على حد تعبير د . شكري محمد عياد . وبالتالي فأزمة المنهج في حياتنا العلمية وفي كل امتدادات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية تعبير أمين عن معضلة أكبر هي » مشكلة حضارة ، وهي مشكلة بالغة الخطر « ³
وسنعمل فيما يلي على استجلاء الترابط الجدلي القائم بين المشكلتين
يتبع
ترقبوا سلسلة مقالات الدكتور مصطفى المسعودي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.