قال جمال فزة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنّ الدين والعلم ليسا متناقضين، بل متوازيين، ولديهما تمثلان للعالم متوازيان وليس متناقضين، ولكل اتجاه منهما مسلّمات وطرق استدلال خاصة به. وردّ فزة على سؤال أحد الحاضرين في ندوة حول “العلوم الإنسانية ودورها في النهوض الاجتماعي”، نظمتها جمعية “النور للتنمية” الأحد الماضي بسلا، حول التضييق على رموز الفكر المتنور في العالم الإسلامي بالقول إن مضايقة العلماء ليست “طبيعة إسلامية”، بل لها أسباب أخرى. جمال فزة : كاتب وأستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط وأوضح أن “الاعتداءات التي طالت بعض العلماء كابن رشد وابن سينا وغيرهما لا تعود إلى الدين بطبيعته، بل إلى وضعية اجتماعية وسياسية معينة كانت سائدة في البيئة التي عاش فيها هؤلاء العلماء”، مبرزا أن التضييق على العلماء الذين جاؤوا بأفكار مخالفة للسائد حصل في حضارات أخرى وليس فقط في الحضارة الإسلامية. وأضاف أن “المسيحية قامت كذلك بمضايقة العلماء، فقد فرضت على ديكارت أن يلجأ إلى هولندا لكتابة أفكاره، وهذه الحضارة نفسُها هي التي تشجع اليوم العلم أكثر من حضارتنا. وهذا يعني أن معاداة العلم لا علاقة لها بطبيعتنا، بل بتخلف تاريخي واقتصادي وتخلف في إدراك عوامل التقدم والإمساك بها”. من جهة ثانية، استرجع فزة ظروف نشأة علم الاجتماع، قائلا إنّ نشأته لم تكن علمية فقط، بل سياسية أيضا، إذ تَموقع رواد السوسيولوجيا على يسار الأفكار اليمينية السائدة آنذاك، والمؤمنة بأن الإنسان يمكن أنْ يصنَّف طبيعيا . Naturellement وأوضح أستاذ علم الاجتماع أنّ السياسة في بداية القرن العشرين “كانت تكتنفها أفكار علمية، ولكنّ هذه الأفكار احتضنتها اتجاهات فاشية تبحث عن تعزيز فكرة الاستعمار، ووجد الفكر الفاشستي ضالته وسنَده العلمي في بعض أبحاث الأنثروبولوجيا الفيزيائية، وتحديدا في تصنيف الحضارات الإنسانية”. واستطرد قائلا إنّ الفكر الفاشستي وجد السّندَ العلمي لمهمته في التحضير للعمل الاستعماري، في نظرية تصنيف البشر بناء على طول وعرض جماجمهم، حيث كان ذوو الجماجم الأكثر طولا الأفضل، باعتبار الجمجمة الطويلة جمجمة أوروبية، والجمجمة الأقل طولا والعريضة “أقلّ شأنا” من الإنسان الأوروبي. واعتبر فزة أنّ المشكل ليس في هذا التصنيف في حد ذاته، رغم ما ينطوي عليه من عنصرية، بل في ربطه بالذكاء، لإبراز أن الإنسان الأوروبي متفوق على غيره، مضيفا أن هذا التصنيف كان طريقا للانتقال من “تصنيفات طبيعية” إلى تصنيفات عنصرية أُلبستْ رهانات سياسية استعمارية، وأصبحت مبررا للجريمة ضد الإنسانية، ومبررا للإبادة الجماعية مع صعود النازية. ورفض فزة فكرة ربط تقدّم أو تخلّف حضارة معينة بطبيعتها، قائلا إن “وضعية كل حضارة مسألة تاريخية واجتماعية وليست مسألة طبيعية، ولا يمكن أن نرد مسألة تخلف حضارة أو تقدمها إلى طبيعتها، فالكائن البشري له المؤهلات نفسها، وإذا كان هناك اختلاف بين إنسان ينتمي إلى حضارة معينة وآخر من حضارة أخرى، فهو اختلاف في التطور والشروط النفسية والاجتماعية وليس في خصائص طبيعته”. واعتبر فزة أن علم الاجتماع “نشأ منذ بدايته مزعجا للفكر اليميني وللمحافظين وسيستمر كذلك”، مضيفا أن “الاختلاف أصل والوحدة فراغ؛ يجب أن نتعلم كيف نعيش معا ونحن مختلفون، فليس ضروريا أن تكون لدينا التصورات نفسها واللغة نفسها، ولكن يجب أن نتعلم كيف نعيش معا رغم اختلافنا”.