تكثر الهفوات اللسانية لدى الزعماء السياسية، لكنها عند أبناء العدالة والتنمية تعرف كثافة ملحوظة، خصوصا وأنهم كثيرو الكلام "ومن كثر كلامه كثر سقطه" كما جاء في الأثر. قالت العرب قديما "زلّة القدم أسلم من زلّة اللسان". سعد الدين العثماني بدل أن يقول "المرأة القروية" نطق بتعبير جنسي غير مقبول في العربية التي يتحدثها المغاربة، ويعتبر من "قلة الحياء"، ومن الصدف أن يترأس القائل حكومة "قليلة الحياء" تصور الفشل نجاحا وزيادة 200 درهم في أجر الموظف البسيط تقليصا للفوارق وتهدد بالتسقيف لكنها ترفع السقف عاليا في الزيادات.
تعرض باحثون من مختلف الجنسيات لمفهوم زلة اللسان وربطوها بخلفيات نفسية كامنة، وحاولوا الإجابة عن سؤال يتعلق بالسبب الذي يقف وراء زلات اللسان. ما الذي جعل العثماني يتفوه بتلك العبارة المسيئة للمرأة القروية؟ هل يحقد على "القروية" باعتبار أصوله؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يعشش في عمق دماغه حول المرأة القروية؟
زلات اللسان في علم النفس قد تكون مكتوبة أو ملفوظة أو حتى عن طريق الإيماءات، وهناك حركات كثيرة يقوم بها الإنسان توحي بتعابير غير لائقة حتى لو لم يتكلم. لكن أحيانا يستعمل البعض تعابير تخضع للتأويل السريع مثل عبارة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعزول، الذي خاطب برلمانية من المعارضة قائلا "ديالي كبر من ديالك"، وهي عبارة كما يقول البلاغي محمد العمري في رده على الزعيم الإسلامي، لا تفيد غير العضو الذكري إن لم تأت مضافة، كأن تقول "الدار ديالي كبر من ديالك".
لما تكون العبارة قابلة للتأويل قد تخرج عن دائرة "زلة اللسان" إلى الفعل المقصود الذي يهدف إلى تحريف قصد الكلام عن حقيقته والانزياح به نحو فهم قدحي يليق ب"الشماكرية" ولا يليق برجل الدولة والمثقف والزعيم والطبيب النفساني والداعية إلى الله. يذكرنا هذا الفعل ببعض كبار السن الذين يرتاحون في "تخسار الهدرة". أي أن زلة اللسان قد تكون إما ناتجة عن كبت كامن ونائم في الخلفية الدماغية أو تكون ناتجة عن التعود إذا تجاوزنا فرويد واستعنا بأدلر.
إذا كانت عبارة العثماني مجرد زلة لسان فإن علماء النفس يفسرونها بأنها فعل ناتج عن الإرهاق والقيام بالشيء بشكل سريع دون وجود الوقت الكافي للتفكير، أو تحت الضغط النفسي أو اختبار لمشاعره. وتم القيام بتجربة خطيرة، تتعلق بوصل أصابع مجموعة من الأشخاص بالكهرباء وكان جنبهم أشخاص آخرون عاديين، فتبين أن الموصولين بالكهرباء أكثر عرضة لهفوات اللسان. ما الذي أزعج العثماني أو خاف منه حتى جعله يتلفظ بمقولة لا تليق بالمراهقين ناهيك عن رئيس الحكومة في عقده السابع.
ويربط آخرون زلات اللسان بالرغبة المكبوتة في حكي النكت الجنسية و"تخسار الهدرة"، التي يلجأ إليها بعض الناس، لأن موقعهم الاجتماعي لم يسمح لهم في يوم من الأيام بممارستها، وربما هذا حال العثماني الذي انتمى للحركة الإسلامية في سن المراهقة، أي مازالت مراهقته نائمة في ثنايا نفسه وقد تستيقظ في أية لحظة، وهذا حال كثير من الإسلاميين الذين استيقظت مراهقتهم بتبديل الزوجات بعشيقات يعرفن فن العيش.
يؤكد علماء النفس ألا شيء يحدث مصادفة من دون أسباب دفينة، ولهذا أصدر فرويد كتابة سيكولوجية الحياة اليومية، ولهذا يكره الإسلاميون عالم النفس النمساوي لأنه يفضحهم رغم رحيله منذ زمن بعيد، وهكذا فهفوات اللسان لديه ليست بريئة ولا تحدث بشكل عرضي كما يعتقد البعض، بل تعكس رغبات حقيقية وأمنيات مدفونة في العقل الباطني وشبه زلة اللسان بمرآة النفس التي تعكس الأفكار والدوافع الموجودة في اللاوعي.