لا أحد منا يشك ما للمدرسة من دور كبير في التنشئة الاجتماعية لتلامذتنا و شبابنا و لا أحد منا كذلك يشك ان تسرب هؤلاء التلاميذ و خروجهم من المدرسة قبل نهاية مسارهم الدراسي له انعكاسات سلبية و وخيمة عليهم وعلى المجتمع سواء. لكن في المقابل فلا أحد منا كذلك يجب ان يشك انه على الدولة و المدرسة واجب توفير الظروف الملائمة التي تضمن حق الجميع في تحصيل دراسي جيد عبر توفير الإمكانيات البشرية و المادية لذلك و فرض الانضباط اللازم، عن طريق سن القوانين و التشريعات والمراسيم و المذكرات اللازمة. يعد اللجوء الى العقاب بصفة عامة و في المجال التربوي بصفة خاصة وسيلة و ليس غاية في حد ذاته فهو ألية لجلب المنافع و درء المفاسد، و لا يجب استعماله الا بالقدر الذي يحقق المنفعة العامة عبر منع المخالف من تكرار مخالفته في المستقبل( و هو ما يسمى بوظيفة الردع الخاص ) و منع أقرانه من تقليده ( وظيفة الردع العام ) غير أنه لا يجب اللجوء اليه إلا بعد استنفاذ باقي الأساليب التربوية الاخرى كالوازع الاخلاقي و قدوة الاساتذة و اسلوب الثواب عبر مكافئة المستحقين و خلاصة القول ان ما يبرر اللجوء للعقاب هو منفعته أو بالأدق ضرورته. في المنظومة التربوية المغربية أنيطت عملية اقتراح القرارات التأديبية في التعليم الابتدائي و الثانوي ازاء التلاميذ الغير المنضبطين لمجالس الأقسام وذلك وفق قرارات يجب أن يكون منصوصا عليها في النظام الداخلي للمؤسسة ( المادة 29 من المرسوم 2.02.376 الصادر بتاريخ 17يوليو 2002 من النظام الاساسي الخاص بمؤسسات التربية و التعليم العمومي ). أما في التعليم العالي فقد تم التنصيص على جميع العقوبات التأديبية في مرسوم واضح ( المرسوم 2.06.619 الصادر في 28 اكتوبر2008 ) تم فيه تحديد جميع العقوبات المتخذة من طرف مجلس الجامعة في حالة انعقاده كمجلس تأديبي حسب درجة خطورة المخالفة المرتكبة : 1) الانذار . 2) التوبيخ. 3) الاقصاء المؤقت من كل انشطة الجامعة بما فيها الدراسة مع المشاركة في الامتحانات لمدة لا تتجاوز 15يوما. 4) الاقصاء لمؤقت من الجامعة لمدة محصورة بين 15 و 30 يوما مع المنع او عدمه من المشاركة في الامتحانات. 5) الاقصاء من المؤسسة لمدة محصورة بين 30 و 90 يوما مع المنع او عدمه من المشاركة في الامتحانات. 6) الاقصاء من المؤسسة الجامعية لما تبقى من المدة الدراسية مع المنع او عدمه من المشاركة في الامتحانات. 7) الاقصاء من المؤسسة الجامعية مع المنع من التسجيل فيها لمدة سنة او سنتين جامعيتين. 8) الاقصاء النهائي من الجامعة. بشكل مفاجئ، و في مطلع الموسم الدراسي 2014/2015 أخرجت وزارة التربية الوطنية مرسوما وزاريا رقم 14/ 867 بتاريخ 17 اكتوبر 2014 يتكلم عن العقوبات التأديبية و التي طالبت الوزارة من خلاله مجالس الأقسام بتعويض التوقيف المؤقت عن الدراسة بالعقوبات البديلة مثل تنظيف ساحات المؤسسة، القيام بأعمال البستنة، القيام بأشغال داخل المكتبة الدراسية ووو …الخ. المشكل في هذا المرسوم و الذي أثار لغطا كبيرا بين الفعاليات التربوية أن صياغته جاءت مبهمة و غير واضحة مثله مثل العديد من المذكرات فبذل ان يكون هدف القانون و هو ضبط و تسهيل السير العادي للمؤسسات، يصبح غموضه عاملا سلبيا يقوض العملية التعليمية برمتها. فالمرسوم رقم 14/867 تكلم عن عقوبة التوقيف المؤقت فقط و لم يتكلم عن باقي العقوبات الاخرى كالإنذار و التوبيخ و التوقيف النهائي من المؤسسة و أبقاها سارية المفعول. و قد جاء هذا المرسوم بعد أن عاينت الوزارة ان اغلبية قرارات المجالس التأديبية كان هو التوقيف المؤقت عن الدراسة معللة الوزارة مرسومها هذا بكون هذا القرار حسب رؤيتها لا يجدي نفعا و انه فقط يزيد من الهوة و لا يصحح الوضع. قد نتفق مبدئيا مع خلاصة الوزارة بهذا الخصوص لكن في المقابل هل الاقتراح المقدم ( أي العقوبات البديلة) سيحل المشكل و سيصححه ام انه سيزيد فقط الوضع أكثر تأزيما و تعقيدا و هنا مربط الفرس؟ كثيرة هي الاسئلة التي تتبادر الى الذهن في الوهلة الاولى بخصوص هذا المرسوم و تحتاج الى شروحات و اجوبة واضحة من قبيل: – ماذا لو تم رفض هذه العقوبات من قبل التلميذ أو ولي أمره؟ كيف ستتصرف المؤسسة آنذاك وأي عقوبة ستتخذ بعد ذلك؟ – ما الاثر النفسي الذي سيترتب عن هذه العقوبات ان تم فهمها من طرف التلميذ انها اهانة و حكرة موجهة في حقه؟ و ماذا سيترتب عليها من اضطرابات نفسية خصوصا و التلميذ يوجد في مرحلة عمرية حساسة الا و هي مرحلة المراهقة؟ – ألن يدفع هذا المرسوم المجالس التأديبية الى اللجوء الى اتخاذ العقوبة القصوى أي الطرد من المؤسسة بعدما طالبت الوزارة بعدم اللجوء لعقوبة التوقيف المؤقت و الذي كان تتخذه المجالس التأديبية في كثير من الاحيان فقط ترأفا بالتلميذ بعدما كانت العقوبة المقابلة لمخالفته تستوجب الطرد من المؤسسة؟ – لكن يبقى أخطر ما في هذا المرسوم هو ضربه تماما لتصور و فلسفة الحياة المدرسية و التربية على القيم و التربية على العمل التطوعي و ضرب جميع المذكرات التي اتت بخصوصهم. فعندما تصبح هذه الاعمال الجليلة أي العقوبات البديلة حسب الوزارة في نظر التلاميذ أشياء سلبية تستعمل لعقاب المخالفين للقوانين و المتمردين على المؤسسة. فكيف إذا سنقنع هؤلاء التلاميذ فيما بعد بأهمية الحياة المدرسية و بأهمية النوادي التربوية؟ و كيف سنقنعهم بضرورة الانخراط فيها؟ وفي أي تناقضات سوف نسقط آنذاك؟ جميل ان نرى الوزارة الوصي تساير و تعدل المذكرات و القوانين تماشيا مع المستجدات و المتغيرات لكن لا حبذا لو تكون الحلول و البدائل المقترحة تصحح الوضع و لا تزيده تأزيما أكثر مما هو مؤزم. يجب على الوزارة الوصية أن تنص بمرسوم واضح كما في التعليم العالي على جميع العقوبات و ما يوازيها من مخالفات حسب خطورتها حتى تخرج مجالس الأقسام و المؤسسات من الكثير من المشاحنات لا طائل منها و حتى يتم حماية حق كل من المؤسسة في توفير الظروف الملائمة للعمل و الدراسة و كذلك حماية التلاميذ من الشطط في استعمال السلطة في بعض الاحيان. و ليس بعيدا عن هذا المرسوم يطالب كذلك العديد من الفعاليات التربوية و بإلحاح الوزارة إعادة النظر و تحيين كل من المذكرتين 118 و 137 الخاصتين بإرجاع المفصولين المنقطعين، هذه العملية الروتينية التي اصبحت تعد من المحطات السوداء في بداية كل موسم دراسي، تهدر خلالها المؤسسات الكثير من الوقت و الجهد و تعد سببا رئيسيا في الكثير من المناوشات و الصراعات التي تسمم الجو العام بين مكونات نفس المؤسسة التعليمية، و بين المؤسسات التعليمية فيما بينها، حيث اصبحت كل مؤسسة تصدر المشاكل و الازمات لباقي المؤسسات المجاورة لها، و بين المؤسسات التعليمية و محيطها الخارجي مما يؤثر لا محال سلبا على سيرها العادي و على مردوديتها. وذلك راجع بالاساس لعدم وجود معايير محددة للبث في طلبات هؤلاء المفصولين. وهنا نتساءل ما الهدف من هذه العملية أصلا؟ هل هو فقط اعادة تجميع هؤلاء التلاميذ داخل المؤسسات حتى ندعي اننا نحارب الهدر المدرسي و نحتسب النسب في اخر الموسم الدراسي؟ ام أن الهدف الحقيقي يجب أن يكون البحث عن طرق و مقاربات جديدة لإعادة تأهيلهم و مساعدتهم على بناء مستقبلهم من جديد؟ أليس قبول هؤلاء التلاميذ لأي سبب من الاسباب، و نحن نعلم علم اليقين استحالة نجاحهم، يعد جريمة في حقهم و في حق المؤسسة و هدرا لزمنهم العمري؟ و خصوصا اذا علمنا من خلال الممارسة الميدانية أن حوالي 95 في المائة من هؤلاء التلاميذ يخفقون في اخر الموسم الدراسي بل و يؤثرون في غالب الاحيان سلبا على مردودية المؤسسة ككل. صحيح ان العقاب او العقوبات المؤسساتية، و نحن هنا لا نتكلم أبدا عن العقاب البدني او الاضطهاد النفسي او ما شابه فالعقاب لا يعني باي حال من الاحوال الاهانة او الاحتقار، ليس هو الحل التربوي الأمثل لكنه يبقى في نظري ضرورة ملحة لعلاج بعض الاختلالات المدرسية، فالعزف المستمر على نوطة مصلحة التلميذ و التلميذ هو محور العملية التعليمية او أن التلميذ ما يزال صغيرا و لا يحسن التصرف، هو تفكير غير مستقيم سيضر في نهاية المطاف بتكوين شخصية هذا التلميذ و سيضيع مصلحته و معها مصلحة زملاءه كذلك، و الا بنفس المنطق هل سنعتبر معاقبة الاباء لأبنائهم انتقاما منهم؟ أم إنه اجراء ضروري لتربيتهم و مساعدتهم على بناء و صقل شخصياتهم. فالمنظومة التربوية في المانيا على سبيل المثال تلجأ في عقابها في بعض الاحيان الى طرد تلامذتها الى مؤسسات خارج البلاد و الهدف بطبيعة الحال ليس الانتقام، بل هو البحث الفعلي عن مصلحتهم و اعادة تأهيلهم و إرجاعهم للسكة الصحيحة التي ستساعدهم على بناء مستقبلهم. كثيرة هي الابحاث و الدراسات التربوية التي عالجت ارتباط كل من الانضباط و عدم تحمل المسؤولية و الشخصية بمختلف سماتها بالنجاح و التفوق الدراسي . يكفينا فقط ان نستخلص من نتائجها العبر و ما يفيد. الى ذلك الحين نسأل الله تعالى أن يعين هذا البلد على ايجاد العلاج الذي سيصلح منظومتنا التربوية المتهالكة و العليلة مع اننا مؤمنين كل الايمان بأن الامر ليس بالسهولة التي نتصورها. جمال هبوز