حراك الريف /حقوق الإنسان بالمغرب ؛ الدروس المستفادة. 1/ في شأن عنوان الندوة الوطنية. اولا ،وبعد الشكر الموصول الحضور والمنظمين. اريد ان اعرج على شعار الندوة لاقول ، ان دستور 2011 ورغم ما يقال عنه كونه دستور الحقوق والحريات مقارنة بالدساتير السابقة، خاصة ما تعلق بالباب الثاني منه .إلا أنه كذلك وفي تماثل تام مع ما سبقه من الدساتير، هو دستور الخصوصية والثوابت الوطنية، التي تجعل مما يعتبر إنجازا في هذا المجال سوى احكاما مع وقف التنفيذ.وتفتح المجال في المقابل لكل أشكال التجاوزات. كما انه عندما نستحضر عدد الدساتير التي عرفها المغرب خلال 56 سنة،و التي بلغت ستة دساتير في المجموع ، أي بمعدل دستور واحد على رأس كل تسع سنوات ، بحيث أصبحت تستبدل الدساتير عندنا كما تستبدل ربطة العنق .فأننا ندرك ماهية هذه الدساتير التي تتم صياغتها، والتي لا تخرج عن حدود الاستجابة لما تمليه ظروف كل مرحلة على حدة ، وما تفرزه من توافقات بين الدولة وباقي شركائها السياسيين من أجل احتواء فتيل الازمة كما حدث مع تظاهرات 20 فبراير أو كما حدث مع محطات أخرى كان بالامكان ان تكون مفصلية في تاريخ المغرب ،وذلك دون أن تمس بجوهر نظام حكمنا السياسي القائم على احتكار الحكم والسلطة . وأنها في المقابل تفتقد للرؤية الاستراتيجية التي تجعل منها وثيقة تعاقدية تضمن الانتقال الى نظام حكم ديموقراطي ضامن للحقوق والحريات و يربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. الدكتور تدمري عبد الوهاب إن كانت الدولة تتحمل قسطا من المسؤولية في تاريخ الفرص الضائعة ، فإن نخبنا السياسية والفكرية التي يبدو أنها متأثرة بمفهوم هوبز لنظرية العقد الاجتماعي المدافعة عن الحكم المطلق ، هي من تنصلت من مسؤولياتها وفوتت على المغاربة الكثير من الفرص التاريخية بتصويتها المتتالي على هذه الدساتير . اضافة الى كونها لم تستفد من ما هو مضيء في تراثنا الفقهي والقانوني بالرجوع الى مفهوم البيعة المشروطة عند العلامة والفقيه الكتاني في بداية القرن العشرين ، اوما طرحه الفقيه يحيى الحاحي من مفهوم للبيعة التي اعتبرها عقدا مشروطا ملزما للسلطان المريني المولى زيدان في أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر و ذلك على خلاف ما دافع عنه الشيخ أبي مهدي عيسى السكتاني الذي كان يرى في البيعة عقدا ألاهيا غير قابل لأي شرط .وهي نفس المرحلة التي كان النقاش فيها حادا كذلك حول نظرية العقد الاجتماعي بأوروبا. 2/ في شأن موضوع ح حراك الريف/حقوق الإنسان بالمغرب : الدروس المستخلصة # في الشق الاول من الموضوع ان ربطكم لحراك الريف بحقوق الإنسان بالمغرب هو ربط ذكي، يعفيني عناء الرد على تفاهات الحكومة والأحزاب معارضة وموالاة.انكم بربطكم هذا تكونون قد ربطتم مصير الريف وأهله بمصير كل المغاربة ،و أجبتم في المقابل عن ما تلفظت به الأحزاب في حق حراك الريف وأهله من اتهامات بالانفصال والخيانة والعمالة للأجنبي في تبن فاضح لأطروحة وزارة الداخلية من أجل شرعنة ما كانت تخطط له من مقاربة قمعية في حق المتظاهرين السلميين . لكن ما يجب ان تعلموه ان مثل هذه المواقف المعادية للريف من طرف الأحزاب ،قد أحيت عند أهل الريف الأوسط جراحا عميقة في وعيهم الجمعي، علاقة بنفس المواقف التي عبرت عنها قوى الحركة الوطنية والحكومة ابان الانتفاضة 85 /59 التي أعطت الشرعية السياسية والقانونية لتدخل الجيش من أجل الشروع في عملية قمعية جماعية واسعة ،وارتكاب ابشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وذلك اولا من خلال ما صاغوه من مواقف سياسية تتهم اهل الريف بالخيانة العظمى والتأمر على العرش والوطن من جهة ، وما أصدروه من مراسيم و ظهائر بما فيها الظهير المشؤوم الذي يجعل من الريف منطقة عسكرية . اننا فعلا أمام مشهد سياسي يعيد نفسه بعد مرور حوالي ستون سنة . مشهد يؤشر على صدقية مقولة المجاهد الأمير محمد.بن عبد الكريم الخطابي ” أن مصيبتنا في احزابنا ” وذلك في معرض تعليقه على التقرير السلبي الذي قدمه له المجاهد الفقيد الكولونيل الهاشمي الطود عن نتائج زيارته ومهمته السرية التي قام بها رفقة رفيقه المختطف ابراهيم الغالي لقيادات الحركة الوطنية بالمغرب من اجل إعطاء الانطلاقة للعمل الفدائي المسلح ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1952 وما قوبلوا به من جفاء من طرفهم بلغ حد التهديد والتبليغ عنهم للفرنسيين .مما اضطرهم للفرار والعودة للقاهرة. اننا فعلا ام مشهد سياسي وحزبي ضعيف ، فاقد لاستقلاليته منذ النشأة ، و متحكم فيه، وما تعدد الدساتير وتصويته المتتالي عليها إلا تعبير مكثف عن كونها شكلت منذ البداية سببا معيقا لاستكمال عملية التحرير ، كما شكلت منذ الاستقلال جزءا من أزمة الانتقال الى الديمقراطية ولم تشكل يوما جزءا من الحل. # في نفس السياق كذلك يمكن القول أن ربطكم لحراك الريف بحقوق الإنسان بالمغرب، يحيل كذلك على ان هذا الحراك، بما عرفه من مشاركة شعبية واسعة ، وما تميز به من أشكال احتجاجية حضارية استرعت انتباه جل المتتبعين وطنيا ودوليا ، بالإضافة إلى استمراره في الزمن، ورفعه لمطالب اقتصادية واجتماعية محلية مشروعة، وأخرى عامة كالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية . كل هذا جعل من هذا الحراك حالة مكثفة لمجمل الحراكات الشعبية التي شهدها المغرب في مختلف جهاته، كحراك زاكورة ،وحراك جرادة الخ…وليس حالة معزولة او شاذة عن الواقع المعيشي البئيس الذي تشهده مختلف مناطق المغرب ومن ضمنها منطقة الريف، والذي كان السبب الموضوعي لاندلاع هذه الحركات الاحتجاجية وليس لسخونة رأس أهل الريف فقط كما يحاول الإعلام الرسمي تسويقه للرأي العام الوطني والدولي. وإذا كان مقتل الشهيد محسن فكري في شاحنة لجمع القمامة السبب المباشر الذي أطلق شرارة الاحتجاجات بالريف ، فإن الدفن المتكرر للفقراء في سندرلات مناجم الفحم وهم أحياء، وازمة الماء والعطش في مناطق واسعة بأسرها من الجنوب المغربي، هي من أذكت فتيلها في كل من جرادة و زاكورة كذلك. اذن فمن البديهي أن نقول ان هذه الحركات الاحتجاجية قد انبثقت من رحم معاناة الشعب المغربي ولا علاقة لها بنظرية المؤامرة التي تعتبرها من تدبير فاعل كما يقال . وان هذا الواقع المرير هو حالة عامة لعموم الشعب المغربي، رغم بعض التفاوتات التي يمكن ان نسجلها بين منطقة وأخرى . ولكي نقف على حجم هذه المعاناة التي تستهدف الحقوق الاساسية كما هو منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، لابد من استحضار بعض الأرقام المعبرة عن واقعنا الاقتصادي والاجتماعي كما تناولتها معاهد الدراسات والمؤسسات الدولية أوحتى الوطنية منها. -احتلال المغرب دوليا المرتبة 123 في مؤشر التنمية ، رغم ما تم ضخه من أموال عامة لأكثر من عقد من الزمن في برامج تنمية الموارد البشرية. – في الفساد والرشوة ، يبقى المغرب في المرتبة 81 دوليا بعد ان كان يحتل المرتبة 90 قبل عشرة سنوات هذا على الرغم من كل الشعارات التي رفعتها الدولة في ما يخص محاربة هذه الآفة وتخليق الحياة العامة. -البطالة في صفوف الشباب ،بلغت 25%في العالم الحضري وذلك وفق إحصائيات المندوبية الوزارية للتخطيط ، رغم التحفظ الذي يمكن ان نبديه على المعايير التي اعتمدتها للإعلان عن هذه النسبة والتي لا تستجيب للمعايير الدولية الضرورية لإنجاز هذا النوع من الإحصائيات ،وبالتالي فإن النسبة ربما تكون أكبر بكثير. – نسبة الأمية في حدود 40 % حسب الإحصائيات التي أنجزتها نفس المندوبة ،وذلك بشراكة مع البنك الدولي ، كما أن نسبة الهدر المدرسي في الأسلاك الثلاث بلغت حوالي300 ألف طفل وطفلة سنويا ، وان عدد الاطفال الذين لا يلتحقون بالمدرسة يصل الى حدود 37 الف .هذا بلغة الأرقام ، ودون الحديث عن المنظومة التعليمية وما تنتجه من أعداد هائلة من الخريجين العاطلين نظرا لعدم ملائمة المناهج الدراسية لمتطلبات سوق الشغل بالنسبة للذين أتموا دراستهم .كل هذا يؤشر على فشل المنظومة التعليمية وكل السياسات العمومية في ما يخص تدبير هذا القطاع الحيوي .وبدل الوقوف عند.أسباب الفشل، تلجأ الدولة بعد مرور ستون سنة من الاستقلال ، إلى سن برامج لمحو الأمية ، ترصد لها أموالا طائلة من المال العام من اجل محاربة آفة يتم إعادة إنتاجها باستمرار عند اطفالنا. – قطاع الصحة العمومية' وما يشهده من تردي ومن نقص ،إن على مستوى الموارد البشرية أو على مستوى الإمكانيات المادية والبنيات التحتية ، وانعكاس ذلك على مستوى جودة الخدمات .وهو ما يدفع بالكثير من ذوي الدخل المحدود الى اللجوء الى المستشفيات الخاصة التي تنهك كاهلهم و دخلهم المحدود. بما يؤشر على فشل تام لكل السياسات العمومية التي تنتهجها الدولة في هذا القطاع الحيوي وفشل كذلك لما سمي بمشروع التغطية الصحية الذي صرفت عليه أموال طائلة. ونتيجة لهذه السياسات الفاشلة كذلك، نجد ان نسبة وفيات الأمهات الحوامل الذي يقدر ب 127 في كل مائة ألف ولادة ، يجعل المغرب يتموقع في ادنى سلم الترتيب العالمي . -نسبة الفقر بلغت 45 % سنة 2014 بعد أن كانت في حدود 40 % سنة 2008 وذلك حسب إحصائيات المندوبية الوزارية للتخطيط .هذا في الوقت الذي تقدر فيه الأممالمتحدة هذه النسبة في حدود 60 % ، و تصنف المغرب ضمن الدول الأكثر فقرا في افريقيا كالصومال ومالى وزمبابوي. – نسبة الدين الخارجي بلغت 92% من مجموع الدخل الوطني الخام حسب تصريح والي بنك المغرب ، هذا دون احتساب الدين الداخلي الذي تجاوز 20 %. -معدل النمو المرتقب لسنة 2018 لن يتجاوز 2,8 %حسب تصريح المندوب السامي للتخطيط ،وهو أقل بكثير من سنة 2017 الذي بلغ 4% .وبالتالي يمكن القول ان لا مجال للاستثمارات العمومية ولا مكان لخلق فرص شغل جديدة. – المغرب يحتل الرتبة 122 عالميا وفق التقرير السنوي لسنة 2018 للأمم المتحدة وذلك حسب معدل دخل الفرد من الناتج المحلي . اذا اعتبرنا ان هذه الواقع بما يتسم به من مؤشرات دالة على ما وصلت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي شكلت ولا زالت تشكل السبب الموضوعي لاندلاع الاحتجاجات الجماهيرية بالمغرب عموما ،وهي مرشحة لخلق المزيد من التوترات الاجتماعية مستقبلا . .فإن حراك الريف بخصوصياته التاريخية ،وذاكرته الجماعية المتقدة و المتخمة بالجراح ،و موقعه الجغرافي القريب من أوروبا ،الذي يجعل أهله يطمحون دائما للأفضل علاقة بالنسبة الكبيرة للمهاجرين من أصول ريفية بالديار الأوروبية. كل هذا اضفى زخما كبيرا للحراك الشعبي لياخذ الحجم والشكل الذي صار عليه. كما أن هذه الأوضاع المأزومة المشتركة لعموم المغاربة ، نتيجة الفشل المتتالي للسياسات العمومية في خلق شروط تنمية حقيقية في شتى المناحي والمجالات ، وضعف المؤسسات المنتخبة والفساد المستشري في الإدارات العمومية و الاضعاف الممنهج من طرف الدولة للأحزاب والمؤسسات الوسطية ، إضافة الى الصعوبات والمشاكل المحلية علاقة بخصوصيات كل جهة على حدة هي من ادت الى ما نشهده من تداعيات اجتماعية وسياسية يمكن إيجازها في ما يلي: -فقدان ثقة المجتمع في الدولة ومؤسساتها وارتفاع منسوب الكراهية ازاءها. -فقدان ثقة المجتمع في الأحزاب والمؤسسات الوسطية التي أضحت تشكل بالنسبة له جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل. -ارتفاع وتيرة الاحتجاجات وتوسعها جغرافيا لتشمل المناطق البعيدة عن المركز .وقد بلغ عدد الأشكال الاحتجاجية أكثر من 6000شكل بالنسبة للنصف الأول من سنة 2017 .والإضافة بالنسبة لهذه الاشكال هو إبرازها للخصوصيات المحلية والجهوية، وما تحفل به من رموز نضالية موشومة في الذاكرة الجماعية المحلية من أجل حشد الدعم والتضامن وتقوية الاحساس بالانتماء. – المطالبة الجماعية للشباب ،من داخل الملاعب الرياضية أو من داخل المسيرات الشعبية، بالهجرة و بإسقاط الجنسية . – رفع المطالب مباشرة إلى الملك بصفته رئيسا للدولة ، وهو ما لاحظناه في الكثير من الزيارات الرسمية للملك الى بعض المناطق ، مما يؤشر على ان الدولة اصبحت في مواجهة مباشرة مع المجتمع بعد أن فقدت المؤسسات الوسطية دورها السياسي والاجتماعي. -ابداع المجتمع، ومن خلاله الشباب، في أشكالهم الاحتجاجية والنضالية عبر توظيفهم الجيد لوسائط التواصل الاجتماعي . ان ما يعيشه المغرب بشكل عام والريف بشكل خاص من ازمة مركبة تتمثل في ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها من جهة، و عدم تمثل الدولة بكل مؤسساتها لمخرجات الحلول لهذه الاوضاع من اجل إطفاء فتيل الازمة من جهة أخرى، هو ما دفع بعض النخب الفكرية والسياسية النزيهة من داخل الدولة والمجتمع الى دق ناقوس الخطر الذي يهدد المغرب في استقراره السياسي والاجتماعي ان استمرالوضع على ما هو عليه وتمادت الدولة في مقاربتها الامنية لحل الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .وهي الأوضاع التي كثفها الملك كذلك في خطاب العرش لسنة 2017 وكذا خطاب افتتاح الدورة التشريعية لنفس السنة ،عندما أقر بفشل النموذج التنموي المغربي، و بضعف الاحزاب والمؤسسات الوسطية، وترهل الادارة ،هذا بالرغم من ما أبداه من ثناء على المؤسسة الامنية ، وبالرغم من كونه وقف عند حدود التشخيص ولم ينفذ الى مستوى الاقتراحات الجريئة لتجاوز ومعالجة أسباب الأزمة . 3/ في شأن الوضع الحقوقي بالمغرب علاقة بحراك الريف. اكيد انكم بسؤالكم هذا لا تنوون التمييز بين الريف وباقي جهات الوطن في مسألة الخروقات التي تطال حقوق الإنسان .لأن الخرق علينا جميعا واجب رصده وادانته حيث ما كان .لكن فقط من باب الاستدلال ، يمكن القول أنه بالشكل الذي اعتبرنا فيه حراك الريف حالة مكثفة لباقي الحركات الاحتجاجية الاخرى على امتداد ربوع الوطن وليس انتقاصا منها، .يمكننا القول كذلك أنه شكل حالة مكثفة للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان .وهنا تكمن اهمية طريقتكم في طرح السؤال التي تروم الى دفع المحاضر الى مزيد من الاستبيان في ما يشهده واقع حقوق الانسان في الريف /المغرب، باعتماد منهجية تتوخى الانطلاق من الخاص الى العام ومن المحلي الى الكوني. إذن وانسجاما مع نفس المنهجية في التحليل ، ساسرد عليكم بعض الوقائع والأرقام كما جائت في التقارير التي أنجزها منتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب وبعض مناضلي هيئة دفاعه ،اضافة الى تقارير جمعيات حقوقية اخرى. -الحصار المطلق لمنطقة الريف بما يقارب 40 ألف عنصر من مختلف القوات الأمنية، معززين باحدث الوسائل والآليات القمعية، واستقدام المئات من العناصر المدنية المتعاونة من ذوي السوابق ،مما جعل عددهم الإجمالي يقارب عدد سكان المدينة ، وهو ما يحيل على مدى نية الدولة في الاستعمال المفرط للقوة في مواجهة الساكنة والمتظاهرين السلميين ،وجعل الاقليم عمليا يعيش على ايقاع حالة الاستثناء . – منع كل أشكال التظاهر السلمي من وقفات ومسيرات ، وكل الانشطة الفكرية والثقافية من ندوات ومحاضرات . – انتهاك السلامة البدنية للمحتجين عبر الاستعمال المكثف لكل أشكال العنف في حقهم بواسطة الهراوات، والقنابل المسيلة للدموع ، والاعتقالات العشوائية، مما ادى الى سقوط العشرات من الجرحى. – التلفظ بكل انواع السب والشتم في حق الساكنة والمحتجين الذين تعرضوا كذلك لكل أشكال المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية. -انتهاك الحق في الحياة،نتيجة الاستعمال المفرط للقوة مما ادى الى استشهاد الناشط عماد العتابي الذي دفن دون أن تتوصل عائلته بالخبرة الطبية ،ودون أن تظهر نتائج التحقيق الذي أمر به الوكيل العام آنذاك (أكثر من سنة). – استشهاد المواطن الحداد.نتيجة مضاعفات مرض الربو الذي كان يعاني منه على اثر استنشاقه للغازات المنبعثة من القنابل المسيلة للدموع . -اعتقال أكثر من ألف (1500) ناشط وناشطة.حوكم منهم في حالة اعتقال 760،وقدم 745 في حالة سراح .بالاضافة الى حوالي 78 حدث وضع اثنان منهم بسجن الناظور. -استعمال كل أشكال التعذيب النفسي والجسدي في حق الكثير منهم أثناء التحقيق ، خاصة معتقلي عكاشة ، وهو ما عاينته هيأة دفاع المنتدى واكدته الخبرة الطبية التي أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي نتوفر على نسخة منه. -غياب أدنى شروط المحاكمة العادلة ابتداء بهضم حقوق الدفاع ، و مرورا بفبركة المحاضر ،وانتهاء بانتصار القضاء الجالس لمطالب النيابة العامة. -النتيجة حوالى 1500 سنة سجنية لمعتقلي حراك الريف وهجرة الآلاف من الشباب للضفة الاخرى. 4/حقوق الإنسان والمسألة الديموقراطية اذن وعلاقة بواقع الأزمة التي يعيشها المغاربة بشكل عام والريف بشكل خاص، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي الذي يبدو أنه مرشح الى المزيد من التصعيد ، يمكننا ان نستخلص ان الوضع سيكون مرشحا للمزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أن لم تتدارك الدولة الموقف من خلال تخليها عن المقاربة الامنية ،وطرح خارطة طريق تروم إيجاد حلول جذرية لما نشهده من ازمة مركبة دولة ومجتمعا ،واعتماد الحوار الشامل كالية فضلى لحل الأزمات الاجتماعية والسياسية . كما يمكننا القول كذلك أن الدولة بتماديها في نهجها القديم القائم على الوصاية والاخضاع فانها تدفع بالوطن الى أتون المجهول..في ذات السياق يمكن القول أن الدولة بما تقترفه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ،فانها تنسف كل ما تمت مراكمته في هذا المجال سواء من داخل دستور 2011 أو ما تم التنصيص عليه عبر تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة وما خلصت إليه من توصيات. وهي بذلك كذلك تؤكد مرة أخرى على ان ما ورد من مواد في الباب الثاني من الدستور، لا تعدو ان تكون احكاما مع وقف التنفيذ.وان تجربة العدالة الانتقالية التي روجت لها الدولة كثيرا ،لم تكن سوى بروباكاندا لتجميل صورة العهد الجديد.وإن الدولة لم تكن يوما مقتنعة بأعمال مقتضياتها، و مبادئها المتمثلة في الحق في معرفة الحقيقة ،والمساءلة، وعدم الإفلات من العقاب، وجبر الضرر الفردي والجماعي، و حفظ الذاكرة. ولا أيضا بهدفها الأسمى القاضي بالانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي كضمانة لعدم التكرار . اذن وعلاقة بكل ما سبق يمكن أن نقول إن المسألة الحقوقية مرتبطة عضويا بالمسألة الديمقراطية. وعلى النخب الديمقراطية ، الفكرية والثقافية والسياسية والحقوقية من داخل الدولة والمجتمع ، الحريصة على مصلحة الوطن أن تتكتل ضمن جبهة عريضة على برنامج حد ادنى يقطع مع منطق التوافقات السياسية التي طبعت الممارسة السياسية في المغرب منذ عقود من الزمن، ويؤسس بدل ذلك لتعاقدات اجتماعية حقيقية وذلك في أفق إصلاحات سياسية ودستورية تضمن الانتقال إلى نظام حكم.ديمقراطي. وفي هذا السياق يمكننا المساهمة ببعض الأفكار والمقترحات التي نرى ضرورة طرحها للنقاشات العمومية في إطار مناظرات جهوية ووطنية. هذا دون ان نغفل القول ان هذه النقاشات يجب ان تسبقها عملية مصالحة وطنية شاملة ،على الدولة الدخول فيها من اجل توفير الشروط السليمة لنجاح أي حوار وطني شامل والتي من مداخلها الاساسية. -اطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي بالريف وكل الوطن ،وما تبقى من معتقلي حركة 20 فبراير، وإسقاط المتابعات الصادرة في حق جميع النشطاء وجبر الأضرار التي لحقت بهم ،ومتابعة المسؤولين عن هذه الانتهاكات . والاحتكام إلى الحوار لحل الأزمات الاجتماعية و الاستجابة لمطالب النشطاء المشروعة . – إعادة فتح تحقيق نزيه في ملف شهداء حركة 20 فبراير بالريف الأوسط، بما فيهم الشهداء الخمسة(محرقة البنك الشعبي بالحسيمة )، والشهيد كمال حساني ، والشهيد نبيل الزهري بتازة اضافة الى شهداء الحراك، محسن فكري و عماد عتابي ، مع الكشف عن الحقيقة كاملة ومتابعة الجناة و المسؤولين عن هذه الافعال الاجرامية . -فتح تحقيق نزيه في شأن الممارسات التي مست المعتقلين في سلامتهم النفسية والبدنية وذلك من جراء التعذيب الذي مورس في حقهم ، والذي أقرته الكثير من التقارير الحقوقية ، بما فيها التقرير الذي أنجزه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الشأن والذي كان موضوع مراسلة الى السيد وزير العدل. -رفع كل مظاهر العسكرة على إقليمالحسيمة وإلغاء ظهير 58الذي يجعل منه اقليما عسكريا . -الاعتراف بالرموز التاريخية للريف الكبير خاصة ،والمغرب عامة ، بما ينسجم ومقتضيات مبدأ جبر الضرر وحفظ الذاكرة وكذي مبدأ حق الشعوب في معرفة تاريخها الحقيقي، بما يقتضيه من إعادة كتابة التاريخ وإدماجه في المقررات الدراسية، -انصاف أقرباء المنفيين من قادة حرب الريف بإرجاع الممتلكات التي انتزعت منهم، وتيسيرها لذوي الحقوق من ابنائهم واحفادهم. -إجلاء الحقيقة كاملة عن ملفات الاغتيال السياسي بالريف وكل الوطن و الكشف عن حقيقة ما جرى للمختطفين ومجهولي المصير. انها رزمة من الإجراءات والتدابير التي على الدولة اتخاذها للتعبير عن حسن نيتها واستعدادها لمعالجة ما نعيشه من ازمة مركبة تطال المجتمع والدولة معا.. كما أن هذه التدابير ،وحتى لا تكون منفصلة عن الأوضاع التي أفرزت وقائعها، يجب ان تكون مقدمة للحل الشامل ضمن خارطة طريق يتم إنزال ما تتضمنه من قضايا وفق جدول زمني محدد ، والتي يجب اعتمادها في صياغة وثيقة دستورية تعاقدية، برايا استراتيجية تضمن الانتقال الى الدولة الديموقراطية المتعددة.وهذه بعض القضايا التي نرى ضرورة طرحها للنقاشات العمومبة. -اعادة طرح سؤال شكل الدولة وشكل السلطة، الذي تم طرحه مع بدايات الاستقلال من طرف مشروعيات وطنية أخرى، تم اقصائها بقوة الحديد والنار، وهو السؤال الذي يبدو ملحا خاصة مع ما راكمه الشكل المركزي للدولة ولنظام الحكم فيها، من اخفاقات ان على مستوى التنمية أو على مستوى الممارسة الديموقراطية ، اضافة الى ما يشهده المغرب من نزاع ترابي في جهة الصحراء الغربية ، وتنامي الشعور بالخصوصيات الجهوية التاريخية والثقافية، بالنسبة لجهات أخرى من الوطن، خاصة مع ما تعرفه هذه الجهات من إحساس بالتهميش نتيجة الاختلالات التنموية بالمقارنة مع الجهة التي يتشكل منها مركز السلطة ، إذ تستحوذ جهة الدارالبيضاء لوحدها مثلا على ما يفوق 48 % من العائدات الضريبية المخصصة للجماعات الترابية المنصوص عليها في قانون المالية 30-85 الذي يفوض توزيع الحصص لوزارة الداخلبة . ان إعادة طرح هذا السؤال يجب ان يستجيب لمطلب بناء الدولة الديمقراطية الضامنة للتعدد ،وحق الجهات التاريخية في ضمان حقها في تسيير شؤونها الذاتية في إطار دولة الاوطونوميات الجهوية المتضامنة ؛بما يقتضيه هذا التحول في شكل الدولة من تقسيم عادل للثروة والسلطة بين المركز وجهاته، و بما يعيد صياغة مفهوم الوحدة الوطنية بالشكل الذي يجعل منها وحدة طوعية وليس قسرية، ويجعل من مفهوم السيادة الوطنية مفهوما مكثفا لسيادات جهوية. -المسألة الجهوية بما تقتضيه من مراجعات على مستوى التقسيم الترابي والمجالي ، وكذالك على مستوى المضامين والقوانين التي يجب أن تؤهل العملية الجهوية إلى مستوى جهوية سياسية قادرة على ان تمارس دورها كشريك فعلي في تقرير وتنفيذ السياسات العمومية وطنيا وجهويا. -قانون الأحزاب بما سيعمل على تحرير المشهد الحزبي الحالي من بعض الكيانات الحزبية الفاسدة وتأسيس مشهد حزبي جديد يعيد الثقة في الممارسة السياسية وذلك من خلال مراجعة شاملة لقانون الأحزاب والسماح بتأسيس الأحزاب الجهوية والفدرالية. -المسألة الديمقراطية. ان طرح هذه المسالة والتدقيق في مفهومها قد يبدو للبعض غريبا.لكن عندما نستحضر المفهوم الجديد للدولة الذي نطمح الى تأسيسه المتمثل في الدولة الديمقراطية المتعددة فمن البديهي أن نكون بصدد طرح مفهوم جديد للديمقراطية التي تجد أصولها المرجعية في فكر ما بعد الحداثة الذي يؤصل للشراكة بين المركز وجهاته ويجعل العلاقة بينهما قائمة على مفهوم الأخوة وليس على مبدأ الوصاية او الأبوة، كما يكرسه مفهوم الدولة اليعقوبية المركزية المرتبطة بفكر عصر الأنوار. ان هذا المفهوم للمسألة الديمقراطية القائم على الشراكة السياسية والاقتصادية، هو من سيتيح فصلا حقيقيا للسلط، و هو من سيعمل على اعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة جهويا ووطنيا لتلعب دورها كاملا في التشريع والتنفيذ والمراقبة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ،بما ينسجم والمفهوم الجديد لدولة الحق والقانون. -مسألة الهوية الأمازيغية بما تقتضيه من إقرار عملي بهوية المغرب كبلد أمازيغي تشهد به كل المصادر التاريخية بما فيها الشرقية، وبكل تعبيراته الثقافية واللغوية . -المسألة الدينية بما تقتضيه من فصل للشأن الديني عن الشأن السياسي، وإعمال مبدأ حرية المعتقد وضمان حق ممارسة الشعائر الدينية للمغاربة والأجانب مع ضمان حماية موروثنا والروحي والثقافي مما يتهدده من اختراق سلفي اخواني ووهابي. -مسألة الذاكرة والتاريخ بما تقتضيه من اعادة الاعتبار لرموز ذاكرتنا الجماعية التي تشكل ارثا حضاريا و نضاليا ممانعا لعموم الشعب المغربي بما يقتضيه هذا الاعتراف من إعادة لكتابة تاريخ المغرب الحقيقي. انها مجمل الاجراءات والموضوعات التي على الدولة القيام بها او طرحها للنقاشات العمومية في أفق إصلاحات سياسية ودستورية عميقة.تؤسس لمغرب اخر ممكن يتسع لجميع مواطنيه ومواطناته. وتحترم فيه الحقوق والحريات. خاصة وأن ما يشهده المجتمع من احتقان واحتجاجات تنذر بالأسوأ ،هو نتاج سياسات عمومية فاسدة ، وأن كل محاولات الدولة التي تقوم بها من اجل التجاوز ،لا تعدو ان تكون ظرفية ، انفعالية وغير ذي جدوى ،مادامت تفتقر الى الجرأة اللازمة لمعالجة الازمة في شموليتها ،بالرؤية الاستراتيجية المطلوبة في مثل هذه الأوضاع.