بعد إعلانها الأسبوع الماضي عن الخطوط العريضة لاستراتيجية التطعيم ضد فيروس (كوفيد19)، التي تم إعدادها، دخلت السلطات الإسبانية في الأيام الأخيرة مدعومة بالأمل الذي بدأ يظهر بشأن قرب وصول اللقاحات وكذا بالمنحى التنازلي لعدد حالات الإصابة بالفيروس المسجلة في الأسابيع القليلة الماضية، في سباق ضد الساعة للحسم في الفئات والمجموعات التي ستحظى بالأولوية وضبط أجندة المراحل التي ستستغرقها هذه العملية، وما يرافقها من استعدادات لوجستية وتنظيمية وموارد بشرية ستتكفل بإنجاز هذه الحملة الوطنية. وتتوقع إسبانيا التي تعد من بين أكثر الدول الأوربية تضررا بتفشي وباء كورنا المستجد (أزيد من مليون 648 ألف حالة إصابة مؤكدة وأكثر من 45 ألف حالة وفاة منذ بدء تفشي الوباء في البلاد)، أن تصل حملتها الخاصة بالتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد إلى جميع السكان (حوالي 47 مليون نسمة)، وذلك عبر ثلاث مراحل بدءا من يناير المقبل.
وتم تقسيم هذه الخطة الوطنية للتلقيح إلى ثلاث مراحل بهدف تلقيح جزء كبير من السكان خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021، حيث سيكون هناك إمداد أولي محدود للغاية من جرعات اللقاح في المرحلة الأولى التي تمتد على ثلاثة أشهر الأولى من السنة المقبلة (يناير وفبراير ثم مارس)، لتتم في المرحلة الثانية (ما بين شهري مارس ويونيو) زيادة تدريجية في عدد اللقاحات المتوفرة، ما سيمكن من الرفع من عدد الأشخاص الذين تستهدفهم هذه الحملة، بينما ستبدأ المرحلة الثالثة مع توفر المزيد من جرعات اللقاحات لتشمل جميع الفئات.
وفي انتظار موافقة وكالة الأدوية على اللقاحات، خصصت إسبانيا للاستراتيجية التي اعتمدتها 140 مليون جرعة من اللقاح، وهو ما يعني 80 مليون لقاح للمراحل الأولى والثانية من عملية التلقيح في انتظار تحديد وترتيب المجموعات المتبقية وإدماجها في المرحلتين الثانية أو الثالثة، أي من مارس حتى يونيو أو خلال فترة الصيف مع توفر اللقاحات.
وبعد الجدل الذي أثير حول الفئات التي ستحظى بالأولوية في عملية التلقيح، وكذا المعايير التي تم اعتمادها في هذا الاختيار، حسمت السلطات الصحية هذا الأمر بإعلانها الجمعة الماضي أن الفئة التي ستحظى بالأولوية هي فئة المسنين الذين يقيمون في دور ومراكز الرعاية الاجتماعية باعتبارهم الأكثر تضررا بفيروس (كوفيد19)، وكذا من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتأتي بعدهم الأطر المكلفة بالرعاية في هذه المراكز.
وكانت دور رعاية المسنين قد سجلت خلال الموجة الأولى من تفشي وباء (كوفيد19) في فصل الربيع الماضي عددا كبيرا من حالات الوفيات بسبب الإصابة بالفيروس، حيث كشفت بيانات صادرة عن مجموعة عمل مشتركة بين الحكومة والجهات المستقلة نشرتها وسائل الإعلام المحلية، أن أكثر من 20 ألف شخص من المسنين وكذا من ذوي الاحتياجات الخاصة، قد لقوا حتفهم جراء الوباء خلال الفترة ما بين مارس ويونيو الماضيين.
وبذلك، جاء هذا الاختيار المبدئي لهذه الفئات لتستفيد أولا من عملية التلقيح، كما أكد على ذلك سلفادور إيلا وزير الصحة الإسباني في ندوة صحفية حين قال إن "المرحلة الأولى لهذه الحملة ستركز على الأفراد الأكثر ضعفا وهشاشة وسيكون اللقاح مجانيا وطوعيا وسيقدم عبر المنظومة الصحية الوطنية".
وأضاف إيلا أن الأولوية "ستعطي خلال المرحلة الأولى من هذه الحملة الوطنية للتطعيم التي تبدأ في يناير وتستمر إلى غاية مارس للمسنين المقيمين في دور الرعاية ولذوي الاحتياجات الخاصة، وكذا للمكلفين برعاية هذه الفئات والعاملين في القطاع الصحي وفي الرعاية الاجتماعية وكبار السن الذين يتم التكفل بهم، وهو ما يقدر في المجموع ب 5ر2 مليون شخص".
أما المجموعات الأخرى التي تم تحديدها في 15 فئة، فتضم الأشخاص الذين يشتغلون في ظروف محفوفة بالمخاطر وأولئك الذين يعيشون أو يعملون في مناطق أو بيئات مغلقة بالإضافة إلى الفئات التي تعاني من الهشاشة اقتصاديا، إلى جانب العمال الأساسيين في العديد من القطاعات ورجال التربية والتعليم وكل الأطفال وحتى الشباب ما فوق 16 سنة، والسكان في المناطق الأكثر عرضة للمخاطر أو التي تشهد تفشيا كبيرا للإصابة والنساء الحوامل والمرضعات وكل فئات المجتمع.
وتسعى السلطات الإسبانية إلى الاستفادة من الزخم الذي خلفته الأخبار المتواترة حول قرب وصول اللقاحات، وكذا المؤشرات الإيجابية المسجلة على مستوى انخفاض منحى انتشار العدوى في الأيام الأخيرة بعد أسابيع صعبة، إلى طمأنة المواطنين بأن الضوء قد بدأ يظهر في آخر النفق بعد شهور طويلة من المعاناة والقلق.
وهو ما عبر عنه بيدرو سانشيز رئيس الحكومة حين أكد أن إسبانيا قد دخلت مرحلة بداية نهاية وباء (كوفيد19)، وذلك بفضل البيانات الإيجابية والمشجعة التي نشرت في الأسابيع الأخيرة حول اللقاحات التي تم تطويرها ضد فيروس (كوفيد19)، وكذا استراتيجية التطعيم التي تم إعدادها لمواجهة تفشي هذه الجائحة.
وشدد سانشيز الجمعة الماضي خلال زيارة لأحد المختبرات بمدريد الذي تم إعداده لتصنيع اللقاح الذي طورته شركة (موديرنا) الأمريكية، على أن الوصول القادم للقاحات ضد فيروس كورونا المستجد سيكون "بداية نهاية" الأزمة التي سببها الوباء، مشيرا إلى أن العالم يعيش مرحلة جد معقدة جراء الوضع الوبائي المتردي "لكننا بدأنا بالفعل في رؤية الضوء في نهاية النفق، ونحن بالفعل في بداية نهاية هذا الوباء بفضل اللقاحات المستقبلية واستراتيجية التطعيم".
لكن ورغم ذلك، تصر السلطات الصحية على الدعوة إلى توخي الحيطة والحذر وعدم التراخي والالتزام بالتدابير الاحترازية المشددة، خاصة مع اقتراب احتفالات أعياد الميلاد، حيث تكثر التجمعات العائلية والحفلات والسهرات، وهو ما يثير القلق والمخاوف من معاودة تمدد رقعة انتشار الوباء.