أبرز المشاركون في ندوة حول “الاتفاقيات الجماعية في عصر تحولات العلاقات الاجتماعية”، اليوم السبت بطنجة، أهمية تحيين مدونة الشغل لمسايرة مستجدات سوق العمل وتشجيع بلورة الاتفاقيات الجماعية التي من شأنها ضمان استقرار المقاولات والسلم الاجتماعي. وأوضح المشاركون في الندوة، التي نظمتها الجمعية المغربية لمسيري ومكوني الموارد البشرية بالشمال (أجيف الشمال) بشراكة مع المؤسسة الألمانية “كونراد أديناور” والجمعية المغربية لتطوير الموارد البشرية في القطاع الفلاحي والصناعة الغذائية، أن الاتفاقيات الجماعية تعتبر أداة لضمان استقرار العلاقات الاجتماعية والسلم الاجتماعي وتطوير إنتاجية المقاولات. في هذا السياق أبرز السيد عثمان القاسمي، رئيس (أجيف الشمال)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن اختيار موضوع الاتفاقيات الجماعية لهذا اليوم الدراسي يعكس الرغبة في فتح النقاش بين ممثلي المقاولات والأجراء والمؤسسات المتدخلة حول حصيلة مدونة الشغل بعد 15 سنة من دخولها حيز العمل، موضحا أن التشريعات “الجيدة” موجودة، لكنها لا تجيب بالضرورة بشكل “مثالي” على إشكالية تدبير العلاقات الاجتماعية داخل المقاولة. وأبرز أن النسيج المقاولاتي يشهد تحولات بنيوية وتكنولوجية وتنظيمية وعلاقاتية مع ظهور أنماط جديدة من علاقات الشغل من قبيل “المناولة” و”العمل المستقل” (فريلانسين) والاشتغال عن بعد مع شركات متعددة الجنسيات، مشددا على أن هناك “اعتماد أقل على النموذج الكلاسيكي في علاقات الشغل من خلال إبرام عقود عمل غير محددة المدة”. من جانبه، لاحظ وزير التشغيل والتكوين المهني سابقا والخبير الدولي في مجال الشغل والعلاقات المهنية، جمال أغماني، أن هذا اليوم الدراسي “عرف نقاشا جد مهم من مختلف الفرقاء كما فتح النقاش حول سبل تطوير الاتفاقيات الجماعية التي تضطلع بدور أساسي في تحسين العلاقات الاجتماعية داخل المقاولات”. وبعد أن أشار إلى أن مدونة الشغل تمثل الحد الادنى الاجتماعي، سجل أن “الحصيلة التي نتوفر عليها اليوم تبرز أنه ما زال يتعين تطويرها للوصول إلى عدد من الاتفاقيات الجماعية التي تسمح باستقرار المقاولة والإنتاج وتحسين أوضاع الأجراء”، منوها بالمقابل بتفرد المغرب في محيطه العربي بالحوار الاجتماعي الذي أفرز التوقيع على خمس اتفاقيات جماعية على الصعيد الوطني. من جهته، وصف رئيس لجنة العلاقات مع الشركاء الاجتماعيين بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، هشام الزوانات، حصيلة توقيع الاتفاقيات الجماعية منذ الاستقلال إلى اليوم ب “الهزيلة”، موضحا أنها “بالكاد تفوق 60 اتفاقية، تم تجديد حوالي 20 من بينها، 3 من بينها تعتبر اتفاقيات قطاعية”. وعزا هذه الحصيلة التي “تقل بكثير عن الانتظارات” إلى وجود ترسانة قانونية متطورة تعوق التوصل إلى الاتفاقيات الجماعية، مبرزا على سبيل المثال أن مدونة الشغل بالدانمارك تتكون من 4 صفحات مع وجود الآلاف من الاتفاقيات الجماعية، بينما مدونة الشغل في المغرب تتوفر على 589 بندا ولا تدع مجالا كبيرا لتكييف حاجات المقاولات في اتفاقيات جماعية بناء على القانون التعاقدي. في السياق ذاته، سجل ضعف الهيكلة الكافية للقطاعات والتنظيمات المهنية مما يسمح بالتوقيع على الاتفاقيات الجماعية، وعدم انسجام أحجام وإمكانات مقاولات القطاع الواحد، وسيادة ثقافة المواجهة في تدبير العلاقات الاجتماعية عوض التفاهم والتكامل، ونقص الثقة والحذر الزائد بين الفرقاء داخل المقاولة، واختلال تقاسم الأرباح والقيمة المضافة بشكل يضمن استمرارية المقاولة. وتطرقت المداخلات إلى تقسيم الاتفاقيات الجماعية (المقاولاتية والقطاعية والوطنية)، وإلى دور مفتشي الشغل في دعم السلم الاجتماعي وتقريب وجهات النظر بين أطراف العلاقات الاجتماعية بالمقاولات، وأن يأخذ النموذج التنموي الجديد ضرورة الابتكار والتجديد على مستوى علاقات الشغل، وأهمية إدماج البعد الجهوي في تدبير علاقات الشغل تماشيا مع الجهوية المتقدمة، وتعزيز البحث الاجتماعي حول الاتفاقيات الجماعية. كما توقف المتحدثون عند إشكالية التمثيلية النقابية، ونزوع المقاولات إلى اعتماد العقود المحددة المدة خلافا لمقتضيات قانون الشغل، داعين إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي من خلال تأسيس هيئة استشارية للحوار الاجتماعي.