الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهراس: 20 فبراير حركة تغيير

قال المختار الهراس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس إن حركة 20 فبراير تستعمل لغة سياسية جديدة وتفتح المجال أمام جيل جديد من السياسيين، موضحا أن الشباب عندما ينخرط في الفيسبوك تصبح المسافة بين الانخراط والخروج إلى الشارع ميسرة وقصيرة. الباحث أكد في حوار نشرته "الأحداث المغربية" وتعيد نشره "كود" أن حركة التغيير وجدت صعوبات لبناء أرضية سياسية وإيديولوجية مشتركة لعدم تجانسها، كما تحدث عن القيم والمعايير الاجتماعية الأسرية لم تعد وحدها هي التي تحدد أفكار الشباب وأنماط سلوكهم
هناك من تهجم على شباب الحركة ونعتهم، ظلما وتعسفا، «بالمدمنين على القرقوبي والمفطرين في رمضان"، كما أكد أن الشباب يقيمون السياسة والسياسيين من الزاوية الاخلاقية وليس من زاوية الفعالية

من هم شباب 20 فبراير وما علاقتهم بالسياسية؟
** شباب 20 فبراير لايمثلون جماعة متجانسة بل هي جماعة متمايزة تتكون من شباب ليس لديهم انتماء سياسي محدد، ومناضلين منتمين لبعض أحزاب اليسار كالنهج الديموقراطي وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد. كما أن هنالك شبابا منتمين للأحزاب الكلاسكية المعروفة كالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية، وآخرين من جماعة العدل والإحسان وتنظيمات إسلامية أخرى. وهنالك أيضا شباب من حزب البام انضم لهذه الحركة. كما أنها تضم فصائل طلابية مختلفة، وشبابا ينشط في إطار جمعيات حقوقية، وتنموية وجمعيات مدافعة عن الهوية الأمازيغية. ويشارك في مسيراتها بعض الفاعلين النقابيين وقياديي الأحزاب، إضافة إلى بعض الفنانين والمثقفين ورجال الأعمال. هؤلاء هم الفاعلون الأساسيون في هذه الحركة وهي حركة سلمية إصلاحية، تعلن تعلقها بملك البلاد، ولا تتبنى أي مواقف ثورية تجاه النظام السياسي القائم. لكنها في نفس الوقت تمثل سلطة الشارع الضاغطة في اتجاه تسريع وتيرة الإصلاح السياسي والاجتماعي في المغرب.
حركة 20 فبراير تقدمت بمجموعة من المطالب جلها سبق طرحها من طرف الهيئات السياسية والمدنية المغربية. صحيح أن بعض مكونات هذه الحركة تحدث قطيعة مع هذه الأخيرة عندما تطالب بدستور جديد عوض اعتماد الإصلاح الدستوري، وبالحل الفوري للحكومة والبرلمان، لكن صحيح أيضا أن معظم مطالبها الأخرى تمثل استمرارا لما سبق أن تقدمت به الأحزاب والمنظمات غير الحكومية من مطالب سياسية واجتماعية وثقافية. نذكر من ذلك، مثلا، المطالبة بتسريع إصلاح القضاء ومحاكمة المفسدين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وضمان حرية الصحافة، وسن سياسة تشغيل معقلنة خاصة لفائدة الشباب، والعمل على فصل السياسي والاقتصادي خاصة بالنسبة للمسؤولين الكبار في الدولة، وكذلك المطالبة بتخليق الحياة العامة، والتركيز على الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بالاضافة إلى مطالب اجتماعية تخص الجهات والجماعات المختلفة.
جل هذه المطالب ليست جديدة من حيث محتوياتها وأهدافها. الجدة تكمن أساسا في توقيت المطالبة بها، في ظرفية تاريخية تهب فيها رياح التغيير على الدول والمجتمعات العربية. الجديد يكمن أيضا في الأدوات المستعملة في البحث عن هذا التغيير، وهي أدوات افتراضية بالأساس لها امتدادات في الحياة العامة. كما أن الظرفية السياسية التي ظهرت فيها هذه الحركة وأخذت تتطور في سياقها متميزة بالسعي إلى الإصلاح وإقرار الجهوية الموسعة واتخاذ مبادرات في اتجاه دمقرطة المجتمع وضمان حقوق الانسان واحترام الخصوصيات اللغوية والثقافية للمغاربة... الخ.
وإذا كان هنالك من يعتبر أن حركة 20 فبراير مجرد "دعوة" أو"فكرة" تتسع للجميع، أي لشباب غير منتم سياسيا، كما لشباب من ذوي الانتماءات السياسية والاجتماعية المختلفة، فإن هنالك من يعتبرها حركة اجتماعية بكل معنى الكلمة، أي قوة اجتماعية تسعى إلى تعبئة فئات مختلفة من المجتمع قصد تغييره في اتجاه تعميق المسار الديموقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الانسان في أوجهها المختلفة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن.

* لكن ما مدى ارتباط هؤلاء الشباب بالسياسة؟ وهل كان مستوى وعيهم السياسي هو الذي حرك المطالب الداعية للتغيير؟
** كما قيل مرات ومرات وكما قرأنا في الصحف، كان المعتقد هو أن هؤلاء الشباب لم يعودوا مهتمين بالسياسية ولا بالحياة السياسية في المغرب ولا بالأحزاب ولا بالسياسيين أو المؤسسات السياسية. لكن الأحداث الاخيرة أكدت عكس ذلك، واتضح أن للشباب دراية واهتمام بالسياسة، ولكن لهم مواقف سلبية اتجاه الحياة السياسية كما يعيشها المغاربة حاليا.
فإذا أخذنا مؤشر الثقة نجد أن ثقة الشباب في البرلمان أو الأحزاب السياسية والنقابات محدودة جدا. كما أن هناك معطيات إحصائية ودراسات تؤكد أن المشاركة السياسية للشباب في المغرب ضعيفة، بمعنى أن هناك عزوف عن العملية الانتخابية، ونفس الأمر يمكن قوله في ما يخص انتمائهم للأحزاب السياسية، إذ نجد أن النسبة المسجلة، حسب بعض التقديرات الإحصائيات، لا تتجاوز خمسة بالمائة، وكذلك الشأن بالنسبة للنقابات. مثل هذا العزوف يتطلب ضمان المصداقية للحياة السياسية. وقد قدمت في هذا الباب اقتراحات عديدة لا حاجة لنا للوقوف عندها من جديد.
ويظل المجال الجمعوي هو الوحيد الذي يستقطب نسبة مهمة من الشباب، بحيث يبدي عدد من الشباب استعدادهم لتوسيع انتمائهم للعمل الجمعوي والقيام بأنشطة في الجمعيات. والتساؤل المطروح هنا، لماذا الاهتمام بالجمعيات؟ الجواب هو أن الفضاء الجمعوي يوفر فرصا للنشاط والعمل تسمح للشباب بترجمة إحساسهم بمواطنتهم إلى خدمات ملموسة لفائدة مواطنين آخرين. كما أن المجال الجمعوي يمثل القيم الإنسانية والمثل العليا التي يؤمنون به. أضف إلى ذلك أن الجمعيات هي الأقدر على تبني مبدأ القرب في علاقتها بالساكنة المحلية. فالجمعية كثيرا ما تكون مندمجة مع الساكنة التي تشتغل معها في الحي أو الدوار. والمجال الجمعوي هو مجال تنمو فيه الأفكار، بل هو بمثابة مدرسة يتعلم فيها الشباب الكثير من الأمور التي قد يكون لها انعكاس إيجابي على الحياة السياسية. وهو مجال يتعلم فيه الشباب تحقيق الأهداف المشتركة والجماعية ويتعلمون فيه الواجبات المدنية وكيفية الدفاع عن مشاريع اجتماعية وحقوق معينة. ناهيك عما يمثله التطوع في العمل الجمعوي من حرية في الحركة وإبداء الرأي والتعبير وحرية في اتخاذ القرار وصناعته.
في بحث ميداني وطني أجريناه سنة 2006 بتعاون مع الأساتذة رحمة بورقية وحسن رشيق ومحمد الطوزي ومحمد عبد ربه، تبين أنه بالنسبة للشباب الذين يتراوح سنهم ما بين 18 و35 سنة، 27.6 بالمائة منهم لا يعرفون من هو الوزير الأول، لكن عندما طرحنا السؤال عن من هو مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم تبين أن 15.8 بالمائة فقط هم الذين لا يعرفون اسمه. ونسبة الجهل بأسماء السياسيين تتزايد كلما طرح السؤال عن وزير الخارجية ووزير المالية ورئيس البرلمان. هذا يعني وجود ضعف في الاطلاع على مجريات الحياة السياسية لدى هذه العينة من الشباب وهي عينة تضم شبابا ينتمون لمستويات تعليمية وثقافية مختلفة. لكن منذ 2006 إلى اليوم لا شك أن هذه النسب قد تغيرت ولابد من إجراء أبحاث أخرى للتحقق من ذلك.
مثلا في الكتاب الذي نشره زملائي محمد الطوزي ومحمد العيادي وحسن رشيق تحت عنوان «ليسلام أوكوتيديان»، طرح سؤال حول «السياسي المثالي» بالنسبة للشباب فجاء جواب 46 بالمائة منهم أن السياسي المثالي هو السياسي النزيه، و37 بالمائة قالوا إن السياسي المثالي هو المتدين، وهذا يبين أن الشباب عندما يقيمون السياسة والسياسيين فإنهم لا يفعلون ذلك فقط من زاوية الفعالية بل أيضا من الزاوية الأخلاقية والأمانة والصدق الذي يتعين أن يتحلوا به.

* هل يمكن اعتبار أن حركة 20 فبراير هي نتاج للسياق العالمي والاقليمي الذي تعرفه مجموعة من الدول العربية، وبالتالي هي جزء من منظومة العولمة الكبيرة التي تجاوزت الجانب الاقتصادي إلى عولمة الاحتجاج وطريقة الاحتجاج والمطالب؟
** لا يمكن فهم حركة 20 فبراير بدون ربطها بهذا السياق العالمي، فهؤلاء الشباب لم يشرعوا في استعمال تويتر والفيسبوك وغوغل والمدونات الالكترونية في شهر فبراير بل كان ذلك منذ بضع سنوات، وكنا نعرف، قبل ظهور هذه الحركة الاجتماعية، أن الشباب المغربي شديد الاهتمام بالانترنت وهذه المواقع الافتراضية، وكان يستعملها في الشات والدراسة وربط علاقات اجتماعية عبر الحدود الوطنية والتعارف، وكل هذا يندرج في إطار العولمة. مما يعني أن الشباب كان منفتحا على كل الأفكار والاتجاهات التي تروج في الانترنت الذي هو أساسا مجال للتنوع الفكري والتعدد في الاتجاهات والاختلاف في الآراء والحرية في الاختيار والتعبير.
في إطار الانترنت تعرف الشباب على تجارب سياسية وديموقراطية في مجتمعات أخرى وعلى أهمية الحقوق الفردية بالنسبة للشباب والنساء والأطفال والمعتقلين السياسية والأشخاص ذوي الأوضاع الصعبة...، مما ساهم إلى حد بعيد في توعية الشباب ببعض الأهداف التي ينبغي أن يتطلع إليها.
العولمة أثرت على أساليب عيش الشباب الذين صاروا، مثلا، يقضون ساعات طوال أمام الانترنت والقنوات الفضائية، وبدرجة أقل، ألعاب الفيديو. لقد صار الشباب أكثر ميلا للأنشطة المتصلة بالبيت منها إلى تلك التي تنبني على الحركة والخروج للطبيعة. كما أثرت العولمة على أذواقهم الفنية وأنماط لباسهم واهتماماتهم الثقافية وأساليب تعاملهم مع الآخرين. كما استثارت العولمة لدى العديد منهم، عبر التمفصل مع عوامل الإحباط في الداخل، رغبة قوية في الهجرة إلى الخارج. وتبين بعض البحوث السوسيولوجية أنهم يفضلون الهجرة نحو بلدان أوربا وأمريكا الشمالية.
تأثير العولمة يتضح أيضا في إتاحة إمكانيات جديدة للتعبير خاصة على الانترنت وما يرتبط به من منتديات، ما سمح للشباب بتبادل المعارف والمعلومات مع أشخاص ينتمون لمجتمعات أخرى. كما أثرت العولمة في تنامي النزعة الفردانية في المجتمع المغربي، فلم تعد القيم والمعايير الاجتماعية الأسرية وحدها هي التي تحدد أفكار الشباب وأنماط سلوكهم، بل أصبحت تأثيرات متباينة ترد في الأغلب من الخارج تسهم هي أيضا في دفع الشباب إلى نوع من الفردانية. فولوج عالم الأنترنيت يتم عن طريق حاسوب يستعمل بشكل فردي، كما أن الشاب في مثل هذا الوضع يعتمد على نفسه في تحليل المعلومة وتقييمها، ويجد حوافزه لاستعمال الأنترنيت في رغباته وحاجياته الفردية.
العولمة وسعت، إذن، من نطاق تفرد الشخص، وجعلت الشباب يعيدون بناء هويتهم ويغيرون أولويات حياتهم. فالهوية لم تعد خاضعة فقط لمؤثرات التاريخ والتراث والجماعة المباشرة التي يعيش فيها الشاب، بل أصبحت تتأثر أيضا بعوامل خارجية مستلهمة من الثقافات الأخرى. العولمة أدت أيضا إلى تراجع الخوف لدى هذه الفئة، وأعني هنا الخوف من السلطة السياسية والأبوية والتربوية والإدارية. هناك أيضا ظهور فئة قليلة من الشباب التي تدعو إلى التحرر الجنسي وتتبنى ثقافة الهيب هوب وتدعو إلى الإفطار في رمضان ولا ترى مانعا في الترخيص للزواج المثلي. وتلك فئة يجب تسجيل وجودها في هذا السياق العولمي. ورغم قلة المنتمين لهذه الفئة، فقد ظهر من حاول أن يستغل ذلك حيث وجدها فرصة سانحة ليتهجم على حركة 20 فبراير ونعت كل شبابها، ظلما وتعسفا، «بالمدمنين على القرقوبي والمفطرين في رمضان».

* ما الدور الذي لعبته المواقع الاجتماعية والانترنت وكيف ساهمت في ميلاد حركة الشباب الداعية للتغيير؟
** أعتقد أن هذه الحركة الاجتماعية نشأت بفعل محددات اجتماعية وسياسية واقتصادية قائمة وموجودة في المجتمع المغربي منذ عقود. فالمغرب عانى طيلة عقود من القرن الماضي من اختلالات سياسية واقتصادية واجتماعية كان من بين أهم نتائجها إقصاء الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، وعرقلة اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، وعدم الاستجابة بكيفية ملائمة لحاجياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية. ولعل في عدم تمكن القوى السياسية المغربية، الرسمية منها والحزبية، من إيجاد الحل الشامل والفعال لبعض الاختلالات المشار إليها تكمن الأسباب الأساسية والعميقة لبروز حركة 20 فبراير.
يبقى السؤال لماذا نشأت الحركة في هذا الوقت بالضبط؟ هنا يأتي ما يسمى بالربيع العربي الذي ساهم بشكل كبير في انخراط الشباب في مبادرة الاحتجاج والبحث عن التغيير، وهي مسألة لا ينبغي إنكارها خاصة بعد نجاح التغيير في تونس ومصر. لقد اعتبر الشباب في المغرب أنها فرصة سانحة للمطالبة بتصحيح المسار السياسي وتصحيح السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
أظن أن الانترنت لعب أيضا دورا مهما في تسريع وتيرة هذه الحركة، ففي وقت قياسي تمكنت الحركة من تنظيم مسيرات احتجاجية في 53 اقليما. ويظهر ذلك جليا في مآل النظام المصري مثلا. فالرئيس السابق حسني مبارك تنحى عن السلطة 18 يوما بعد أول تظاهرة في القاهرة، ما يبين سرعة تأثير هذه الوسيلة في الأحداث، وكذلك الشأن بالنسبة لبنعلي الذي فر بعد شهر من إحراق البوعزيزي لنفسه. وفي المغرب تمكن الشباب بسرعة من تنظيم أنفسهم فجاء بعد ذلك الاعلان عن التعديلات الدستورية.
ما يتوجب التأكيد عليه هو أن الأدوات الافتراضية من قبيل الفيسبوك والتويتر سرعت من وتيرة التغير، لكنها ليست هي السبب الأول لانطلاقه ولا يمكن بأي حال تصنيفها ضمن المحددات العميقة التي سبق ذكرها. التكنولوجية توسع من مدى قدرة الاشخاص على إحداث التغيير ومن الامتداد الفعلي للتغيير في المكان والزمان. فإذا أردنا أن نخلق تغيرا مستداما يجب استعمال هذه الوسائل، حتى لا يكون نفَس مبادرة التغيير قصيرا، فنجعلها بذلك متواصلة ومستمرة. هذه الوسائل هي التي بإمكانها أن تحول احتجاجا صغيرا إلي حركة احتجاجية مستدامة وهو ما نلاحظه الآن من خلال توسع الحركة الاحتجاجية وتطورها. إذا كان الاستياء الاجتماعي من أوضاع اقتصادية واجتماعية غير مرضية هو ما يعطي الطاقة للتغيير، فالأداة التواصلية من شأنها أن تسمح باستمرار سيرورة التغيير وتوسعها.
اشتغلنا مؤخرا على دراسة خاصة بالشباب والاعلام وتبين لنا وجود مجموعة من المميزات التي تجعل الفيسبوك وغيره من المواقع الاجتماعية أداة فعالة في صيرورة التغيير. مثلا خلال الثورة الايرانية تم استعمال الكاسيط للتعبئة، الآن في ثورتي تونس ومصر لعب الفيسبوك دورا أساسيا في التغيير، وفي المغرب نفس الدور يلعبه الفيسبوك على مستوى الحركة الإصلاحية. فلا يجب أن يغيب عنا أن هنالك حاليا ما يناهز 2700000 مغربي مخرط في الفيسبوك، من بينهم 2500000 منخرط يقل سنهم عن 30 سنة.
أهمية الفيسبوك تظهر من خلال سماحه بتجاوز حدود الرقابة من جهة، وتمكين الفرد من إخفاء هويته ومنحه حرية أكبر في التعبير السياسي. كما يسمح بالإخبار المباشر دون المرور عبر هيأة وسيطة، والإخبار في الحين. ويتميز كذلك بالتنويع في الأراء والاتجاهات، وتبرز أيضا أهمية دوره في تنظيم المسيرات والاحتجاجات كما يقع الآن.
في الفيسبوك ليس هناك مرسل ومستقبل للخبر، فهو غير قائم على منطق التبليغ والإرسال والاستقبال بل على منطق الشراكة والتقاسم، إذ أن المشتركين يتقاسمون معلومات وأفكار. الفيسبوك فضاء لانتشار أفقي للمعلومة بين شركاء وأفراد يعتبرون أنفسهم متساوين فيما بينهم. وهنا يتعين التأكيد على أن الفيسبوك أداة اجتماعية بالأساس، فالأشخاص ينخرطون في منتديات ومجموعات يتقاسمون خلالها الأفكار مع الآخرين. فهذه الشبكة الاجتماعية تسمح بخلق مجتمع مدني افتراضي أخذ يخرج من النطاق الافتراضي إلى الحياة العامة. من هذا المنطق فالتعبئة لم تعد تقتضي الاجتماع في مكان معين بل قد تكون هناك مسافات فاصلة بين الأشخاص وتتحقق على الفيسبوك بإشارات بسيطة، هذا بالاضافة إلى أن هذه الأداة التواصلية لا تكلف موارد اقتصادية وتكلفتها متواضعة ومحدودة جدا مما يسهل استعمالها.
سابقا كان التفاعل مع الشباب الآخرين يتم في الشارع والمقهى وفي رحاب الجامعة والمؤسسات التعليمية، لكن حاليا أصبح المجال الأساسي لتفاعل الشباب مع بعضهم البعض في إطار حركة 20 فبراير هو المجال الافتراضي، وهذا يعني أن مجال تفاعلهم والفضاء الذي يجمعهم قد تغير. فاليوم بنقرة واحدة على الحاسوب يمكنك أن تعرف مدى الدعم الذي حصلت عليه فكرة ما، وعندما يرى شاب ما بأن مجموعة من الشباب يفضلون هذه الفكرة، فإن ذلك يسهل عليه دعمها، خاصة بعد الاطلاع على التعليقات المتصلة بها، والمشاركة في عملية الإقناع والنقاش الذي يتم على الشبكة. فمشاهدة الشباب لتفاعل أشخاص وتقاسمهم لأفكار وآراء على الفيسبوك يشجعهم على التعبير الحر في المجال العمومي والحياة الاجتماعية الفعلية. وهذه العملية تتم على ثلاثة مراحل: النقرة الأولى للمشاهدة والثانية للاختيار والتفضيل والثالثة للانخراط، ولما تنخرط تصبح المسافة بين الانخراط والخروج إلى الشارع ميسرة وقصيرة.
التعبئة في الفيسبوك تكون أكثر تأثيرا نظرا لاستعمال الصور والفيديوهات، فهذه الشبكات أصبحت بمثابة "وكالات إخبارية". بل أكثر من ذلك، ساهمت هذه الوسائل في بروز ما يمكن تسميته "بالمواطن الصحافي"، أي أن الشخص الذي يستعمل الفيسبوك، هو في نفس الوقت يقوم بمهمة الصحافي في نشر الأخبار والصور من منطلق مواطنته. إن استعمال هذه الشبكات بإتقان أعطى قوة لهؤلاء الشباب، عكس الجيل السابق الذي يتمتع بالسلطة لكنه لا يصل إلى إتقان استعمال هذه الوسائل. على مستوى آخر هناك مفارقة وتداخل في استعمال الفيسبوك بين ما هو فردي وجماعي، فالشاب يبدأ بشكل فردي في استعمال الفيسبوك ثم بعد ذلك ينضم إلى جماعة للضغط على الدولة من أجل انتهاج سياسة معينة وتحقيق مطالب فردية وجماعية.
الخلاصة التي يمكن تسجيلها هي أن استعمال الوسائل الافتراضية هي الخطوة الأولى للتغيير لكنها لا تضمن بالضرورة استمرار التغيير، كما أنه لا يمكن أن نقول إن استعمال الوسائل الافتراضية هي سبب هذه الحركة الاجتماعية التي يشهدها المغرب، وإلا سنسقط في التنقيص من النضالات التي خاضتها الهيئات السياسية والنقابية والمدنية والشبابية المغربية والتي بدونها ما كنا نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من المطالب الإصلاحية.

* من هذا المنطلق أنتم تعتبرون أن حركة الشباب اليوم هي امتداد لنضالات الأحزاب السياسية في السابق؟
** طبعا، هناك استمرار بدليل أن معظم المطالب المقدمة اليوم سبق رفعها في السابق، لكن هذا لا يقلل من حركة شباب 20 فبراير فهي جاءت لتذكر الجميع أن هناك مطالب أساسية مازالت قائمة. من الصعب القول بأن هناك قطيعة في حركة التاريخ. والدليل على ذلك أن العديد من قياديي الأحزاب السياسية يشاركون في المسيرات التي تنظمها الحركة، لأنهم يجدون أنفسهم في العديد من شعاراتها. وهذا لا ينفي بالطبع وجود محاولات لاستغلال هذه الحركة سياسيا والتشويش على الرسالة التي تتوخى تبليغها للمجتمع.

* في إطار تطور حركة التغيير تقوم الحركة اليوم بالتواصل على مستوى آخر ما سمح لهذه الفئة الشبابية بالانفتاح على فئات عمرية واجتماعية أخرى وسمح أيضا للحركة بالتوسع والوصول إلى الأحياء وقطاعات اجتماعية أخرى. كيف تفسرون ذلك؟
** حركة 20 فبراير، كما سبق القول، حركة إصلاحية. وأعتقد أنها بدأت تعي بأن استمرارها رهين بالتجذر في المجتمع وأن التغيير لا يعني فئة الشباب فقط بل يعني باقي الفئات الاجتماعية، كما أن مطالبها تهم المجتمع برمته. لقد اعتبر الفاعلون الرئيسيون في هذه الحركة أن ديناميتها قد تتوقف إن ظلت محصورة في المدن والشوارع الرئيسية. ولكي تساهم في التحسيس بمطالبها انفتحت على فئات اجتماعية أخرى من خلال تنظيم مسيرات في الأحياء الشعبية كحي يعقوب المنصور في الرباط والحي المحمدي في الدار البيضاء. كما بدأت تنظم مسيرات في بعض المناطق القروية، مثلا في أولاد دحو بنواحي أيت ملول وفي دوار تروان باقليم سيدي قاسم ودوار سيدي اسماعيل بنواحي الجديدة وفي بوادي أخرى. ومن الملاحظ أن الحركة تحاول، في العديد من هذه المسيرات، أن تتكيف مع الأوضاع والخصوصيات المحلية. فالمطالب المرفوعة تخص الجماعة وشروط التنمية المحلية. فهناك محاولة للتكيف مع الأوضاع المحلية ومزاوجة بين مطالب وطنية تهم كل فئات المجتمع المغربي ومطالب أخرى تهم المستوى المحلي الذي يصل إلى مستوى الدوار.
بدأنا نلاحظ أيضا بخصوص المسيرات التي تنظمها الحركة انضمام أشخاص من قطاعات مختلفة من الصحة والتعليم والقوات المساعدة والجيش، وأيضا فئات عمرية أخرى كمتقاعدي القوات المساعدة ومتقاعدي الجيش وأرامل الشهداء والعائدين من ليبيا، وكذلك عمال شركات تعرضت للإفلاس مثلا، إلى جانب المثقفين والفنانين ورجال الأعمال وإن كانت هذه الفئات تمثل أقلية داخل جسم حركة التغيير. الملفت إذن للانتباه هو توجه الحركة أكثر فأكثر نحو البوادي والأحياء الشعبية.

* في نظركم ما هي آفاق هذه الحركة خاصة في ظل تقاطعها مع تيارات أخرى لا تتقاسم معها نفس الأفكار لكنها تشترك معها في رفع نفس المطالب؟
** كما قلت في البداية فالحركة غير متجانسة وتضم تيارات متباينة المشارب السياسية والثقافية والاديولوجية، وحسب المعطيات المتوفرة فإن الحركة وجدت صعوبات لبناء أرضية سياسية وإيديولوجية مشتركة، ويظهر ذلك في الاختلالات التي تعرفها المسيرات حيث تضطر أحيانا إلى تنظيم مسيرتين متوازيتين في أحياء مختلفة داخل نفس المدينة، أو يحدث نوع من الجدال الحاد حول الشعارات التي يجب رفعها أو تلك التي لا يجب رفعها، وقد يتطور هذا النقاش أحيانا إلى خصومات حول محتوى هذه الشعارات. هذا بالاضافة إلى أن هناك من يحاول استعمال هذه الحركة لأغراض سياسية لاتمت بصلة لأهدافها، وهناك داخل هذه الحركة جماعات فرعية قد تنتهي إلى الانغلاق على نفسها إذا ماتعذر التوصل إلى أرضية مشتركة، فتزداد بذلك صعوبة التواصل فيما بينها.
إن الرهان الأسمى بالنسبة لبلدنا يتمثل في تعميق السيرورة الديموقراطية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان على نطاق أوسع. لقد قدمت الحركة دليلا قويا على قربها من نبض المجتمع عندما نظمت تظاهرة بجامع الفنا معلنة تضامنها مع الضحايا ونبذها للارهاب عقب تفجير مقهى أركانة، وموضحة أنها لن توقف وتيرة المطالبة بالإصلاح السياسي، ومؤكدة في نفس الوقت على أهمية وضرورة الاستمرار في الاصلاحات الديموقراطية.
فالأمر يتعلق بحركة اجتماعية تعلن بوضوح نواياها الإصلاحية وتؤكد عزمها على متابعتها إلى مدى بعيد. لذا من المفروض ألا تعمل أي هيئة سياسية أو جماعة معينة على توظيفها في خدمة أغراضها الضيقة. المثير في حركة 20 فبراير أنها تحمل في طياتها مفهوما جديدا للسياسة، وتستعمل لغة سياسية جديدة فيها قيم وأخلاق وشفافية، وتدعو إلى اعتماد ممارسات سياسية من صنف جديد، وتسعى إلى فتح المجال السياسي أمام جيل جديد من السياسيين يجددون الحياة السياسية ويمنحونها المصداقية التي افتقد منها الكثير. إنهم لا يريدون سياسيين يوزعون المال في الانتخابات ويعتمدون الترحال من حزب سياسي لآخر، بل سياسيين لهم مواقف مبدئية ومشاريع ذات بعد تنموي. هؤلاء الشباب يتحدثون عن الأشياء كما هي في المجتمع دون حسابات مسبقة أو مبالغة في التمييز بين ما يجوز وما لا يجوز قوله. ويعبرون عن إرادتهم في إحداث "تغيير حقيقي" يؤدي إلى تنمية مستدامة فعلية. تحقيق مثل هذا الهدف يقتضي منهم بلورة مشروع اجتماعي، لأنهم لحد الآن يرفعون مطالب معينة لكنهم لا يقدمون مشروعا واضح المعالم. الجميع يريد الاصلاح والسير إلى الأمام لكن يجب الشروع في التفكير بعمق إلى أين نريد أن نسير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.