«يقدر يجمع ما لا يقدر حزب أو منظمة على جمعه خلال أشهر»، بهذه الكلمات يكشف امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثاني لشبيبة حزبه ببوزنيقة في 25 أبريل الفائت، عن إدراك سياسي مغربي لقوة ما يطلق عليه البعض «حزب الفيسبوك» المغربي، الذي بدأ يتشكل على سطح الشبكة العنكبوتية خلال السنوات الأخيرة. صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة «الفيسبوك»، وفرت لشباب مغربي وفاعلين سياسيين وجمعويين ونقابيين فرصة لنشر آرائهم، والنبش في المحظور وانتقاد الأوضاع السياسية دون قيود، والدفاع عن مواقف سياسية يؤمنون بها، بيد أن ما يلفت النظر هو قدرتهم على التحول إلى حركة يعتد بها في المعترك السياسي، وقوة ضاغطة تكاد تتجاوز ما يمكن أن تقوم به الأحزاب، وهو ما بدا لافتا خلال الحملة التي شنت على صفحات العالم الأزرق، خلال الأسابيع الماضية، ضد معاشات البرلمانيين والوزراء. ولئن كانت نتائج تلك الحملة قد آتت أكلها، بعد أن اضطرت بعض الأحزاب إلى مجاراة نشطاء «الفيس بوك»، باقتراح قوانين لمراجعة تلك المعاشات، إلا أن السؤال الذي يثار هو: إلى أي حد يمكن أن يؤثر «حزب الفيسبوك» في المساهمة في صنع القرار أو التأثير فيه وفي صانعيه؟ لا شك أننا اليوم أمام قوة ضاغطة تكاد تتجاوز ما يمكن أن تقوم به الأحزاب، وأمام فاعل جديد يمارس الضغط والتأثير، بوظائفه على الحكومات والمؤسسات البرلمانية والتشريعية، من خلال نقل ما يتم تداوله إلكترونيا وافتراضيا إلى المؤسسات الرسمية، لكن بالنسبة لحسن حمورو، الناشط «الفيسبوكي»، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، فإنه لا يمكن أن نتحدث عن حزب «الفيس بوك» بالمفهوم المتداول في السياسة، بما يحيل عليه من تصور فكري مشترك أو تجمع قوى سياسية بنظرة ايديولوجية موحدة بغاية الوصول إلى السلطة، مشيرا إلى أن « إذا جاز أن نطلق وصفا على ما يساهم به كموقع للتواصل الاجتماعي في تنشيط الحياة السياسية من خلال الرصد والمتابعة وحشد الرأي العام وتوجيهه، ومحاولة صناعة رأي عام مساند أو معارض لفكرة ما أو قرار ما، فإنه فعلا يمكن أن ينافس الأحزاب السياسية في إحدى أهم وظائفها». وبرأي حمورو، فإن الذي يدفع في اتجاه التفكير في إطلاق وصف الحزب على «الفيسبوك»، هو الأدوار التي أصبح يلعبها في الحياة السياسية عدد كبير من نشطائه، والذين لا يمكن التعامل معهم على أنهم مجرد نشطاء في العالم الافتراضي أو الحكم على نشاطهم بالعزلة أو بمحدودية الأثر، بدليل تأثيرهم في عدد من الأحداث التي عرفها المغرب، ولعل أهمها تفاعلات العفو عن مغتصب الأطفال الاسباني كالفان، وتفاعلات ما بات يُعرف بفضيحة «الكراطة» وزواج الوزيرين، وحملات أخرى ضد مهرجان موازين وغيرها، وهي التفاعلات التي كان لها أثر في قرارات كبرى في المشهد السياسي، ما يجعلنا فعلا أمام قوة ضاغطة تكاد تتجاوز ما يمكن أن تقوم به الأحزاب. وبالرغم من هذا التحول إلى قوة ضاغطة، يؤكد الناشط الفيسبوكي في حديثه ل»المساء»، أن ذلك التحول لا يعني بأي حال من الأحوال أن «الفيسبوك» يمكن أن يحل محل الأحزاب أو يعوضها، داعيا إلى التفكير في آليات إدماج ما يتيحه في معادلة تنشيط الحياة السياسية بما يعود بالنفع على المجتمع وعلى تطور الديمقراطية، وهو ما يفرض على نشطاء «الفيسبوك»، خاصة المنتمين إلى الأحزاب السياسية، التفكير في ترشيد ما يقومون به، والاتفاق على حدود معينة في ما يمكن أن نسميه «التدافع الفيسبوكي» دون التفريط في أهم مقوم يحكم النشاط «الفيسبوكي» وهو الحرية والانفلات من الرقابة لكن بمسؤولية بطبيعة الحال. وحسب المتحدث ذاته، فإنه بهذه الطريقة وحدها يمكن أن يؤثر نشطاء «الفيسبوك» على صانع القرار، وممارسة دور مهم لصالح المجتمع، بتوظيف ما يُتيحه هذا الموقع، من إمكانيات التواصل الجماهيري وسرعة الانتشار وفعالية التعبئة، مع عدم القفز على الدور التثقيفي ونشر الوعي السياسي لتأطير كل النقاشات التي يحتضنها، وجعله أداة تغيير آمنة ومساهمة في البناء لا في الهدم. وفي الوقت الذي يؤكد فيه حمورو على أن «الفيس بوك» كنموذج لشبكات التواصل الاجتماعي تفرز في غمرة المشاركات والنشر والتعليق، قيما مصاحبة وجب الانتباه إليها، وقبول الإيجابي منها وتقليص تأثير السلبي منها، حتى نضمن الاستفادة منه كفضاء مشترك يمكن أن يكون مناسبا للإثارة نقاشات تهم المصير المشترك، يرى عبد الرحيم منار السليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، أن النقاش الذي واكب الحملة ضد معاشات البرلمانيين والوزراء، كشف أن «الفيس بوك» أصبح مصدرا لتشكيل الرأي العام من خلال إثارته لبعض القضايا وإخراجها من نطاق ضيق إلى مجال واسع من خلال إيصالها إلى جزء كبير من فئات المجتمع المغربي. ووفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، فإن المواقع الاجتماعية أصبحت تعبر عن رأي عام يضغط على حكومة عبد الإله بنيكران من أجل إيجاد حلول للعديد من المشاكل المطروحة، لافتا في تصريحاته للجريدة إلى أن «الفيسبوك» أصبح يلعب دورا مهما في رفع درجة النقاش حول أي قضية، وتحويلها إلى مشكل عمومي يطرح على أجندة الحكومة، ويفرض عليها إيجاد حل له لتجنب التداعيات الخطيرة التي قد تترتب عن عدم الانتباه إليه. ويذهب السليمي في تحليله إلى أنه أمام ضعف الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية تحول «الفيسبوك» إلى وسيلة للضغط على صانعي القرار وإنتاج المعارضات، وكذا وسيلة من وسائل الاحتجاج التي يمكن أن تنتقل إلى الميدان في أي وقت، مشيرا إلى أن من شأن عدم الانتباه من قبل الحكومة والوزراء، إلى ملامح ذلك الاحتجاج في نقاشات «الفيسبوك»، أن يخلق نوعا من الاستفزاز للرأي العام، الذي ستكون له تداعيات قد تصل إلى حد إحداث أزمات. وفي الوقت الذي يخلص فيه المحلل السياسي إلى القول بأن على صانع القرار المغربي قراءة الوضع جيدا، وإجادة تحليل مضمون ما يروج على صفحات المواقع الاجتماعية، فإن أسئلة عدة تطرح حول امتلاك ذلك الصانع القدرة على مواكبة التحول الجديد، الذي تفرضه المواقع الاجتماعية على الساحة السياسية، في وقت ينتظر فيه أن يتعاظم دورها في الضغط والتأثير. بوغالم: الوسائط الحديثة مكنت الفئات المقصية من التأثير في السياسات العمومية كشفت حملات المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين، وقبلها بإقالة وزراء ومسؤولين عموميين، عن قدرة مستعملي الوسائط الاجتماعية في التأثير على القرار العمومي، وارتفاع وعي الشباب المغربي بآليات تدبير الشأن العام مقابل ضعف ميكانيزمات التواصل المعتمدة من طرف الفاعلين السياسيين. قبل شهور تفجرت فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله في الرباط، حيث انتشر شريط الفيديو الذي يظهر استعمال «الكراطة الشهير» كالنار في الهشيم، لتنطلق دعوات إقالة الوزير محمد أوزين. ضغوط سارع معها أوزين إلى تقديم توضيحاته في الموضوع، قبل أن يعلن تحمله للمسؤولية «السياسية». تحمل المسؤولية السياسية في ما وقع على مستوى مركب الأمير مولاي عبد الله لم يطفئ نار الاحتجاجات في الفضاء الأزرق، حيث عمد مستعملو الوسائط الاجتماعية إلى تناقل مختلف الأخبار والوثائق المرتبطة بصفقة إصلاح الملعب. وبعد أن أكد التقرير الذي أعد في الموضوع وجود اختلالات، طلب أوزين، «من منطلق روح المسؤولية»، وفق ما ورد في بلاغ للديوان الملكي، من رئيس الحكومة أن يرفع إلى الملك ملتمس إعفائه من مهامه، حيث قرر الملك إعفاء محمد أوزين من مهامه كوزير للشباب والرياضة. بعد ذلك، توالت الفضائح والزلات، بدءا من «الكوبل الحكومي»، ومرورا بوزير التشغيل والتكوين المهني، الذي لم يتردد في التعبير عن أنه أصبح «يسرح بنادم» بعدما كان في السابق «يسرح الغنم»، ووصولا إلى زلة الوزيرة شرفات أفيلال، التي اعتبرت قيمة معاشات البرلمانيين «جوج فرنك»، وهو ما جر عليها انتقادات كبيرة، وإن كان بعضها قد تجاوز منطق الحوار ووصل حد التهجم عليها بعبارات السب والقذف. المثير في النقاشات التي أثيرت حول فضائح وزلات الوزراء هو أن «شعب الفايسبوك»، المشكل في غالبيته من الشباب، أكد أن مسألة العزوف السياسي لا تقاس بمدى المشاركة في العملية الانتخابية ولا بمستوى الانخراط في التنظيمات السياسية، بل أبدى من خلال عدد من المواقف قدرة عالية على متابعة دقيقة للشأن العام، ووجه رسالة تؤكد ممارسته لرقابة حقيقية على خطاب وأداء الفاعلين السياسيين. ويرى عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وجدة، أن «هذه الظاهرة الخاصة بنقاش الشباب للقضايا العمومية تعد ظاهرة صحية جدا بغض النظر عن السياق السياسي المرتبط بالانتخابات»، حيث سجل أن «الوسائط الاجتماعية أصبحت تؤثر بقوة على الممارسة السياسية، ففي السابق كان يتم الاعتماد على الأطر التقليدية، غير أن مجالها يبقى جد ضيق، بسبب استفراد مجموعة من النخب والقيادات ببلورة القرارات والسياسات العمومية». وأوضح بوغالم أن الوسائل الحديثة مكنت فئة عريضة تعاني الإقصاء من المشاركة الفعلية والمباشرة في صياغة القرارات والسياسات العمومية، حيث أصبحت هذه الفئة المهمشة، المشكلة في جزء كبير منها من الشباب، تشارك سياسيا باعتبار أن المشاركة السياسية تستهدف التأثير في القرارات العمومية. هذا الأمر جعل الشباب يتوفر على وسيلة للتأثير على صناع القرار انطلاقا من البيت أو المقهى. وأورد أن وجود رقيب على مستوى الوسائط الاجتماعية قد يربك مجموعة من الفاعلين السياسيين وصناع القرارات، على اعتبار أن هذه الآليات أصبحت بمثابة أداة لممارسة الرقابة الشعبية على صانعي القرار، ناهيك عن كونها سمحت لفئات واسعة بالاهتمام بالشأن العمومي. وأضاف:» في السابق كان الإقصاء يجعل الشباب في حالة من العزلة واللامبالاة لأن صوته لا يصل، لكن اليوم لديه وسيلة بسيطة لكنها ناجعة وفعالة». وأشار بوغالم إلى أن تفاعل الشباب من خلال الوسائط الاجتماعية يجعلهم يساهمون في تطوير الخطاب السياسي، إذ أنه أصبح يعطي الدروس ويشكل رقيبا ويستهجن مستوى الخطاب المتداول، لافتا إلى أننا أمام شرائح اجتماعية جد واعية، في مستوى تدرك ما هو صحيح أو خاطئ، وما ينسجم مع ما هو متعارف عليه في إدارة الشؤون العامة للدولة. واعتبر المتحدث ذاته أن ما يقع اليوم سيجعل النخب السياسية تضبط مصطلحاتها بشكل جيد عندما تدلي بتصريح أو حوار، وهو ما من شأنه أن يرتقي بلغة الخطاب السياسي وكيفية التعاطي مع قضايا الشأن العام، بما في ذلك احترام القيم ومبادئ وقناعات مختلف الشرائح المجتمعية. وخلص الخبير السياسي إلى أن السلطة لم تعد في يد صانع القرار بل إنها تجزأت وأصبحت في يد كل شخص، حيث يستطيع شاب أن يؤثر من خلال آليات التواصل الاجتماعي على صناع القرار، وهو ما يمثل مشاركة سياسية غير مباشرة من خلال إحداث الأثر عبر تغيير قرارات أو تعديل وربما إلغائها، بشكل يصب في صالح الارتقاء بالممارسة السياسية والخطاب. هل يسحب «الفايسبوكيون» البساط من تحت أقدام أحزاب المعارضة؟ أحزرير: التكنولوجيا أصبحت تشكل سلطة مضادة لها تأثير على عدد من القرارات بعد وصف شرفات أفيلال، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، معاش البرلمانيين ب»جوج فرانك»، أثار ذلك سخطا لدى الرأي العام إلى درجة دفعت فاعلين جمعويين إلى إطلاق حملة من أجل المطالبة بإلغاء رواتب تقاعد الوزراء والبرلمانيين عبر صفحات فيسبوكية، بهدف جمع التوقيعات لتوجيهها إلى الجهات المسؤولة، على اعتبار أن البرلمانيين ليسوا موظفين وإنما منتدبين لمدة معينة، وهو ما يستوجب إلغاء معاشاتهم. وبغض النظر عن مدى صواب هذه الدعوة، خاصة أن مناهضيها يعتبرون أن من حق البرلماني أن يتقاضى هذا التقاعد ما دام يقتطع له من تعويضاته شهريا ما يفوق 3000 درهم، فإن السؤال الذي يظل مطروحا إلى أي حد استطاع نشاط المجتمع المدني سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب السياسية والنقابات، خاصة مع استعمال مواقع التواصل الاجتماعي من «فايسبوك» و»تويتر» وغيرها؟ ولعل المتتبع لهذه المواقع يرى كيف أن تصريح الوزيرة أجج مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع إلى شن حملة ضد معاشات الوزراء والبرلمانيين، وهو ما كشف أن «التطور التكنولوجي أصبح يشكل سلطة جديدة مضادة لها تأثير كبير على مجموعة من القرارات التي لم تعد تسمع داخل قبة البرلمان، بل أصبحت تنشر على هذه المواقع، ويحسب لها الحساب لدى السياسيين وداخل المربع القراري بفضل الوسائل الجديدة التي أضحت تمثل شكلا من أشكال التعبئة وترفع عددا من المطالب»، وفق ما أكده عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، والذي يعتبر أن «تصريح «جوج فرنك» كان له تأثير كبير، دفع نشطاء المجتمع المدني إلى جمع توقيعات وصلت إلى حدود 40 ألف توقيع سيتم توجيهها إلى الديوان الملكي، وهو ما يعني أن ردود الفعل التي وقعت على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي أدت حتما إلى حدوث ضغط على النسق السياسي عبر التكنولوجيا التي أصبحت أكثر فعالية، مقابل فشل التواصل المؤسساتي». ومع بروز نمط التشاركية عبر جمعيات المجتمع المدني الذي أصبحت له قنوات أخرى غير القنوات المتعارف عليها من برلمان وأحزاب المعارضة التي كانت تحرك الشارع ولم تعد كذلك، وفق رأي أستاذ العلوم السياسية، الذي أشار، في تصريح ل»المساء»، إلى أن البرلمان أصبح صامتا لأن أحزاب المعارضة التي كانت في السابق تؤثر في عدد من القرارات أصبحت جزءا من الدولة. وإلى جانب الصفحات الفايسبوكية، فإن هناك جمعيات وهيئات دخلت على الخط وأصبح تقاعد أعضاء الحكومة والبرلمان موضوعا على جدول أعمالها، ومنها منظمة فضاء المواطنة والتضامن، التي أصدرت بلاغا تؤكد فيه رفضها لمقاربة ملف التقاعد عبر تصنيف المغاربة إلى فئات مستهدفة بتأدية تكاليف أخطاء غيرها، وفئات أخرى محظوظة وتتمتع بحصانة الميز والاستثناء، مستحضرة الفصل 40 من الباب الثاني للدستور: «على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد». ودعت المنظمة المذكورة إلى سحب ما يسمى ب «معاشات المهام الانتدابية المحددة في الزمن» لأعضاء الحكومة والبرلمان، ومن على شاكلتهم، كتعبير تضامني، محيلين على الفصل 39 من الدستور الذي ينص على أنه «على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور». وبهذا تكون جمعيات المجتمع المدني قد أصبحت تنشط في نقل مطالبها إلى الحكومة وتعتمد على عدد من الصيغ من أجل مقاومة ما تراه غير مناسب وتتصدى لكل الثغرات والممارسات السائدة، والتي تعتبرها «ريعا سياسيا» من قبيل تقاعد الوزراء والبرلمانيين وغيرها من المطالب. ويرى أحزرير أن «هناك أزمة بنيوية وهيكلية داخل الفضاء السياسي جعلت الرأي العام لم يعد يثق في أحزاب المعارضة التي منحت لها العديد من الصلاحيات الكبيرة إثر الدستور الجديد، ورغم ذلك لم تستطيع أن تستجيب لمطالب الشارع الذي لم يعد يثق فيها، وهو ما أدى إلى تشكيل قوى أخرى مضادة لهذه المؤسسات والتي أصبحت لها مطالب ذاتية تبلغها عن طريق» الفايسبوك» و»تويتر»، بعيدا عن الوسائل التقليدية المتمثلة في الأحزاب والنقابات، يضيف أستاذ العلوم السياسية، الذي أكد أن هذا يدل على كون نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وجمعيات المجتمع المدني سحبوا البساط من تحت أقدام الهيئات التقليدية التي كانت تقوم فيما مضى بهذا الدور». يحياوي: نحن بصدد تحول اجتماعي قيمي اقتضاه استئناس المغاربة بالممنوع قال إن السياسي سيجد نفسه أمام محك مجاراة إرادة «شعب الفيسبوك» دون قدرته على التحكم فيها اعتبر مصطفى يحياوي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، أن تنامي تعاطي شرائح كبيرة من المجتمع المغربي للحياة السياسية عبر «الفيسبوك» هو تمظهر طبيعي من تمظهرات تعاظم وعي المواطنات والمواطنين بحقهم في المشاركة في الشأن العام، وبحثهم الحثيث عن مسالك للتعبير التلقائي عن مواقفهم من النقاش العمومي حول قضايا مختلفة. – كشفت الحملة ضد معاشات البرلمانيين والوزراء عن دور متعاظم لمغاربة «الفيسبوك» في الحياة السياسية. هل يمكن القول بأننا بصدد تحول جديد في الساحة السياسية، من خلال تكسير المغاربة للمزيد من حواجز الخوف والتعتيم، وامتلاك حرية التعبير؟ هذا السؤال لا يحتمل الإجابة بالإيجاب أو النفي، بقدر ما يحتمل الإجابة باعتماد تحليل نسقي للسياق التاريخي للتغيير الاجتماعي، الذي شهده المغرب خلال العشرين سنة الأخيرة، حيث عرف «الوعي بالحق في المواطنة»، كما يسميه الأستاذ عبد الله العروي، تطورا انسيابيا غير مسبوق أدى، في مرحلة الحراك الديمقراطي المعروف –دوليا- بثورات الربيع العربي، واختزالا في المغرب بحركة 20 فبراير، إلى بروز دينامية اجتماعية بأبعاد سياسية تتجاوز السقف المتفاوض عليه –عادة- في مختلف مسارات التوافقات المعلنة وغير المعلنة بين الدولة – كمؤسسات مالكة لسلطة القهر المشرعن- وبين الأحزاب والنقابات باعتبارها مؤسسات الوساطة التي تقوم بوظائف التمثيل المؤسساتي للمجتمع، والتأطير السياسي والاجتماعي للمواطنات والمواطنين، والدفاع عن حرياتهم وحقوقهم، ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، بشكل يؤمن التعبير عن إرادة «الأمة» في تدبير الشأن العام. الحاصل في هذا التحليل، أن المشاركة المواطنة عرفت حركية تسير باتجاهين متناقضين: فبينما تتراجع المشاركة السياسية التقليدية، تتزايد المشاركة المدنية خارج الإطارات التقليدية للمشاركة السياسية عبر خلق أشكال «بديلة» تصرف عبرها مواقف وتعبيرات غير مؤدلجة وغير مؤطرة بشكل فوقي صارم. وقد ساعدت هذه الإطارات الجديدة التقاء أشخاص من فئات اجتماعية مختلفة ومشارب ثقافية وسياسية متنوعة حول قضايا ومطالب عملية ذات ارتباط مباشر بالواقع اليومي للمواطن العادي، وأضحى الأهم عند هؤلاء هو تعبئة وسائل تواصلية ومعرفية «ذات صدى واسع» تسمح بالتنديد و»الثورة الرمزية» ضد مظاهر الإهانة والظلم والتفقير. وليس من قبيل الصدفة أن تمثل الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الفضاءات البديلة للفضاء العام المادي تتشكل فيها هذه الإطارات، وتنشط بشكل تصبح معه هذه المواقع «مسرح المحكور المضطهد» الذي ينفلت من خلاله تعبيره الاحتجاجي من رقابة السلطة وأدوات تأطيرها القمعي للمجتمع. كلها أمور تؤكد أننا أمام حيوية مجتمعية مهمة تتعاطى بطريقة لا يمكن الاستهانة بها مع قضايا الشأن العام ومساءلة السياسات العمومية، ويتطور معها –تدريجيا- فعل اجتماعي نقدي يحرص على تعميم الطابع الفعلي للحرية والمواطنة. نحن أمام «إلحاحية مجتمعية» على بلوغ الحق في المشاركة المواطنة، لا يهم فيه التقيد بالأشكال ولا بالمساطر الواجب اعتمادها في ممارسة هذا الحق، ما دام أن الأهم والمفيد هو إيصال «صوت الشعب» والتعبير عن تذمره، وعدم رضاه عن الفعل العمومي أو على قرار للدولة أو سلوك لشخصية عمومية تمثل هذه السلطة. ومن هذه الزاوية يمكن أن نفسر هذا الانجذاب الشعبي نحو مواقع التواصل الاجتماعي، والحركات الاحتجاجية التلقائية، والإطارات الجمعوية المحلية البعيدة عن الأساليب التنظيمية المعيارية التي عادة ما تستوجبها التنظيمات الحزبية والنقابية لضبط سلوك منخرطيها، وتعاطيهم مع قضايا الشأن العام والدفاع عن حقوقهم والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. – هل يمكن القول بأننا اليوم أمام فاعل جديد يمارس الضغط والتأثير بوظائفه على الحكومات والمؤسسات البرلمانية والتشريعية، من خلال نقل ما يتم تداوله افتراضيا إلى المؤسسات الرسمية؟ إجمالا، يمكن القول إننا بصدد تحول اجتماعي قيمي اقتضاه الوعي المتزايد بالحق في المواطنة واستئناس المغاربة بالممنوع، يؤدي مع تطور مسار الانتقال نحو الديمقراطية بالمغرب إلى حتمية وجوب إعادة النظر في طريقة التعبئة الاجتماعية حول مبتغيات الإصلاح المؤسساتي لبنيات الدولة، وتحصين العيش المشترك، واستقرار المجتمع، وآليات تثبيت دولة الحق والقانون، وتمكين عموم المواطنات والمواطنين بأسباب الثقة في جدوى المؤسسات، وقيمتها الاعتبارية وسط مجتمع ينزع بإيقاع مرتفع نحو التشكيك في قيمة هذه الإصلاحات، وجدية الدولة في تعاطيها مع قيم العدالة الاجتماعية، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وغيرها من المبادئ التي كرسها دستور 2011. لقد أصبحت هذه القيم تطبعا اجتماعيا، لم تعد معه الوجاهة الاجتماعية للأحزاب أو النقابات أو حتى المؤسسات الدستورية (البرلمان والحكومة…) والشخصيات العمومية، تقدر بالقهر المشرعن، بل بالمردودية الاجتماعية للقرارات المتخذة، والقدرة على تجنب كل ما من شأنه أن يستفز المواطن العادي، ويستنهض لديه خصلة الشجاعة، ويولد لديه الشعور بالغبن أو الغضب من عدم اكتراث «ولي الأمر» بضعف حاجته. وهنا يكون اللجوء إلى التعبير عن التمرد –تلقائيا- عبر الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا يحتاج فيه إلى التنبه لضرورة التوضيب المسطري، أو انتظار قيام مؤسسات الوساطة التقليدية (الأحزاب والنقابات) بدورها في الدفاع على حقه في مساءلة السياسات العمومية. ولعل في الطريقة التي تمت بها صياغة العريضة الإلكترونية حول المطالبة بإلغاء معاشات البرلمانيين والوزراء ما يبرهن على صحة هذا المعطى، فبينما نجد مشروعي قانوني العرائض والملتمسات، التي هي في طور الإحالة على المناقشة البرلمانية، يقتضيان مساطر مضبوطة تشترط توفر عدد معين لإيداع العريضة أو الملتمس، وعلى موصفات معينة في تحديد أصحابها والمؤيدين لها، وقيود تنظيمية خاصة حول الجهة الموجه لها تلك العريضة وكيفية دراستها والبت فيها وغيرها من الأمور المسطرية، سنجد أن صاحبة هذه العريضة الإلكترونية قد سلكت مسلك ويب سهل الاستعمال يمكن من صياغة العريضة وتعميمها وتوقيعها في زمن قياسي دون أي شكليات مسطرية دقيقة، الشيء الذي مكن صاحبة هذه العريضة من جمع 50 ألف توقيع خلال عشرة أيام فقط، وهذه الرقم مرشح للارتفاع، حيث يسجل تقدما يعادل 3,5 آلاف توقيع جديد خلال الأربعة أيام الأخيرة. إذن الذي يجعل «شعب الفيسبوك»، خاصة الشباب، يتعاطون لهذه المواقع الالكترونية للتعبير عن شعورهم بعدم الرضا عن الفعل العمومي، هو خصائص هذه التقنيات ومردوديتها العالية في التأثير الاجتماعي، حيث توفر يسرا في التواصل، وحرية أكثر في التعبير، وسرعة أمثل في تعميم الخبر، وفرصة أوفر في مباركة المبادرات النقدية-الاحتجاجية لكل ما يمثل «جورا أو ظلما اجتماعيا للسلطة أو تجاوزا للائق –أخلاقيا-»، وحشد المساندة والتضامن مع المعلنين عنها. وهو ما يشكل بالفعل قوة ضغط ذات مشروعية «شعبية» تؤثر لا محالة في قرار الدولة، وتصبح بذلك أكثر إثارة واستعارة للانتباه والإثارة من أشكال التنديد والشجب السياسية التقليدية التي تلجأ إليها الأحزاب والنقابات لإسماع صوتها للدولة. إن الذي يجعل لهذه التجمعات الافتراضية أثرا على الفاعل العمومي هو كونها تتوفر على جميع مقومات الحركة الاجتماعية بمعناها السوسيولوجي، أي حدوث تجمع للأفراد، ووجود فكرة أو مطلبية اجتماعية يستجمع حولها الأفراد، ثم توفر فاعل صاحب الفكرة مبادر وقادر على توفير الحد الأدنى من تنظيم وتعبئة الأفراد المنخرطين في التجمع. – بماذا تفسر تنامي دور ما يطلق عليه البعض ب»حزب الفيس بوك المغربي» في الحياة السياسية؟ انطلاقا مما سبق بسطه، وأخذا بالاعتبار تنوع الحالات والمواقف ودرجة تأثيرها في الحياة العامة، سيكون من الصعب الحكم بالسلب أو الإيجاب على تنامي دور هذا الشكل الجديد في «الحشد الشعبي» والتعبئة الاجتماعية ومآله في ظل اعتماده على العفوية وشيوع منطق الانطباع المشترك اللحظي في تتبع قضايا الشأن العام. فمن جهة، نلاحظ أن هناك تزايدا في انصهار نشطاء النيت في مجموعات حوارية تحت عناوين سياسية أو اجتماعية من صميم الواقع اليومي، ومن جهة ثانية نلاحظ أن مطلبيتهم ومرافعاتهم وشعاراتهم تكاد في كثير من الأحيان تفتقد للعقلانية، وتعتمد على الإشاعة؛ حتى يصبح المشترك بينها التعبير النفسي الذاتي عن حالة الغضب والنقم الاجتماعي على كل مظاهر الارتقاء أو الوجاهة المسنودة بشرعية ما كالشرعية الانتخابية التي يستند إليها البرلمانيون وأعضاء الحكومة المنتخبة. وهو ما يقلل، في آخر المطاف، من جدية مطالبها وواقعيتها، ويؤثر على مصداقيتها ومشروعيتها. هل بات بإمكان المغاربة خارج القنوات التقليدية ( أحزاب، برلمان…) المساهمة في صنع القرار أو التأثير فيه وفي صانعيه؟ إن تنامي تعاطي شرائح كبيرة من المجتمع المغربي للحياة السياسية عبر «الفيسبوك» هو تمظهر طبيعي من تمظهرات تعاظم وعي المواطنات والمواطنين بحقهم في المشاركة في الشأن العام، وبحثهم الحثيث على مسالك للتعبير التلقائي عن مواقفهم من النقاش العمومي حول قضايا مختلفة، كما حدث في قضية الكوبل الوزاري وقمع احتجاجات الأساتذة المتمرنين وقضية 22 ساعة من عمل الوزيرة و2 فرنك… وغيرها من القضايا التي تثير حساسية شعبية تؤدي إلى استدراج تدريجي لهؤلاء النشطين في «الفيسبوك» للتعبير عن رأيهم من تلك القضايا، فيتشكل رأي عام، وتتحول معه فكرة التغيير إلى محور نقاش يؤثر ويستأثر الانتباه. يحدث هذا، وقد بلغ المشهد الحزبي مرحلة من الوهن تجعله في اختبار محرج لدرجة نجاعته وسرعة نباهته في التقاط الرسالة والتفاعل المجدي مع إرادة هذا «الشعب الافتراضي». وهنا سيجد السياسي نفسه أمام محك مجاراة هذه الإرادة، أو الصمت تجاهها. وفي كل الأحوال لن يتمكن من التحكم أو الالتفاف على تلك الإرادة، لأنه لن يشبع رغبة أفراد هذا التجمع الافتراضي ما دام المزاج الاجتماعي الذي يحركها ينزع إلى النقد والاحتجاج، وما دامت أحوال المجتمع تدعو إلى القلق والتوتر. – إلى أي حد يمكن أن يسحب نشطاء «الفيس بوك» البساط من تحت أقدام الأحزاب والسياسيين المغاربة؟ لا أعتقد أنه سيكون من المقبول ولا بالمحمود في هذه اللحظة الحرجة من مسار التأهيل المؤسساتي للدولة وإصلاح بنياتها في أفق انتقال حقيقي نحو الديمقراطية، أن نبخس أو نضعف دور الوساطة السياسية والاجتماعية للأحزاب والنقابات في المجتمع، بل سيكون ذلك خطيرا على استقرار الدولة، علما أن المشهد الحزبي يعاني اليوم من أزمة بنيوية. لهذا كله، أعتقد أنه لا ينبغي التهويل بدور النشطاء في الفيسبوك في الحياة السياسية، والتحلي بالحذر في تقييم قدرته على إحداث التأثير الايجابي المرجو من أي حركة اجتماعية تنشد التغيير، وترنو توسيع هوامش الحرية والديمقراطية، وبلوغ العدالة الاجتماعية والإنصاف والدفاع عن الحقوق. فسيكون من العبث أن نعتبر هؤلاء بديلا للأحزاب، أو حتى تعويضا مؤقتا على فشلها في تحسين شروط العيش المشترك. إن حيوية المشاركة السياسية لهؤلاء النشطاء لا تزال في خانة ما يصنف عادة في الأبحاث السوسيولوجية بالحركات الاجتماعية والاحتجاجات السلمية التي لا تتحرك بمنطق الأحزاب السياسية، ولا يمكن ولن تسعى لتحل محل الأحزاب. فبالرغم من أنها تشكل تمظهرا من تمظهرات الدينامية المجتمعية التواقة للتغيير، إلا أنه لا يمكن موقعتها، في تحليل السيرورة التاريخية التي يمر بها ورش الانتقال نحو الديمقراطية في المغرب، باعتبارها شكلا نضاليا مستوفيا لشروط الاستمرارية والنظامية والكفاية المؤسساتية التي تسمح بتعويضه لنضالات فاعلين آخرين. ولهذا، وجب اعتبارها جزءا من دينامية تغيير أشمل تمكن من ابتكار أساليب ضغط جديدة قادرة على استحداث الأثر وتعبئة الرأي العام حول قضايا مخصوصة. فالأهم بالنسبة لهذه الفئة من نشطاء الفيسبوك ليست استدامة التعبئة الاجتماعية حول مشروع سياسي للتغيير، بل الاستثمار اللحظي الجيد لوسائل التواصل الإلكتروني المتاحة لإحداث وقع سياسي مخصوص بالإجابة عن قضية بمحتوى جزئي أقل كلفة مما يقتضيه المشروع السياسي المهيكل. وهنا تبرز محدودية عمل هذا النوع من الاشتغال على القضايا السياسية، فهو يحمل في طياته بذور تناقض لقوته وضعفه: فهو فعل مُعْدّ وسريع الانتشار، ولكنه كذلك متقطع ويندثر بسرعة وغير حامل لمشروع استراتيجي في التغيير.