أكد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، صباح اليوم الخميس ، بمدينة طنجة، أن حماية المرأة تعد من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية المغربية، من خلال تفعيل مختلف القواعد الإجرائية والموضوعية التي يتضمنها القانون الوطني، وفي مقدمتها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. هذا القانون يضيف رئيس النيابة العامة، بادر فور صدوره إلى توجيه منشور إلى النيابات العامة لدى المحاكم، يحثهم من خلاله على ضرورة تفعيل المستجدات التي تضمنها، والحرص على حسن تطبيقه، وتحديد الإشكاليات التي تتعلق بفهم أحكامه، من أجل حماية أفضل وأنجع للنساء. وأوضح الحسن الداكي من خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح أشغال دورة تكوينية حول موضوع "تعزيز دور قضاة النيابة العامة في توفير حماية ناجعة للمرأة"، أن منظور رئاسة النيابة العامة للعنف ضد المرأة والفتاة، يتسع ليشمل موضوع زواج القاصر بوصفه انتهاكا لحقوق الفتاة يحرمها من حقها في النمو السليم ويعترض سبيل بناء شخصيتها المستقلة، ومن أجل ذلك يضيف جعلت النيابة العامة مكافحة الزواج المبكر من بين أولوياتها ووجهت عدة دوريات للنيابات العامة تحثها على اليقظة اتجاه طلبات زواج القاصر من أجل الحرص على احترام الشروط التي فرضها المشرع لقبول هذا الزواج ومن أجل عدم التردد في التماس رفض الطلب متى تنافى مع المصلحة الفضلى للقاصر. وهو ما انعكس إيجابا على تفاعل قضاة النيابة العامة في الموضوع حيث ارتفع عدد ملتمسات النيابة العامة برفض الإذن بزواج القاصر من 12773 ملتمس سنة 2020 إلى 20200 ملتمسا سنة 2021. وقال أن الجهود ظلت متواصلة لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، التي تعرف نوعا من عدم الاستقرار من حيث عدد القضايا المسجلة على المستوى الوطني والتي بلغت خلال سنة 2021 – 23879 قضية، مشيرا أن "كافة المتدخلين في الموضوع مطالبون بمضاعفة الجهود بهدف تطويق كل الأسباب المؤدية لهذا العنف وفي ذات الوقت مواجهة المتورطين فيه بكل صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية". ولم يخفي رئيس النيابة العامة انشغاله بهذا الموضوع، الذي يتسم بأهمية بالغة لكونه انشغال أساسي دائم لكافة أطياف المجتمع من أجل إعادة الاعتبار للمرأة وضمان مساواتها بالرجل واضطلاعها بنفس الأدوار للإسهام في التنمية، وكونه يستجيب للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز المركز القانوني للمرأة في المجتمع. وبهذه المناسبة استحضر الحسن الداكي، نص الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك نصره الله إلى المشاركين في الدورة 61 لمؤتمر النساء رئيسات المقاولات العالمية بمراكش 27 سبتمبر 2013 حيث قال جلالته" واصل المغرب وبخطوات حثيثة وعقلانية مسيرته على درب تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ولاسيما بالعمل على التطبيق الأنجع لأحكام مدونة الأسرة التي منحت المرأة وضعا يحفظ لها كرامتها ويضمن لها العدل والإنصاف….. وفي إطار تشبثنا بهذا المسار حرصنا على الترسيخ الدستوري للمساواة بين الرجل والمرأة بمناسبة التعديل الذي عرفه دستور المملكة الذي صادق عليه الشعب المغربي على أوسع نطاق في شهر يوليوز 2011." انتهى النطق الملكي السامي. ونوه رئيس النيابة العامة في كلمته بالتحول الكبير الذي عرفه المركز القانوني للمرأة ، بعد صدور دستور 2011 الذي قال بأنه "كرس مبدأ المساواة بين الجنسين وجعله مبدأ دستوريا، بالإضافة إلى رفع المملكة المغربية جميع تحفظاتها بشأن اتفاقية سيداو، والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما تم تتويج هذه الجهود بصدور العديد من القوانين المعززة للوضع القانوني للمرأة وحمايتها من كافة الانتهاكات المحتملة لحقوقها". وأكد الحسن الداكي، أن رئاسة النيابة العامة، ملتزمة بتنفيذ مضامين إعلان مراكش 2020 الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم من أجل تعبئة فعلية لكافة المتدخلين في النهوض بقضايا المرأة من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وضمان التقائية السياسات العمومية ذات الصلة. ومن بين المقتضيات الأساسية للإعلان التزام رئاسة النيابة العامة بإعداد البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف وبتنسيق تنفيذه من قبل الموقعين عليه من أجل ضمان تكفل ناجع بالنساء ضحايا العنف وتقديم خدمات قضائية واجتماعية ذات جودة تتيح إعادة الاعتبار لهن وحفظ خصوصياتهن وكرامتهن مع السعي لتمكينهن الاقتصادي عند الاقتضاء. والجدير بالذكر أن رئاسة النيابة العامة عملت على حث المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة على تفعيل مقتضيات البروتوكول، وتسخير كل الإمكانيات المتاحة من أجل تعزيز الحماية الجنائية للمرأة بتنسيق دائم ومستمر مع القطاعات المعنية به، وذلك بمقتضى دورية وجهت لهم من أجل تعميم العمل بالبروتوكول على سائر محاكم المملكة ومن أجل توضيح آليات تفعيله. ودعا الحسن الداكي، المشاركين في هذا اللقاء العلمي إلى استثمار أشغاله لتعميق النقاش حول مختلف المحاور والمداخلات والنقاط التي ستطرح خلاله وذلك بهدف توحيد الرؤى والتوجهات والتوافق حول أنجع السبل لتحقيق تكفل ناجع بالنساء ضحايا العنف مستحضرين في ذلك ما يزخر به القانون المغربي من أمكانيات تفسح المجال للانتصار للحقوق الإنسانية للمرأة والاضطلاع بالمسؤوليات التي جعلها المشرع على عاتق كل المعنيين بهذا الموضوع سواء من خلال الدور المتمثل في تدبير الدعوى العمومية أو من خلال رئاسة اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف. وتندرج هذه الدورة التكوينية ضمن سلسلة التكوينات الجهوية التي استفاد منها فعليا 450 قاض من قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم، في مجال حماية النساء من العنف على ضوء مستجدات التشريع المغربي وممارسات المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، والتي انطلقت فعالياته في أول دورة بمدينة مراكش يومي 12- 13 دجنبر 2019. يشار أن هذه الدورة التكوينية تنظمها رئاسة النيابة العامة بتعاون مع مجلس أوروبا، وبدعم من الاتحاد الأوروبي لفائدة المسؤولين القضائيين يومي 16 و17 يونيو الجاري حول موضوع "تعزيز دور النيابة العامة من أجل توفير حماية ناجعة للمرأة ضحية العنف" يؤطرها خبراء وطنيون ودوليون.