تحتضن مدينة طنجة، يومي الخميس والجمعة، دورة تكوينية لفائدة مسؤولين قضائيين حول موضوع "تعزيز دور النيابة العامة من أجل توفير حماية ناجعة للمرأة ضحية العنف"، يؤطرها خبراء وطنيون ودوليون. وتهدف الدورة التكوينية، المنظمة من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا وبدعم من الاتحاد الأوربي، إلى تمكين المسؤولين القضائيين من تعزيز معارفهم حول المعايير الوطنية والدولية في موضوع العنف ضد المرأة، ومناقشة مضامين البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف ،الذي يسائل كافة المتدخلين المعنيين بالحماية القضائية من قضاة ومكلفين بالبحث الجنائي الى جانب مقدمي خدمات التكفل الطبية و الاجتماعية. وبالمناسبة، أبرز الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، اليوم الخميس بطنجة، أن توفير الحماية الناجعة للمرأة والقضاء على كل أشكال التمييز ضدها يعد انشغالا أساسيا للنيابة العامة والسياسة الجنائية في المملكة المغربية. وأضاف الداكي، أن هذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة كونه انشغال أساسي دائم لكافة أطياف المجتمع من أجل إعادة الاعتبار للمرأة وضمان مساواتها بالرجل واضطلاعها بنفس الأدوار للإسهام في التنمية، وكونه يستجيب للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز المركز القانوني للمرأة في المجتمع. وأشار إلى أن المركز القانوني للمرأة شهد تحولا كبيرا بعد صدور دستور 2011، الذي كرس مبدأ المساواة بين الجنسين وجعله مبدأ دستوريا، بالإضافة إلى رفع المملكة المغربية جميع تحفظاتها بشأن اتفاقية سيداو، والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وأوضح في هذا السياق أن الجهود التي بذلها المغرب توجت بصدور العديد من القوانين المعززة للوضع القانوني للمرأة وحمايتها من كافة الانتهاكات المحتملة لحقوقها، مشددا على أن حماية المرأة تعد من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية بالمغرب، ما يفرض تفعيل مختلف القواعد الإجرائية والموضوعية التي يتضمنها القانون الوطني، وفي مقدمتها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وتفعيل المستجدات التي تضمنها، والحرص على حسن تطبيقه، وتحديد الإشكاليات التي تتعلق بفهم أحكامه. وحسب ذات المصدر ، فإذا كانت الجهود ظلت متواصلة لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء التي تعرف نوعا من عدم الاستقرار من حيث عدد القضايا المسجلة على المستوى الوطني، والتي بلغت خلال السنة الماضية 23 ألفا و 879 قضية، فإن كافة المتدخلين في الموضوع مطالبون بمضاعفة الجهود بهدف تطويق كل الأسباب المؤدية لهذا العنف، وفي ذات الوقت مواجهة المتورطين فيه بكل صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية. وسجل الداكي أن منظور رئاسة النيابة العامة للعنف ضد المرأة والفتاة يتسع ليشمل موضوع زواج القاصر بوصفه انتهاكا لحقوق الفتاة يحرمها من حقها في النمو السليم ويعترض سبيل بناء شخصيتها المستقلة، مؤكدا أن النيابة العامة جعلت مكافحة الزواج المبكر من بين أولوياتها ووجهت عدة دوريات للنيابات العامة تحثها على اليقظة اتجاه طلبات زواج القاصر من أجل الحرص على احترام الشروط التي فرضها المشرع لقبول هذا الزواج ومن أجل عدم التردد في التماس رفض الطلب متى تنافى مع المصلحة الفضلى للقاصر. وتابع أن مقاربة النيابة العامة انعكست إيجابا على تفاعل قضاة النيابة العامة مع الموضوع، حيث ارتفع عدد ملتمسات النيابة العامة برفض الإذن بزواج القاصر من 12 ألفا و 773 ملتمس سنة 2020 إلى 20 ألفا و 200 ملتمسا سنة 2021. وتماشيا مع هذه الأولويات يأتي، وفق السيد الداكي ، التزام رئاسة النيابة العامة بتنفيذ مضامين إعلان مراكش 2020، الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم من أجل تعبئة فعلية لكافة المتدخلين في النهوض بقضايا المرأة من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وضمان التقائية السياسات العمومية ذات الصلة. ونوه بأن الدورة التكوينية تتزامن مع مرور سنة على دخول البروتوكول الترابي حيز التنفيذ بجهة طنجة التي تحتضن التظاهرة، مشيرا الى أن رئاسة النيابة العامة نظمت قبل أيام، باعتبارها الجهة المنسقة للبروتوكول، لقاء استهدف تقييم العمل به وتنفيذه من لدن كافة الجهات المعنية بتوفير التكفل للنساء ضحايا العنف والاستجابة لحاجياتها بصورة متكاملة وناجعة، سواء تعلق الأمر بالحماية القضائية أو بتوفير الخدمات الطبية أو الاجتماعية وصولا إلى التمكين والاستقلال الاقتصادي والاجتماعي. ورأى أن الدورة التكوينية تشكل أيضا مجالا للنقاش حول الإشكاليات العملية التي تعترض التطبيق السليم لكل المضامين ذات الصلة بالحماية الجنائية للمرأة، والوقوف على الممارسات القضائية الفضلى الكفيلة بتجاوز هذه الصعوبات. وتأتي الدورة التكوينية، المنظمة من قبل رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا وبدعم من الاتحاد الأوربي، استمرارا لجهود رئاسة النيابة العامة لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة وانفتاحهم على مقاربة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة. ومن جهته، قال جون كريستوف فيلوري، ممثل مفوضية الاتحاد الأوروبي بالمغرب، إن التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي "تعاون نموذجي" أثبت نجاعته على أكثر من مستوى، خاصة على المستويات السياسية والاجتماعية والتشريعية والاقتصادية، مبرزا أن التعاون في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ومحاربة كل أشكال التمييز ضدها أعطى ثمارا كثيرة، بل أصبح نموذجا يحتذى به إقليميا، خاصة مع توفر المغرب على دستور شامل وتشريعات مهمة. وأضاف المسؤول الأوروبي أن التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجال حقوق الإنسان عامة والدفاع عن قضايا المرأة والمساواة بشكل خاص يعكس تقاسم الطرفين القيم المثلى نفسها وتناغمهما، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي ينوه بالجهود والمبادرات التي قام ويقوم بها المغرب على كل المستويات لتوفير تشريعات تحمي حقوق النساء والفتيات وفقا للقوانين الدولية ذات الصلة، ووضع آليات لضمان تنزيل هذه الحقوق والحد من كل أشكال العنف. واعتبرت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب كارمن مورتي غوميز أن المغرب، عمليا، ومنذ سنوات، جعل من قضايا المرأة أولوية سياساته التشريعية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تكن التشريعات المغربية أبدا معيقا لحماية المرأة وتحقيق تمكينها الاقتصادي والتعليمي، مشددة على أن المجلس الأوروبي يدعم المملكة في كل مساعيه الهادفة الى ضمان حقوق المرأة إسوة بالرجل وتوفير الحماية القانونية لذلك. ورأت أن الجهود التي بذلها المغرب، خاصة خلال الظرفية الصحية الاستثنائية التي عاشها العالم مع انتشار "كوفيد-19″، تعطي صورة إيجابية عن استراتيجية المملكة لمناهضة العنف ضد النساء وفق المعايير الدولية ذات الصلة وقناعاتها الذاتية، مبرزة أن سياسة المغرب أثبتت نجاعتها وقدرتها على مواجهة التحديات، ما يجعل المجلس الأوروبي رهن إشارة المملكة لدعمه للاستمرار في هذا النهج الإيجابي المرجعي. وتهدف هذه الدورة التكوينية، حسب المنظمين، إلى تمكين المسؤولين القضائيين من تعزيز معارفهم حول المعايير الوطنية والدولية في موضوع العنف ضد المرأة ومناقشة مضامين البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف الذي يسائل كافة المتدخلين المعنيين بالحماية القضائية من قضاة ومكلفين بالبحث الجنائي الى جانب مقدمي خدمات التكفل الطبية والاجتماعية. ويطرح اللقاء النقاش حول موضوع زواج القاصر وآثاره السلبية على الحياة الخاصة للقاصر، كما يعرض مضامين اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد النساء والعنف المنزلي (اتفاقية إسطنبول) وغيرها من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فضلا عن التعريف بالاجتهادات القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذا الممارسات الجيدة ببعض الدول الأعضاء بمجلس أوروبا والبرامج والآليات الملائمة. وتأتي الدورة التكوينية استمرارا لجهود رئاسة النيابة العامة لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة وانفتاحهم على مقاربة حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة بصفة خاصة.