لا شك أن الحكومة الحالية ليست هي الحكومة التي كان ينتظرها المغاربة حينما ذهبوا للتصويت يوم 7 أكتوبر 2016. ومؤكد أنها حكومة فُرضت ضدا على اختيارات الناخبين الذين بوؤوا حزبا المرتبة الأولى، لغرض أن يستمر أحد الرجال المميزين رئيسا لحكومتهم، بنفس الطريقة التي فُرض فيها على المغاربة رئيس مجلس النواب، من حزب لم يكن قد استطاع بعد تشكيل فريق نيابي باسمه، وفي وقت لم تكن الأغلبية الحكومية قد تشكلت بعد. لقد صوت المغاربة لحزب اقتنعوا بمنجزاته، أو لنقُل بمساره ووضوح خطابه خلال ولاية 2012- 2016، التي قادها الأستاذ عبد الإله بنكيران في ظل بروز تقاطب حاد بين البيجيدي وحزب "البام"، هذا الأخير الذي صُنع لغرض التحكم في الحياة السياسية، ففرملت حركة جراره، موجةُ الربيع العربي، قبل أن يعود رافعا شعار "محاربة الإسلاميين" بعد ذلك، مستعملا مختلف الأساليب، ومستغلا كل الإمكانات المشروعة وغير المشروعة، التي وُفرت له ووُضعت رهن إشارته. لكن شاءت إرادة الله والإرادة الشعبية أن تسقطه أرضا وتجهز على مساعيه ومساعي الواقفين وراءه. لكن، رغم ذلك، وكما هو معلوم، فإن حادثة ما سمي بالبلوكاج، أثبتت بالملموس، أن هناك جهات لم تستطع استساغة هزيمتها أمام الصناديق، فقررت الانقلاب على مخرجات العملية الانتخابية، وانتهى الأمر بإعفاء بنكيران، وتعيين سعد الدين العثماني بدله، الذي قبِل وحزبُه في الأخير بالشروط التي ناضل من أجلها سلفه لحوالي 5 أشهر، ضدا في الابتزاز السياسي، ودفاعا عن أصوات المغاربة. لكن خسارةَ معركةٍ ليست نهاية العالم، لذلك قرر الحزب من خلال مجلسه الوطني، أن يستمر في معركة الإصلاح والنضال الديمقراطي، على الرغم من الجروح التي خلفتها واقعة البلوكاج، جاعلا بذلك مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. بالمقابل، تجب الإشارة، إلى أن الخيار الذي ارتضاه الحزب آنذاك، لم يحظى بالإجماع، خاصة وأن هناك فئة عريضة اعتبرت القبول بالأمر الواقع، رضوخا أمام إرادة واضحة لإفراغ الانتخابات من محتواها التمثيلي، وسرقة نتائج انتخابات عجزت عن كسبها قوى الردة والنكوص، أمام إرادة الشعب، وبالممارسة الديمقراطية. اليوم، يتكرر نفس السيناريو، في موضوع تعديلات القوانين الانتخابية، في إطار توافق مكذوب عليه، بتبني قاسم انتخابي لا وجود له في التجارب المقارنة بالعالم بأسره، يعتمد على أساس عدد المسجلين باللوائح الانتخابية، عوض ما كان معمولا به خلال آخر انتخابات، على أساس عدد الأصوات الصحيحة، وهو ما يخالف رابع ثابت من ثوابت الأمة المغربية، ألا وهو "الاختيار الديمقراطي"، بحيث ستصبح العملية الانتخابية بلا مضمون وبلا تنافسية، وستتساوى فيها اللوائح الحاصلة على عشرات آلاف من الأصوات، بتلك الحاصلة على بضعة آلاف أو أقل. وهو ما ينذر بالعبث، وما سيدفع المواطنين إلى مزيد من العزوف الانتخابي، وهم يرون بأنه لن يعود لأصواتهم معنى أو تأثير حقيقي. حزب العدالة والتنمية، المعني الأول بمواجهة هذا العبث، الذي وُضع لمواجهته، وبغرض ضمان هزيمته خارج مكاتب التصويت وقبل عملية الفرز، يجب عليه أن لا يرضخ ل"حمق" الأحزاب الداعية إلى اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، ويجب عليه أن لا ويجعل منه معركته الوحيدة ضمن نقاش تعديلات القوانين الانتخابية، خاصة في ظل مطالبة الأحزاب المذكورة بإلغاء العتبة بشكل نهائي. فلا توافق في ما يخص التراجع عن مكتسبات الشعب المغربي في مجال الديمقراطية، وكل تنازل أو قبول بفرض الأمر الواقع، هو في أصله تنازل عن روح ثابت من ثوابت الدولة المغربية، المضمن في دستور 2011، وحرق لآخر سفن الثقة في العملية السياسية التي قد تعود حسب المؤشرات بحزب العدالة والتنمية قويا إلى حاضنته الشعبية، وإلى صدارة المشهد بأصوات المغاربة وثقتهم.