يبدو أن مدينة أصيلة، التي تتنفس عبق الفن قد جددت الوصل مع "وصفة عتيقة" تنزع عنها حلة "الحجر الصحي" التي غشيتها متوسلة في ذلك بالجميل من الألوان، وتخفف من تداعيات (كوفيد-19) على الزيلاشيين والوافدين عليها: إنها وصفة الجدارايات. يأتي ذلك في إطار تظاهرة للفنون التشكيلية قررت مؤسسة منتدى أصيلة تنظيمها ما بين 13 و31 يوليوز الجاري، قصد بعث السرور والأمل في قلوب الساكنة وتجاوز تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، وذلك بمشاركة فناني المدينة الذين تحدوهم الرغبة للمساهمة في هذا النشاط "العلاجي" الذي ينبني على الفن. وفي مشهد في الشارع العام للمدينة يلخص القصة، تتراءى لزائر المدينة مجموعة فتيان وفتيات تعلوهم ابتسامات ملائكية يرافقون مؤطرتهم وهي تواكبهم في خطواتهم الأولى في سفر فني متعدد الوجهات، فيما يحمل فنانون تشكيليون من المدينة نفسها في أيديهم ريشاتهم وأدوات صباغة ينهمكون في رسم اللوحات ويدلقون على الجداريات ألوان الحياة. في هذه المدينة ترعرعوا، وأمضوا طفولتهم بين أزقتها وردهاتها، وعاينوا أسلافهم الفنانين يرسمون هذه الجداريات الضخمة فساروا على نهجهم. لكل واحد من هؤلاء نمط يتبناه وفلسفة يتبعها، غير أنهم أجمعوا على "تجديد حلة مدينتهم" وبعث الأمل والسرور في هذه اللحظات العصيبة التي يعيشها العالم بسبب الجائحة. وبهذه المناسبة، أكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، السيد محمد بنعيسى، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه عقب اتخاذ قرار تأجيل النسخة 42 من موسم أصيلة الثقافي الدولي بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، "ارتأينا تنظيم معرض فني يغية الخروج من أجواء الضيق والحزن التي تخيم على حاضرة دأبت على الظهور في أبهى صورها، لاسيما إبان فترة الصيف". وأبرز السيد بنعيسى أن فنانيي أصيلة اتفقوا على الإبقاء على فقرة الجداريات، وهي جزء من فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، باعتبارها لا تتطلب تجمهر الناس، وكذا بالنظر إلى انها كانت أول ما تبدأ به جميع الأحداث الثقافية بالمدينة منذ سنة 1978. وأضاف أنه "هذا لم يمنع مع ذلك من الترحيب بالزوار، ليس بعدد كبير كما كان معتادا في السابق، الذي يأتون مدن طنجة وتطوان والعرائش بالخصوص، ما خلق دينامية تجارية نوعا ما". وكد السيد بنعيسى أن هذا النشاط يهدف إلى بعث طمأنينة وارتياح وأمل سكان مدينة أصيلة بعد حالة اتسمت بنوع من "الاكتئاب"، وذلك من خلال منح فرصة للجمهور للتأمل في جداريات جميلة رسمت بألوان وزاهية. من جهتها، قالت الفنانة التشكيلية، بدرية الحساني، إن هذه النشاط يشكل فرصة لها للعودة إلى مسقط رأسها، معبرة عن سعادتها بمبادرة مؤسسة منتدى أصيلة على تنظيم "النسخة المحلية" من الموسم الثقافي الدولي لمدينة أصيلة. وأوضحت بدرية في تصريح مماثل أنه "في ما يتعلق بالموضوعة التي اشتغلت عليها، فقد اخترت أن أكون متفائلة من خلال اختيار ألوان مشرقة"، مضيفة، أنi على الرغم من كل ما يقال عن الحجر الصحي إلا أنه سمح للطبيعة أن تتنفس، وللأشخاص بأن يثمنوا البساطة المستوحاة من المناظر الطبيعية.. منظر الفراشة، والخضرة، والأشجار. من جهته اختار الرسام أنس البوعناني لوحة جدارية على شكل رسالة أطلق عليها اسم "رسالة إلى بلدي". وأشار البوعناني، إلى إن كلمة "بلد" استخدمت هنا بالمعنى الاكثر شمولية للكلمة، موضحا أنها قد تحيلك على "بلدنا المغرب"، كما يمكن أن تحيل على مدينة "أصيلة"، أو على "العالم" بشكل عام. وتابع الأستاذ في الفنون التشكيلية، "إنها أيضا رسالة عرفان لبلدنا المغرب على الدعم الذي ما فتئ يقدمه لنا، وخاصة في هذه الأوقات الصعبة لكوفيد 19". أما بالنسبة للفنان الرسام، وأستاذ الفنون الفنون التشكيلية، معاذ اليباري، فإن الأمر يتعلق تجربة "مختلفة قليلا"، خاصة مع توظيف اكسسوار جديد هو "الكمامة". يقول اليباري "من جهتي، اخترت إعادة رسم (الموناليزا) للرسام الإيطالي ليوناردو دا فينشي بطريقتي الخاص، بحيث أضفت كمامة على وجهها"، مشيرا إلى أن هذا يعكس الوضع الحالي الذي يعيشه العالم وفي إيطاليا التي تضررت كثيرا من هذا الوباء. وإضافة إلى مشغل الصباغة على الجداريات بمشاركة 14 فنانا من جيل المبدعين المغاربة المرموقين، يتضمن برنامج هذه التظاهرة الفنية مشغلا مماثلا خاصا بأطفال أصيلة الفنانين الصغار، ومعرضا لأعمال مختارة للفنانين المشاركين في التظاهرة سيقام في رواق المعارض بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية. كما يتضمن برنامج هذه التظاهرة، معرضا لأعمال الفنانين الصغار المنجز في "مرسم الطفل" في موسم أصيلة 2019؛ ومعرضا للفنانين الزيلاشيين الشباب بقصر الثقافة، إلى جانب إقامة منحوتة معدنية كبيرة للفنانة المغربية إكرام القباج في الوسط الدائري بمحج محمد السادس. وستتم في إطار هذه التظاهرة أيضا مرافقة شباب "ورشة الكتابة" في توثيق أعمال الجداريات وكتابة بورتريهات تتحدث عن مسار كل فنانة وفنان وتجربتهم الإبداعية ضمن مشغل الكتابة. أما مراسيم التدشين الرسمي لهذه الأعمال الفنية، بما فيها إقامة المنحوتة المعدنية الكبيرة للفنانة المغربية إكرام القباج ستتم يوم 21 يوليوز. يشار إلى أن مؤسسة منتدى أصيلة، قررت تأجيل تنظيم موسم أصيلة الثقافي الدولي ال 42 الذي كان مرتقبا هذا الصيف إلى صيف 2021 بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد. ت /