يرى الباحث في علم النفس عبد الإله حبيبي، أن التنامي الملف للشبكات الإجتماعية بالمغرب يعود الى الدور الذي قامت به الدولة بعدما دشنت بداية انفتاح على المجتمع مع حكومة التناوب الأولى وما صاحبها من مصالحة تاريخية ساهمت إلى حد كبير في خلق حراك سياسي نوعي وتشجيع على المساهمة في الحياة السياسية بنوع من الحرية والجرأة أحيانا في التعبير عن الرأي اتجاه الكثير من القضايا من جهة أولى، ثم من جهة ثانية الى العياء والتراخي الذي أصاب نظام التعبير عن الرأي في الأحزاب الناتج عن الرقابة المفروضة على المنخرطين من حيث درجة الجرأة والوضوح في ممارسة النقد والتقويم على القادة والمؤطرين، مشيرا الى أن كل الأحزاب التاريخية ظلت متأخرة جدا عن ركوب موجة الشبكات الاجتماعية، مشيرا الى أن الإنخراط اليوم في الشبكات الإجتماعية امتد ليشمل فئات اجتماعية أخرى من كل الطبقات والمستويات الفكرية والمادية والتعليمية، بل وحتى بعض الفئات التي لم يسعفها الحظ في متابعة الدراسة ونيل مستوى اجتماعي متميز قد أصبحت حاضرة بقوة في هذه الشبكات وبعلامات خاصة تميزها وتجعلها محط متابعة ومشاهدة من قبل الكثير من المهتمين بالشأن العام ، مؤكدا أن الشبكات قد أصبح فعلا ظاهرة تكنو- حضارية تكاد تغطي على كل فضاءات الحراك والفعل السياسي بالمغرب. من زاويتكم كباحث في علم النفس، ما حجم تأثير الشبكات الإجتماعية على المجتمع معلى الفاعل السياسي اذا ما استحضرنا التطور الملف للإنخراط في الشبكات الإجتماعية في المغرب ؟ هناك أولا ظاهرة العدوى الثقافية، أي التقليد باعتباره يساهم في تحقيق نوع من الانخراط السيكولوجي في ما تفعله الجماعة القريبة من الفرد. هذه العملية تتم وفق آلية نفسية تتحكم فيها الرغبة في ممارسة وإتقان ما يعتبره الآخرون مهارة جديدة ترفع من قيمتهم الاجتماعية وحضورهم المتميز ككائنات تبحث دوما عن الاعتراف والحضور. ثم من جهة أخرى هناك بحث دائم عن هامش لممارسة شيء من الحرية الفكرية في تكوين رأي شخصي وعرضه على الآخرين بغية لفت الانتباه ،وإثارة الاهتمام نحو الذات التي هي دوما في مسعى التميز والظهور و الاخبار بأنها موجودة ولها تأثير. في المغرب بات هذا الانخراط ظاهرة لافتة للانتباه بالنظر إلى حجم المنخرطين في شبكات التواصل الاجتماعي الذي كان إلى حدود بداية العقد الأخير يستقطب فقط فئات الشباب الذي لم يكن يجد الفضاء الذي يناسب ميولاته الفكرية وحاجاته النفسية في التعبير والاحتجاج وإسماع صوته بطرق تختلف عن الاساليب التقليدية في الاتصال والتواصل، لكن، اليوم، نجد أن هذا الانخراط امتد ليشمل فئات اجتماعية أخرى من كل الطبقات والمستويات الفكرية والمادية والتعليمية، بل وحتى بعض الفئات التي لم يسعفها الحظ في متابعة الدراسة ونيل مستوى اجتماعي متميز قد أصبحت حاضرة بقوة في هذه الشبكات وبعلامات خاصة تميزها وتجعلها محط متابعة ومشاهدة من قبل الكثير من المهتمين بالشأن العام أو حتى الحياة الخاصة لبعض الشخصيات الفنية أو السياسية. هنا بالفعل يمكن الحديث عن كون الانخراط في هذه الشبكات قد أصبح فعلا ظاهرة تكنو- حضارية تكاد تغطي على كل فضاءات الحراك والفعل السياسي لدى كل أولائك الذين يبحثون عن التأثير في المشهد الثقافي والسياسي لبلادنا. إنها اليوم ملاذ أغلب الفئات التي تبحث عن فرض حضورها دون حاجة للمرور من القنوات الرسمية المنظمة، أي هيئات الدولة الاعلامية والإعلام الحزبي بكل أنواعه. لعل من أبرز سمات هذا التوسع في مساحة الانخراط في هذه الشبكات هو احتدام الصراع بشكل قوي بين نمطين من القيم، قيم تقليدية كانت دوما ترفع من قيمة الجماعة والدولة على حساب الأفراد والجماعات، وقيم جديدة هي بصدد فرض وجودها انطلاقا من جعل الفرد محط اهتمام ومنطلق لكل فعل وتفكير وإبداع وتحرر من هيمنة المنظومة الأخلاقية التقليدية. نظامين من القيم هما الآن بصدد التصارع لتشكيل ملامح مجتمع مغربي جديد حتما سيكون مغايرا تماما لصورة المغرب في الأزمنة الماضية. في نظرك هل يعود التنامي الملف للشبكات الإجتماعية بالمغرب الى اتساع هامش الحرية في المغرب أم يعود الى حالة الضعف التي تعيشها الأحزاب السياسية ورغبة فئة عريضة من الشباب في بلورة سياسات عمومية متفاعلة مع الواقع ؟ الجواب على هذا السؤال لن يكون أحاديا أو ثنائيا من حيث طبيعة المحددات التي بلورت هذا التعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي، فهناك من جهة أولى الدور الذي قامت به الدولة بعدما دشنت بداية انفتاح على المجتمع مع حكومة التناوب الأولى وما صاحبها من مصالحة تاريخية ساهمت إلى حد كبير في خلق حراك سياسي نوعي وتشجيع على المساهمة في الحياة السياسية بنوع من الحرية والجرأة أحيانا في التعبير عن الرأي اتجاه الكثير من القضايا التي كانت خلال مرحلة السبعينات وحتى حدود الثمانينات من المواضيع الطابو. عبد الاله حبيبي إذن لا ينبغي نسيان دور الدولة المغربية في فتح الأبواب لشركات أجنبية ووطنية من أجل الاستثمار في مجال الأنترنيت دون كوابح أو مراقبة سياسية أو أخلاقية فوقية. هذا عنصر مهم بالنسبة لبلدنا بالمقارنة مع بعض الدول الاسلامية التي لا تزال تمارس رقابة على الأفراد والأذواق والسلوكات. ثم من جهة ثانية نلاحظ أن نظام التعبير عن الرأي في الأحزاب أصابه الكثير من العياء والتراخي الناتج عن الرقابة المفروضة على المنخرطين من حيث درجة الجرأة والوضوح في ممارسة النقد والتقويم على القادة والمؤطرين. هذا الجانب مهم لكون الأحزاب السياسية ظلت متأخرة جدا عن الالتحاق بهذه الشبكات سواء على مستوى الاعلام أو على مستوى المواقع التي تسمح بخلق النقاش وبلورة الآراء والأطروحات، حيث كان أغلب قادتها شيوخ ينظرون لهذه التكنولوجيا نظرة ازدراء وكأنها لعب أطفال أو ضياع للوقت الذي ينبغي أن يكرس في نظرهم للتأطير بالاشكال التقليدية المعروفة. إذا استثنينا بعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فكل الأحزاب التاريخية ظلت متأخرة جدا عن ركوب موجة الشبكات الاجتماعية حتى اكتشفت وهي غارقة في سبات التواصل العتيق أن قطار التكنولوجيا التواصلية قد بات بعيدا عن خطاباتها التي ظلت تراوح نفس البلاغة ونفس القنوات المألوفة . هاهنا نجد أن هذا القطار قد حمل معه فئات عريضة من الشباب الذي لم يكن له الاستعداد لانتظار أن تجدد الأحزاب أساليب تواصلها من أجل الانخراط فيها، بل فضل خلق فضاءاته الخاصة الافتراضية وشكل بذلك قوة ضغط أصبح لها دور مهم في تغيير مجرى الأحداث. ثم لن ننكر أن شبكات التواصل الاجتماعي تسمح بالتواصل السريع ونقل الحدث في إبانه وخلق الانفعال المرجو، وذلك عبر الصورة والصوت والإخراج البديع الذي يستقطب مشاهدين بدورهم سئموا الإعلام الرسمي والحزبي المراقب سياسيا. هكذا أصبح الشباب اليوم لا يستشير أحدا فيما سيقدم عليه من خطوات أو أفعال لها علاقة بالتدافع السياسي، بل استقل عن كل وصاية وعن كل رقابة وأسس له مجالا عموميا افتراضيا فيه يمارس حريته وتطلعاته وأحلامه. التكنولوجيا كما يقال هي في الحقيقة ميتافيزيقا عندما تحيلنا على أفق لا علاقة له بما هو كائن على الأرض، لهذا فالشباب وحده يرى المستقبل ويعرف الطرق التي تؤدي إليه، ولهذا كانت التكنولوجيا بالنسبة إليه هي وسيلته الاستراتيجية في امتلاك مصيره وتغيير بوصلة التاريخ. هل يمكن قراءة التطور الملحوظ لإستعمال الشبكات الإجتماعية بالمغرب برغبة في البحث عن الذات انطلاقا من العالم الإفتراضي، أم يرتبط بالإحباطات التي يعاني منها المجتمع المغربي على مختلف الأصعدة ؟ عندما نقول البحث عن الذات فهذا لا يلغي الرغبة في التخلص من الاحباط، هما عمليتان متصلتان على المستوى النفسي. الفرد هو في عمقه كائن مهدد دوما بالإحباط منذ أن يكون صبيا، لهذا فتاريخ الأفراد هو في الحقيقة تاريخ إحباطاتهم الشخصية وإحباطات الجماعة التي ينحدرون منها. هذا بشكل عام ونظري، أما من حيث الموضوع الحالي فأرى أن الإحباط الذي يعاني منه الشباب المغربي هو الحرمان من وسائل امتلاك مستقبلهم، أي شعورهم بالخوف الدائم من الآتي من الأيام. السياسات العمومية التي تمارس في مجال التعليم والصحة والشغل والتنمية تخلق لديهم قلقا خطيرا، وتجعلهم متوترين، فاقدين الثقة بالنفس بالنظر إلى الواقع الاجتماعي الذي يحيط بهم. بالنسبة للملاحظ المتابع لمسار تطلعات الشباب وعلاقته بالوضع السياسي ببلادنا يمكن أن نسجل مايلي: إلى حدود التسعينات كانت الدولة تحث الشباب على المبادرة وخلق الفرص الذاتية من أجل بناء لبنات مشاريع خاصة للخروج من حالة الانتظار، وقد شكل هذا الواقع، آنذاك، موقفا سياسيا أشر عليه المسؤولون الذين اعتبروا أن المستقبل ليس بالضرورة في الوظيفة العمومية، لهذا كان هذا الخطاب يخلق الاحباط والشعور بالفشل وعدم الجدوى من جهة شباب قضى عمره في الدراسة والتحصيل، لكن مع مرور الايام تطور الخطاب، وأصبح الشباب يمارس شبه مقاومة لهذا الاحباط من خلال أولا إسماع صوته عبر الأنترنيت والشارع ، ثم من خلال امتلاك تقنية صناعة المواقع والمجلات الإلكترونية التي من خلالها يمارس عملية الخروج من العطالة التي فرضت عليه. وبذلك يكون قد وجد طريقه الخاص لمخاطبة الساسة والمسؤولين، بل وبلورة رؤى ومشاريع مغايرة تماما لما يقترح عليه صناع القرار. من هنا أرى أن الشباب وعبر التكنولوجيا قد خرج من حالة الاحباط إلى حالة الفعل وتحقيق الذات ولو افتراضيا في سياق تفاعله الإيجابي مع واقعه السياسي وأحلامه الخاصة. الذات التي هي بصدد التشكل والتطور لا تستكين حتى ولو حوصرت بين الجدران، بل يبقى لها الخيال به تمارس حريتها وتستعيد مبادرتها في التعبير والخروج إلى العالم. ماذا عن لجوء الأحزاب السياسية للشبكات الإجتماعية، وأبرزهم حزب العدالة والتنمية الذي أضحى يتوفر حاليا على " كتائب إلكترونية " ؟ لقد سبق أن قلت سابقا أن الأحزاب الاسلامية ليست حديثة العهد بالفعل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، بل كانت دوما حاضرة في هذا التكنولوجيا وفاعلة سياسيا وثقافيا بشكل قوي ومنظم.، الأحزاب اليسارية هي التي عانت تأخرا على مستوى علاقتها بهذه التكنولوجيا بحيث لم تلتحق بها إلا مؤخرا بعدما اكتشفت أن ميدان الصراع الحقيقي ليس ما يقال في الواقع، بل ما يصاغ من أفكار ومواقف في الانترنيت. لا ينبغي إذن أن تكون العلاقة مع هذه الشبكات علاقة موسمية مرتبطة وبالانتخابات أو بمواسم سياسية معدودة، بل ينبغي أن تصبح استراتيجية ومندمجة في السياسية الإعلامية للأحزاب حتى تحقق أو تستدرك تأخرها وتكثف جهودها لتستعيد المبادرة من خلال الانخراط في هذا السديم الهائل الذي لا تحده قيود ولا تضبطه سوى الشفافية والوضوح. حزب العدالة والتنمية وغيره من الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية يشتغل بشكل منظم في هذه الشبكات، له متعاطفين وجمهور من المنضوين تحت لوائه، ويحاول أن يدافع عن أفكاره وبرامجه وسياسته بالحضور المتواصل والمواكب لكل المستجدات السياسية والثقافية، أي أنه يتقن استعمال هذه التكنولوجيا واستثمارها في تدعيم رؤاه وخطاباته. هذا ليس عيبا، بل تميزا وقوة تأطيرية لا يستهان بها. لهذا ينبغي على كل من يخاطب الناس أن يساير المستجدات وأن يقتحم المسارات الجديدة وأن يجتهد ويبتكر ويسهر ويشتغل بشكل جدي ومنظم حتى يحقق وجودا افتراضيا يمكنه من المنافسة والتدافع على الواجهة السياسية الواقعية والواجهة الافتراضية المتوارية خلف ستائر شتى.