المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير مدرسة عليا بفرنسا: "المغرب أبان خلال جائحة كورونا على قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام" (حوار)
نشر في شمالي يوم 08 - 07 - 2020

أكد يوسف الرامي، عميد ومدير مجموعة المدرسة العليا للتجارة التابعة لغرفة التجارة و الصناعة لمنطقة "Pau" بفرنسا، أن التدابير التي قام بها المغرب أبانت عن قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام و حين يكون الهدف واضحا و مشتركا للمؤسسات و الإدارات و المواطنين.
وأضاف الرامي، الذي حل ضيفا على "شمالي" في هذا الحوار بخصوص التدبير الإداري والإصلاحات المتتالية التي عرفتها الإدارة المغربية منذ الاستقلال، (أضاف) أن الإصلاح حركة شمولية إذا لم ينخرط فيها أغلب الفاعلين إن لم يكن جلهم فلن تبلغ مداها لأن المؤسسات المنبثقة ستكون ضعيفة.
الحوار الكامل:
السؤال 1- قام المغرب بمجموعة من الإصلاحات معتمدا على الأخير لتقييم إصلاح قطاع الصحة،لكن في البداية دعنا بروفيسور الرامي نقف عند الاختلالات التي عرفها قطاع الصحة إلى حدود سنة 2002 والتي عجلت بالإصلاح؟
الجواب..
عرف المغرب كجل الدول الناشئة أو تلك التي في طريق النمو ، العديد من المشاكل في تسيير و تنظيم القطاعين الصحي و الاجتماعي ليكونا في مستوى احتياجات مواطنيه نظرا لقلة الموارد المالية ، و كذا لتراكم المشاكل الهيكلية الموروثة عن الحقب السابقة . فإذا ركزنا على قطاع الصحة ما قبل سنة 2002 فإننا نجده قد تميز بما يلي :
أولا : شح الموارد المالية (حوالي 60°/° من مصاريف الصحة يتحملها المواطن مباشرة ).
ثانيا : قلة الموارد البشرية عددا و كفاءة.
ثالثا : شبه انعدام المقاربات التشاورية في تدبير القطاع.
رابعا : سوء تغطية التراب الوطني بالمستشفيات و الاختصاصات و التجهيز و الأطر.
خامسا : تفشي بعض مظاهر الفساد (الرشوة و المحسوبية ).
هذه الظروف دفعت الدولة الى اختيار قطاع الصحة كأولوية لإصلاح الإدارة العمومية بالمغرب .
السؤال 2/ هل تتأثر خطة إصلاح الإدارة بالتغيير في القرارات السياسية للحكومة؟
الجواب..
في المقال العلمي الذي تم نشره في " المجلة العلمية الكندية للعلوم الإدارية "سنة 2018 تجدون الدراسة التي قمنا بها لسياسات إصلاح قطاع الصحة بالمغرب ما بين 2002 و 2012 . و باختصار، فقد أظهرت هذه الدراسة بعض التحسنات المهمة في أداء المستشفيات :
+ انخفاض عدد وفيات النساء عند الولادة بحوالي 50°/° و وفيات الرضع بحوالي 30 °/° ما بين 2004 و 2010 .
+ تحسن ملموس في علاج الأمراض المزمنة كضغط الدم و مرض السكري
+ مجهود واعد في توسيع التغطية الصحية .
لكن بجانب هذه التحسنات الحقيقية ، لم تستطع هذه الاصلاحات تغيير المشاكل الهيكلية للقطاع و للمستشفى العمومي : فمع النمو الملحوظ للموارد المخصصة للقطاع ( 52°/° + ما بين 2003 و 2013 ) لم تستطع هذه الزيادة تغطية احتياجات المواطنين و بقيت نسبة التمويل العام للصحة (ميزانية الدولة و التأمين الصحي الاجباري ) في حدود 44°/° أي أن 56°/° من هذا التمويل تم على حساب جيوب المواطن. في نفس الوقت لوحظ عدم توازن العرض الصحي على المستوى الوطني ، و ظل الخصاص في الموارد البشرية كما و كيفا مع عدم القدرة على القضاء على مظاهر الفساد الإداري.
ومن بين الخلاصات المهمة لهذه الدراسة هي عدم قدرة مشاريع الإصلاح المفروضة أو على الأقل المنقولة من الدول المتقدمة في تحسين أداء الإدارة المغربية ، سواء تعلق الأمر بقاطاعات الصحة أو التعليم أو العدل ، لأنها لا ترتكز على الواقع الخاص و لا تأخد بعين الإعتبار السياق التاريخي الذي يعيشه البلد ، و بالتالي فهي تنتج مشاكل جديدة داخل الإطار التنظيمي الذي من المفترض أن تقومه.
السؤال 3 / ماهو تعليقكم حول تدبير جائحة كوفيد 19 من طرف وزارة الصحة؟
الجواب..
نحمد الله على التدابير المتخذة و النتائج المرحلية المسجلة . هذا التدبير استطاع أن يحد من انتشار الفيروس ، و أن يبقي على نسبة الفتك في أدنى المستويات العالمية (5%،2 ). في هذا التدبير رأينا جميعا قوة الدولة المركزية حين تتحرك بنظام و حين يكون الهدف واضحا و مشتركا للمؤسسات و الإدارات و المواطنين .
بالمناسبة ، هذه الجائحة تظهر لنا جليا مستوى الحضارة اللامادية للدول. فمن المفارقات التي تدعو غلى التأمل أن تكون الدول الأنجوساكونية ، التي لا تزال منذ أزد من 30 سنة المثال في إصلاح الادارة ، في قلب العاصفة مسجلة أعداد وفيات هائلة و بنظام صحي رغم تقدمه غير قادر على تحمل عبئ الجائحة.
لذلك فإن من النتائج المؤكدة لهذه المرحلة ، التذكير الصريح بأن الصحة ليست سلعة و لا يمكن تسييرها بمنطق الاقتصاد الصرف ، مع أهمية ترشيد النفقات و محاربة الفساد ، حقيقة لا شعارات ، لأن ذلك شرط إعادة الثقة المفقودة في كثير من الأوقات و الأماكن.
السؤال 4/ تحدثتم في محاضرة ألقيتموها مؤخرا عن مزايا البيروقراطية،هل من تفصيل في هذا الباب؟
الجواب..
تحدثت في هذه المحاضرة المنظمة في إطار الأنشطة العلمية الرمضانية لجامعة عبد المالك السعدي _ كلية العرائش من طرف الأستاذ أحمد وزاني التهامي عن مزايا البروقراطية ، و هنا لا أعني أبدا أشكال البيروقراطية التي عهدناها في الإدارات المغربية و في دول الجنوب بصفة عامة ، لأن هذه الأشكال من العمل تفتقر إلى الركيزتين الأساسيتين التي بنيت عليها بيروقراطية الدول المتقدمة :
أولا / مبدأ المساواة : و التي تجعل من المواطنين سواسية أمام القانون ، أي أن القانون و القواعد الواضحة و المعروفة مسبقا فوق الجميع.
ثانيا / مبدأ الكفاءة : في التوظيف و في الترقية ، الكفاءة هي المبدأ الأول .
سؤالي لكم و للقراء الكرام : متى كانت الإدارة المغربية بصفة عامة شفافة من ناحية الكفاءة ؟ لذلك أقول مادامت الإصلاحات الإدارية لم تهتم بالأسس، التي هي مرتبطة بالأخلاق و مبادئ الدول فإنها ستفشل، لأن الإشكالية ليست فقط مادية بل هي في الأساس معنوية . لذلك فإنني حينما أستدعي بيروقراطية ماكس فيبير ( عالم الاقتصاد و الاجتماع الألماني 1864_1920 ) فليس المراد هو النقل أو التماثل المؤسساتي ، بل المراد هنا هو بناء النمودج الإصلاحي الخاص بالمغرب المبني على القيم التي بدورها تعيد بناء الثقة بين المؤسسات و الهياكل الإدارية و الأشخاص .
السؤال / قامت الدولة بتعيين مجموعة من التكنوقراط في سياق إصلاح الادارة، هل يمكن اعتبار الفاعل السياسي عائقا لعملية الإصلاح في بعض الحالات؟
الجواب ..
ما دام المواطن يرى في كثير من السياسيين تجسيدا لعدم الكفاءة و لتغليب منطق المغنم فهو لن يمد يد العون للإصلاح ، و لن يكون هناك إصلاح في المستوى المنشود بدون طبقة سياسية في مستوى المسؤولية ، قادرة على بناء الثقة بطول نفس لأن التكنوقراط مع ما لهم من كفاءة ، فإنهم ليسوا مسؤولين أمام المواطن لأنه لم يخترهم .
الإصلاح حركة شمولية إذا لم ينخرط فيها أغلب الفاعلين إن لم يكن جلهم فلن تبلغ مداها لأن المؤسسات المنبثقة ستكون ضعيفة .
السؤال 5 / ألم ترتكب الحكومة خطأ استراتيجيا بأقدامها على سياسة المغادرة الطوعية؟
الجواب..
سياسة المغادرة الطوعية هي مثال للثماتل المؤسساتي المفروض من الخارج ، إنطلاقا من أن أسواق المال الدولية ، بنظرتها الليبيرالية الصرفة ، تحكم بقسوة على الحكومات التي تنفق مبالغ عالية على المرافق العمومية فقد انخرط البنك الدولي ، مستعينا في بعض الأحيان بصندوق النقد الدولي و عدد كبير من المنظمات الدولية و القارية ، في إقرار الإصلاحات الضرورية من وجهة نظره على الدول التي تستدعيه لإعانتها ، فرضا او اقتراحا مؤكدا.
المغرب لم يكن استثناءا في هذا المجال ، فمن بين أزيد من 38000 موظف مغادر أي حوالي %6،7 من الموظفين ، كان هناك حوالي 2200 إطار من وزارة الصحة التي لا تزال تشكوا قلة الموارد البشرية ، كما نجد أن من بين الاشكالات المرتبطة بهذه السياسة المفروضة عقائديا من الخارج نجد عجز صناديق التقاعد التي استبدلت مساهمين بمستفيدين .
السؤال 6/ هل من تعريف ولو مقتضب لمفهوم التدبير العمومي الجديد New management public ، ومن خلال ذلك تعريف نمودج فيبير أونمودج مابعد البيروقراطية؟
الجواب..
التدبير العمومي الجديد هي نظرية ظهرت في انجلترا مارجرت تاتشر و أمريكا رونالد ريغان أي في أواسط الثمانينات. انطلاقا من ضرورة جلب مزيد من رؤوس الأموال اللازمة لحركة الاقتصاد ثم تشجيع تحرير حركة الأموال و توسيع قواعد الأنظمة البنكية. من تم بدأت المنافسة على جلب و ابقاء رؤوس الأموال و الاستمارات الأجنبية من خلال تخفيض الضرائب . هذا التخفيض أدى إلى تقليص الموارد المالية للدول و عدم قدرتها على الاستثمار اللازم في القطاعات العمومية ، لدى كان لزاما ترشيد النفقات و تحسيين الأداء. من هذا المنطلق ظهرت نظرية التدبير العمومي كمركب عقائدي يفتقر الى عمود فقري متماسك، فنحن نجده ينادي بمبادئ المنافسة و الخوصصة و المحاسبة و التقييم و المسائلة و الجودة و النتائج، غير أنه في جل التجارب التي تم تقييمها في الدول المتقدمة و الناشئة نجده قد أثبت فشله لأنه لم يستطع إعادة تشكيل السياقات التي جاء لإصلاحها. لذلك فنحن ننادي بنمودج خاص مبني على ما يسمى بنظرية » ما بعد البروقراطية الفيبيرية« و الذي يبقى الدور المركزي للدولة بدل مبدأ السوق ، والذي يدعو الى بناء الأنظمة الإدارية ابتداء من التجارب و الكفاءات و القيم الذاتية للدول. ولعل نتائج عمل اللجنة الخاصة بإعداد النمودج التنموي المغربي ستتجه في هذا الاتجاه وهو في نظرنا في قلب مهامها .
السؤال 7 / ما هي الدوافع التي جعلتكم مقتنعين بجدوى التدبير العمومي النيوفيبيري؟ وماهي القطاعات التي تعتقدون أنه سينجح فيها؟
الجواب..
يقول المثل الشعبي : " لبس قدك يواتيك " ولعل الأمثلة الشعبية هي لسان الفطرة السليمة للشعوب . لذلك فإننا عندما نستلهم من أعمال ماكس فيبير نظرية ما بعد الفيبيرية ، فإننا نستلهم ما هو مشترك وليس ما هو تقليد أو محاولة تماثل .
المشترك الذي نستلهمه يقول أن الحضارات تبنى على القيم الذاتية وعلى المبادئ الانسانية التي تعزز التماسك الاجتماعي، إذ أنه لا يوجد تماسك إجتماعي مع غياب الثقة ، ولا تبنى الثقة بدون أسس مؤسساتية ومن دون هياكل حوكمة قوية بثقة المواطنين، وهنا أستدعي المقولة الشهيرة لأوليفير ويليامسون ( حاصل على جائزة نوبل للاقتصاد 2009 توفي يوم 23/05/2020) : " المؤسسات و هياكل الحكم مترابطة " بمعنى أن نجاعة السياسات مرتبطة الى حد كبير بكفاءة وتنظيم الحكامة والتي بدورها لن تكون في المستوى المطلوب في غياب مؤسسات قوية بثقة المواطنين . لكن الثقة تستوجب محاربة الفساد بكل أشكاله عبر إحقاق مبادئ المساواة والكفاءة الموروثة من أبحاث ماكس فيبير والموروثة قبله من أسس الحضارة الإسلامية بشقيها المشرقي و المغربي الأندلسي الأصيل.
السؤال 8 / ألا تعتقدون أن عدم تحمل الجماعات الترابية لمسؤوليتها الدستورية فيما يخص حفظ الصحة يعيق اصلاح القطاع؟
الجواب..
الجماعات الترابية المغربية تعاني هي نفسها من مشاكل في التدبير أعمق من تلك التي تشهدها الإدارات العمومية التابعة للدولة، فإذا كانت هذه الجماعات قد إستفادت بشكل مضطرد خلال الثلاثين سنة الأخيرة من زيادة استقلالية القرار و من اتساع الاختصاصات في اطار سياسة اللامركزية فان تقارير المجالس الجهوية للحسابات تظهر تجاوزات بالجملة في تدبير الشأن المحلي. فإلى جانب معدلات منخفضة لتحصيل الضرائب و الرسوم و عدم الامتثال لإجراءات المشتريات العامة و الدفع مع عدم اثبات وجود خدمة فعالة مقدمة ، و التأخيرات الكبيرة في الانتهاء من تنفيذ بعض الأسواق العمومية ، فإننا نجد قلة السيطرة على أملاك البلديات وعدم الإمتثال لمواصفات إدارة الخدمات العامة المحلية . أبعد من ذلك، تظهر إدارة الموارد البشرية انتشار عدم الامتثال للنصوص في التشغيل ، المفضي إلى ضعف كفاءة الموظفين المؤدي في كثير من الأحيان إلى الجمود في تدبير المرافق و عدم الإجابة على تطلعات المواطنين .
لعل المستوى المحلي هو أضعف حلقة في إحقاق مبادئ المساواة و الكفاءة في تدبير الشأن العام و خدمة المواطين .
السؤال 9 / تهدف إستقلالية الجامعات إلى جعل تدبيرها الإداري أكثر كفاءة وافضل حكامة ، لكن واقع الجامعة اليوم يظهر غير ذلك واظهر اختلالات مهمة، في رأيكم السيد العميد ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الامر؟
الجواب ..
في الحقيقة لم أدرس مسألة استقلالية الجامعات لكي يكون لي جواب مبني على نتائج علمية ، لكن بحكم عملي كأستاذ مساعد في الجامعة المغربية ما بين 2010 و 2014 ، فقد شهدت تطبيق البرنامج الاستعجالي الذي كان من أهدافه تقوية موارد الجامعة و تحسين أدائها مع منحها استقلالية أكبر في التدبير و الاستثمار .
النتائج المسجلة لهذا البرنامج الاستعجالي لم تكن في المستوى و الاختلالات المسجلة كانت كذلك بالجملة . من بين الأسباب البديهية ، قلة الخبرة و قلة التجربة و النقص في الرقابة و أكثر من ذلك كله غياب الصيغ التشاركية في حالات عديدة خلال إقرار أهداف السياسة و الاستراتيجية الجامعية .مع ذلك نجد بعض النجاحات المحلية التي يجب الإستلهام منها لأنها غالبا ما كانت نتيجة تدبير محلي رائد يتميز في بعض الأحيان برؤية متنورة و في أحيان أخرى بإنخراط فعلي في مناهج تشاركية مكنت من بناء رؤية مشتركة و أهداف أمكن تحقيقها .
السؤال 10 / هل يمكن اعتبار منطق التدبير العمومي الجديد ، وراء هذا الفشل؟
الجواب..
الدواء الخطأ لم و لن يشفي مريضا . إذا كانت أسس الإدارة ضعيفة فلن تنفع أدوات التدبير العمومي الجديد ، أو أي أدوات أخرى.
السؤال 11 / ما رأيكم في مسألة تزايد وثيرة تسليع التربية والتعليم بالمدرسة المغربية وماعلاقة ذلك بNMP؟
الجواب..
أعتقد أن تسليع التربية من نتائج الليبرالية الجديدة، ففي غياب – أو على الأقل مع نقص – الرقابة ( جودة الخدمات ، جودة المحتوى ، النتائج الفعلية ) فإن منطق الريع سيكون هو الغالب في القطاع الخاص . أستطيع التكلم في هذا الموضوع بدون خجل كوني مدير لمدرسة عليا خاصة مع أنها تابعة لغرفة التجارة و الصناعة ، أي أنها تابعة لمرفق عمومي.
أستطيع أن أجزم أن الرقابة المفروضة على المدارس الخاصة في أوروبا و أمريكا هي أكبر و أقوى بكثير من تلك المفروضة على الجامعات، فان لم تستوفي الشروط الصارمة والواضحة فستفقد معادلة الشهادة أو لربما رخصة العمل . هذه الرقابة التي كنا نراها في الماضي من معوقات عملنا ، صارت اليوم من الأسباب الأساسية لجودة التعليم و لنجاح حاملي شهاداتنا في التوظيف و حتى للريادة في البحث العلمي .
لذلك ، يجب أن نقول إن التعليم مسؤولية ، و هو في الأساس سياسة عمومية . فإذا قررت الدولة تفويض القطاع للقطاع الخاص في هذا المجال فهي تبقى المسؤولة عن كفاءة الفاعلين وعن نتائج هذا التفويض .
السؤال 12 / باعتباركم من الكفاءات الوطنية المهاجرة ،وعلاقة بتعيين الدكتور منصف السلاوي على رأس فريق علمي امريكي لمحاربة فيروس كورونا المستجد بالولايات المتحدة الأمريكية ،ماهي الأمور التي على الدولة المغربية توفيره اللاستفادة من هذه الكفاءات المغربية المتميزة في العديد من المجالات العلمية الاستراتيجية والتي هي في الواقع، نتاج المدرسة المغربية؟
الجواب..
مسألة الكفاءات التي تهاجر هي ربما من أكبر المشاكل التي تعيق تقدم الدول الناشئة. فإذا لاحظنا ما حصل في دول أسيوية استطاعت التقدم و الرقي بالعلوم فسنجد أنها لم تقم بسياسات موجهة خاصة إلى هذه الفئة و لكنها قامت بسياسات بنيوية مبنية على مبادئ الكفاءة و المساواة ، أي أنها حاربت أنواع الفساد التي من أخبثها غياب الوضوح في كتابة القواعد ، الشيء الذي يترتب عنه وجود قراءات لهذه القواعد ينتج عنها الاحباط و البحث عن البديل في الخارج .
وهنا لا أضيف شيئا على قصيدة الامام الشافعي وهو ينشد :
" ما في المقام الذي عقل وذي أدب == من راحة فدع الأوطان و اغترب "
إلى أخر القصيدة .
كثير من هؤلاء الناس يمنون النفس بالعودة و العمل في المغرب ، لذلك لو توفرت الظروف الضرورية ، سنجد الكثير منهم مقبلين مسلحين بتجاربهم الغنية والمتنوعة .
الدكتور منصف السلاوي مثال رائع، وغيره كثر. لكن، لا يجب أن ننسا تلك الكفاءات أو المواهب التي لم تهاجر ولم تستطع إثبات ذاتها. لعل وضعها أسوء لأنها ما فتأت تقاوم أمواج الإحباط و الفشل.
أنا لا أومن بالحتمية ، لكني أومن بالإرادة و التطوع ، لذلك فإنني من الناس الذين يتمنون صدقا أن تفضي أعمال اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي الجديد إلى اقتراح الأسس المتينة المستوحاة من القيم الذاتية للحضارة المغربية الاسلامية ، برافد يها الأمازيغي و العربي .
السؤال 13/ في نظركم، هل يمكن ان نشهد عودة قوية للفكر الكنيزي وتدخل الدولة المباشر في الحياة الاقتصادية وخاصة في تدبيرالقطاعات الحيوية كنتيجة للأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن إنتشار فيروس كورونا المستجد؟
الجواب..
الدولة المغربية تتدخل مباشرة في الاقتصاد من خلال سياسات عمومية واعدة : مخطط تسريع التنمية الصناعية ، الاستراتيجية الطاقية الوطنية ، المخطط الأزرق و غيرها. لكن هناك تغيير مهم على مستوى العالم ، ناتج عن جائحة كورونا ، إذ أنه حتى الدول المبنية على أسس ليبيرالية وجدت نفسها مضطرة للتدخل في الاقتصاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.