لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا ابتداء من 11 نونبر الجاري بالرباط    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير مدرسة عليا بفرنسا: "المغرب أبان خلال جائحة كورونا على قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام" (حوار)
نشر في شمالي يوم 08 - 07 - 2020

أكد يوسف الرامي، عميد ومدير مجموعة المدرسة العليا للتجارة التابعة لغرفة التجارة و الصناعة لمنطقة "Pau" بفرنسا، أن التدابير التي قام بها المغرب أبانت عن قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام و حين يكون الهدف واضحا و مشتركا للمؤسسات و الإدارات و المواطنين.
وأضاف الرامي، الذي حل ضيفا على "شمالي" في هذا الحوار بخصوص التدبير الإداري والإصلاحات المتتالية التي عرفتها الإدارة المغربية منذ الاستقلال، (أضاف) أن الإصلاح حركة شمولية إذا لم ينخرط فيها أغلب الفاعلين إن لم يكن جلهم فلن تبلغ مداها لأن المؤسسات المنبثقة ستكون ضعيفة.
الحوار الكامل:
السؤال 1- قام المغرب بمجموعة من الإصلاحات معتمدا على الأخير لتقييم إصلاح قطاع الصحة،لكن في البداية دعنا بروفيسور الرامي نقف عند الاختلالات التي عرفها قطاع الصحة إلى حدود سنة 2002 والتي عجلت بالإصلاح؟
الجواب..
عرف المغرب كجل الدول الناشئة أو تلك التي في طريق النمو ، العديد من المشاكل في تسيير و تنظيم القطاعين الصحي و الاجتماعي ليكونا في مستوى احتياجات مواطنيه نظرا لقلة الموارد المالية ، و كذا لتراكم المشاكل الهيكلية الموروثة عن الحقب السابقة . فإذا ركزنا على قطاع الصحة ما قبل سنة 2002 فإننا نجده قد تميز بما يلي :
أولا : شح الموارد المالية (حوالي 60°/° من مصاريف الصحة يتحملها المواطن مباشرة ).
ثانيا : قلة الموارد البشرية عددا و كفاءة.
ثالثا : شبه انعدام المقاربات التشاورية في تدبير القطاع.
رابعا : سوء تغطية التراب الوطني بالمستشفيات و الاختصاصات و التجهيز و الأطر.
خامسا : تفشي بعض مظاهر الفساد (الرشوة و المحسوبية ).
هذه الظروف دفعت الدولة الى اختيار قطاع الصحة كأولوية لإصلاح الإدارة العمومية بالمغرب .
السؤال 2/ هل تتأثر خطة إصلاح الإدارة بالتغيير في القرارات السياسية للحكومة؟
الجواب..
في المقال العلمي الذي تم نشره في " المجلة العلمية الكندية للعلوم الإدارية "سنة 2018 تجدون الدراسة التي قمنا بها لسياسات إصلاح قطاع الصحة بالمغرب ما بين 2002 و 2012 . و باختصار، فقد أظهرت هذه الدراسة بعض التحسنات المهمة في أداء المستشفيات :
+ انخفاض عدد وفيات النساء عند الولادة بحوالي 50°/° و وفيات الرضع بحوالي 30 °/° ما بين 2004 و 2010 .
+ تحسن ملموس في علاج الأمراض المزمنة كضغط الدم و مرض السكري
+ مجهود واعد في توسيع التغطية الصحية .
لكن بجانب هذه التحسنات الحقيقية ، لم تستطع هذه الاصلاحات تغيير المشاكل الهيكلية للقطاع و للمستشفى العمومي : فمع النمو الملحوظ للموارد المخصصة للقطاع ( 52°/° + ما بين 2003 و 2013 ) لم تستطع هذه الزيادة تغطية احتياجات المواطنين و بقيت نسبة التمويل العام للصحة (ميزانية الدولة و التأمين الصحي الاجباري ) في حدود 44°/° أي أن 56°/° من هذا التمويل تم على حساب جيوب المواطن. في نفس الوقت لوحظ عدم توازن العرض الصحي على المستوى الوطني ، و ظل الخصاص في الموارد البشرية كما و كيفا مع عدم القدرة على القضاء على مظاهر الفساد الإداري.
ومن بين الخلاصات المهمة لهذه الدراسة هي عدم قدرة مشاريع الإصلاح المفروضة أو على الأقل المنقولة من الدول المتقدمة في تحسين أداء الإدارة المغربية ، سواء تعلق الأمر بقاطاعات الصحة أو التعليم أو العدل ، لأنها لا ترتكز على الواقع الخاص و لا تأخد بعين الإعتبار السياق التاريخي الذي يعيشه البلد ، و بالتالي فهي تنتج مشاكل جديدة داخل الإطار التنظيمي الذي من المفترض أن تقومه.
السؤال 3 / ماهو تعليقكم حول تدبير جائحة كوفيد 19 من طرف وزارة الصحة؟
الجواب..
نحمد الله على التدابير المتخذة و النتائج المرحلية المسجلة . هذا التدبير استطاع أن يحد من انتشار الفيروس ، و أن يبقي على نسبة الفتك في أدنى المستويات العالمية (5%،2 ). في هذا التدبير رأينا جميعا قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام و حين يكون الهدف واضحا و مشتركا للمؤسسات و الإدارات و المواطنين .
بالمناسبة ، هذه الجائحة تظهر لنا جليا مستوى الحضارة اللامادية للدول. فمن المفارقات التي تدعو غلى التأمل أن تكون الدول الأنجوساكونية ، التي لا تزال منذ أزد من 30 سنة المثال في إصلاح الادارة ، في قلب العاصفة مسجلة أعداد وفيات هائلة و بنظام صحي رغم تقدمه غير قادر على تحمل عبئ الجائحة.
لذلك فإن من النتائج المؤكدة لهذه المرحلة ، التذكير الصريح بأن الصحة ليست سلعة و لا يمكن تسييرها بمنطق الاقتصاد الصرف ، مع أهمية ترشيد النفقات و محاربة الفساد ، حقيقة لا شعارات ، لأن ذلك شرط إعادة الثقة المفقودة في كثير من الأوقات و الأماكن.
السؤال 4/ تحدثتم في محاضرة ألقيتموها مؤخرا عن مزايا البيروقراطية،هل من تفصيل في هذا الباب؟
الجواب..
تحدثت في هذه المحاضرة المنظمة في إطار الأنشطة العلمية الرمضانية لجامعة عبد المالك السعدي _ كلية العرائش من طرف الأستاذ أحمد وزاني التهامي عن مزايا البروقراطية ، و هنا لا أعني أبدا أشكال البيروقراطية التي عهدناها في الإدارات المغربية و في دول الجنوب بصفة عامة ، لأن هذه الأشكال من العمل تفتقر إلى الركيزتين الأساسيتين التي بنيت عليها بيروقراطية الدول المتقدمة :
أولا / مبدأ المساواة : و التي تجعل من المواطنين سواسية أمام القانون ، أي أن القانون و القواعد الواضحة و المعروفة مسبقا فوق الجميع.
ثانيا / مبدأ الكفاءة : في التوظيف و في الترقية ، الكفاءة هي المبدأ الأول .
سؤالي لكم و للقراء الكرام : متى كانت الإدارة المغربية بصفة عامة شفافة من ناحية الكفاءة ؟ لذلك أقول مادامت الإصلاحات الإدارية لم تهتم بالأسس، التي هي مرتبطة بالأخلاق و مبادئ الدول فإنها ستفشل، لأن الإشكالية ليست فقط مادية بل هي في الأساس معنوية . لذلك فإنني حينما أستدعي بيروقراطية ماكس فيبير ( عالم الاقتصاد و الاجتماع الألماني 1864_1920 ) فليس المراد هو النقل أو التماثل المؤسساتي ، بل المراد هنا هو بناء النمودج الإصلاحي الخاص بالمغرب المبني على القيم التي بدورها تعيد بناء الثقة بين المؤسسات و الهياكل الإدارية و الأشخاص .
السؤال / قامت الدولة بتعيين مجموعة من التكنوقراط في سياق إصلاح الادارة، هل يمكن اعتبار الفاعل السياسي عائقا لعملية الإصلاح في بعض الحالات؟
الجواب ..
ما دام المواطن يرى في كثير من السياسيين تجسيدا لعدم الكفاءة و لتغليب منطق المغنم فهو لن يمد يد العون للإصلاح ، و لن يكون هناك إصلاح في المستوى المنشود بدون طبقة سياسية في مستوى المسؤولية ، قادرة على بناء الثقة بطول نفس لأن التكنوقراط مع ما لهم من كفاءة ، فإنهم ليسوا مسؤولين أمام المواطن لأنه لم يخترهم .
الإصلاح حركة شمولية إذا لم ينخرط فيها أغلب الفاعلين إن لم يكن جلهم فلن تبلغ مداها لأن المؤسسات المنبثقة ستكون ضعيفة .
السؤال 5 / ألم ترتكب الحكومة خطأ استراتيجيا بأقدامها على سياسة المغادرة الطوعية؟
الجواب..
سياسة المغادرة الطوعية هي مثال للثماتل المؤسساتي المفروض من الخارج ، إنطلاقا من أن أسواق المال الدولية ، بنظرتها الليبيرالية الصرفة ، تحكم بقسوة على الحكومات التي تنفق مبالغ عالية على المرافق العمومية فقد انخرط البنك الدولي ، مستعينا في بعض الأحيان بصندوق النقد الدولي و عدد كبير من المنظمات الدولية و القارية ، في إقرار الإصلاحات الضرورية من وجهة نظره على الدول التي تستدعيه لإعانتها ، فرضا او اقتراحا مؤكدا.
المغرب لم يكن استثناءا في هذا المجال ، فمن بين أزيد من 38000 موظف مغادر أي حوالي %6،7 من الموظفين ، كان هناك حوالي 2200 إطار من وزارة الصحة التي لا تزال تشكوا قلة الموارد البشرية ، كما نجد أن من بين الاشكالات المرتبطة بهذه السياسة المفروضة عقائديا من الخارج نجد عجز صناديق التقاعد التي استبدلت مساهمين بمستفيدين .
السؤال 6/ هل من تعريف ولو مقتضب لمفهوم التدبير العمومي الجديد New management public ، ومن خلال ذلك تعريف نمودج فيبير أونمودج مابعد البيروقراطية؟
الجواب..
التدبير العمومي الجديد هي نظرية ظهرت في انجلترا مارجرت تاتشر و أمريكا رونالد ريغان أي في أواسط الثمانينات. انطلاقا من ضرورة جلب مزيد من رؤوس الأموال اللازمة لحركة الاقتصاد ثم تشجيع تحرير حركة الأموال و توسيع قواعد الأنظمة البنكية. من تم بدأت المنافسة على جلب و ابقاء رؤوس الأموال و الاستمارات الأجنبية من خلال تخفيض الضرائب . هذا التخفيض أدى إلى تقليص الموارد المالية للدول و عدم قدرتها على الاستثمار اللازم في القطاعات العمومية ، لدى كان لزاما ترشيد النفقات و تحسيين الأداء. من هذا المنطلق ظهرت نظرية التدبير العمومي كمركب عقائدي يفتقر الى عمود فقري متماسك، فنحن نجده ينادي بمبادئ المنافسة و الخوصصة و المحاسبة و التقييم و المسائلة و الجودة و النتائج، غير أنه في جل التجارب التي تم تقييمها في الدول المتقدمة و الناشئة نجده قد أثبت فشله لأنه لم يستطع إعادة تشكيل السياقات التي جاء لإصلاحها. لذلك فنحن ننادي بنمودج خاص مبني على ما يسمى بنظرية » ما بعد البروقراطية الفيبيرية« و الذي يبقى الدور المركزي للدولة بدل مبدأ السوق ، والذي يدعو الى بناء الأنظمة الإدارية ابتداء من التجارب و الكفاءات و القيم الذاتية للدول. ولعل نتائج عمل اللجنة الخاصة بإعداد النمودج التنموي المغربي ستتجه في هذا الاتجاه وهو في نظرنا في قلب مهامها .
السؤال 7 / ما هي الدوافع التي جعلتكم مقتنعين بجدوى التدبير العمومي النيوفيبيري؟ وماهي القطاعات التي تعتقدون أنه سينجح فيها؟
الجواب..
يقول المثل الشعبي : " لبس قدك يواتيك " ولعل الأمثلة الشعبية هي لسان الفطرة السليمة للشعوب . لذلك فإننا عندما نستلهم من أعمال ماكس فيبير نظرية ما بعد الفيبيرية ، فإننا نستلهم ما هو مشترك وليس ما هو تقليد أو محاولة تماثل .
المشترك الذي نستلهمه يقول أن الحضارات تبنى على القيم الذاتية وعلى المبادئ الانسانية التي تعزز التماسك الاجتماعي، إذ أنه لا يوجد تماسك إجتماعي مع غياب الثقة ، ولا تبنى الثقة بدون أسس مؤسساتية ومن دون هياكل حوكمة قوية بثقة المواطنين، وهنا أستدعي المقولة الشهيرة لأوليفير ويليامسون ( حاصل على جائزة نوبل للاقتصاد 2009 توفي يوم 23/05/2020) : " المؤسسات و هياكل الحكم مترابطة " بمعنى أن نجاعة السياسات مرتبطة الى حد كبير بكفاءة وتنظيم الحكامة والتي بدورها لن تكون في المستوى المطلوب في غياب مؤسسات قوية بثقة المواطنين . لكن الثقة تستوجب محاربة الفساد بكل أشكاله عبر إحقاق مبادئ المساواة والكفاءة الموروثة من أبحاث ماكس فيبير والموروثة قبله من أسس الحضارة الإسلامية بشقيها المشرقي و المغربي الأندلسي الأصيل.
السؤال 8 / ألا تعتقدون أن عدم تحمل الجماعات الترابية لمسؤوليتها الدستورية فيما يخص حفظ الصحة يعيق اصلاح القطاع؟
الجواب..
الجماعات الترابية المغربية تعاني هي نفسها من مشاكل في التدبير أعمق من تلك التي تشهدها الإدارات العمومية التابعة للدولة، فإذا كانت هذه الجماعات قد إستفادت بشكل مضطرد خلال الثلاثين سنة الأخيرة من زيادة استقلالية القرار و من اتساع الاختصاصات في اطار سياسة اللامركزية فان تقارير المجالس الجهوية للحسابات تظهر تجاوزات بالجملة في تدبير الشأن المحلي. فإلى جانب معدلات منخفضة لتحصيل الضرائب و الرسوم و عدم الامتثال لإجراءات المشتريات العامة و الدفع مع عدم اثبات وجود خدمة فعالة مقدمة ، و التأخيرات الكبيرة في الانتهاء من تنفيذ بعض الأسواق العمومية ، فإننا نجد قلة السيطرة على أملاك البلديات وعدم الإمتثال لمواصفات إدارة الخدمات العامة المحلية . أبعد من ذلك، تظهر إدارة الموارد البشرية انتشار عدم الامتثال للنصوص في التشغيل ، المفضي إلى ضعف كفاءة الموظفين المؤدي في كثير من الأحيان إلى الجمود في تدبير المرافق و عدم الإجابة على تطلعات المواطنين .
لعل المستوى المحلي هو أضعف حلقة في إحقاق مبادئ المساواة و الكفاءة في تدبير الشأن العام و خدمة المواطين .
السؤال 9 / تهدف إستقلالية الجامعات إلى جعل تدبيرها الإداري أكثر كفاءة وافضل حكامة ، لكن واقع الجامعة اليوم يظهر غير ذلك واظهر اختلالات مهمة، في رأيكم السيد العميد ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الامر؟
الجواب ..
في الحقيقة لم أدرس مسألة استقلالية الجامعات لكي يكون لي جواب مبني على نتائج علمية ، لكن بحكم عملي كأستاذ مساعد في الجامعة المغربية ما بين 2010 و 2014 ، فقد شهدت تطبيق البرنامج الاستعجالي الذي كان من أهدافه تقوية موارد الجامعة و تحسين أدائها مع منحها استقلالية أكبر في التدبير و الاستثمار .
النتائج المسجلة لهذا البرنامج الاستعجالي لم تكن في المستوى و الاختلالات المسجلة كانت كذلك بالجملة . من بين الأسباب البديهية ، قلة الخبرة و قلة التجربة و النقص في الرقابة و أكثر من ذلك كله غياب الصيغ التشاركية في حالات عديدة خلال إقرار أهداف السياسة و الاستراتيجية الجامعية .مع ذلك نجد بعض النجاحات المحلية التي يجب الإستلهام منها لأنها غالبا ما كانت نتيجة تدبير محلي رائد يتميز في بعض الأحيان برؤية متنورة و في أحيان أخرى بإنخراط فعلي في مناهج تشاركية مكنت من بناء رؤية مشتركة و أهداف أمكن تحقيقها .
السؤال 10 / هل يمكن اعتبار منطق التدبير العمومي الجديد ، وراء هذا الفشل؟
الجواب..
الدواء الخطأ لم و لن يشفي مريضا . إذا كانت أسس الإدارة ضعيفة فلن تنفع أدوات التدبير العمومي الجديد ، أو أي أدوات أخرى.
السؤال 11 / ما رأيكم في مسألة تزايد وثيرة تسليع التربية والتعليم بالمدرسة المغربية وماعلاقة ذلك بNMP؟
الجواب..
أعتقد أن تسليع التربية من نتائج الليبرالية الجديدة، ففي غياب – أو على الأقل مع نقص – الرقابة ( جودة الخدمات ، جودة المحتوى ، النتائج الفعلية ) فإن منطق الريع سيكون هو الغالب في القطاع الخاص . أستطيع التكلم في هذا الموضوع بدون خجل كوني مدير لمدرسة عليا خاصة مع أنها تابعة لغرفة التجارة و الصناعة ، أي أنها تابعة لمرفق عمومي.
أستطيع أن أجزم أن الرقابة المفروضة على المدارس الخاصة في أوروبا و أمريكا هي أكبر و أقوى بكثير من تلك المفروضة على الجامعات، فان لم تستوفي الشروط الصارمة والواضحة فستفقد معادلة الشهادة أو لربما رخصة العمل . هذه الرقابة التي كنا نراها في الماضي من معوقات عملنا ، صارت اليوم من الأسباب الأساسية لجودة التعليم و لنجاح حاملي شهاداتنا في التوظيف و حتى للريادة في البحث العلمي .
لذلك ، يجب أن نقول إن التعليم مسؤولية ، و هو في الأساس سياسة عمومية . فإذا قررت الدولة تفويض القطاع للقطاع الخاص في هذا المجال فهي تبقى المسؤولة عن كفاءة الفاعلين وعن نتائج هذا التفويض .
السؤال 12 / باعتباركم من الكفاءات الوطنية المهاجرة ،وعلاقة بتعيين الدكتور منصف السلاوي على رأس فريق علمي امريكي لمحاربة فيروس كورونا المستجد بالولايات المتحدة الأمريكية ،ماهي الأمور التي على الدولة المغربية توفيره اللاستفادة من هذه الكفاءات المغربية المتميزة في العديد من المجالات العلمية الاستراتيجية والتي هي في الواقع، نتاج المدرسة المغربية؟
الجواب..
مسألة الكفاءات التي تهاجر هي ربما من أكبر المشاكل التي تعيق تقدم الدول الناشئة. فإذا لاحظنا ما حصل في دول أسيوية استطاعت التقدم و الرقي بالعلوم فسنجد أنها لم تقم بسياسات موجهة خاصة إلى هذه الفئة و لكنها قامت بسياسات بنيوية مبنية على مبادئ الكفاءة و المساواة ، أي أنها حاربت أنواع الفساد التي من أخبثها غياب الوضوح في كتابة القواعد ، الشيء الذي يترتب عنه وجود قراءات لهذه القواعد ينتج عنها الاحباط و البحث عن البديل في الخارج .
وهنا لا أضيف شيئا على قصيدة الامام الشافعي وهو ينشد :
" ما في المقام الذي عقل وذي أدب == من راحة فدع الأوطان و اغترب "
إلى أخر القصيدة .
كثير من هؤلاء الناس يمنون النفس بالعودة و العمل في المغرب ، لذلك لو توفرت الظروف الضرورية ، سنجد الكثير منهم مقبلين مسلحين بتجاربهم الغنية والمتنوعة .
الدكتور منصف السلاوي مثال رائع، وغيره كثر. لكن، لا يجب أن ننسا تلك الكفاءات أو المواهب التي لم تهاجر ولم تستطع إثبات ذاتها. لعل وضعها أسوء لأنها ما فتأت تقاوم أمواج الإحباط و الفشل.
أنا لا أومن بالحتمية ، لكني أومن بالإرادة و التطوع ، لذلك فإنني من الناس الذين يتمنون صدقا أن تفضي أعمال اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي الجديد إلى اقتراح الأسس المتينة المستوحاة من القيم الذاتية للحضارة المغربية الاسلامية ، برافد يها الأمازيغي و العربي .
السؤال 13/ في نظركم، هل يمكن ان نشهد عودة قوية للفكر الكنيزي وتدخل الدولة المباشر في الحياة الاقتصادية وخاصة في تدبيرالقطاعات الحيوية كنتيجة للأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن إنتشار فيروس كورونا المستجد؟
الجواب..
الدولة المغربية تتدخل مباشرة في الاقتصاد من خلال سياسات عمومية واعدة : مخطط تسريع التنمية الصناعية ، الاستراتيجية الطاقية الوطنية ، المخطط الأزرق و غيرها. لكن هناك تغيير مهم على مستوى العالم ، ناتج عن جائحة كورونا ، إذ أنه حتى الدول المبنية على أسس ليبيرالية وجدت نفسها مضطرة للتدخل في الاقتصاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.