زلة أخرى وقع فيها عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية حين خص جريدة الشروق الجزائرية بحوار غير محسوب استغلته المخابرات الجزائرية لشن حرب جديدة على المغرب، لينضاف إلى التصريح الذي سبق أن قدمه لإذاعة إسرائيلية من دافوس حيث كان يشارك في المنتدى العالمي حول الإقتصاد، وكذلك الحوار الذي خص به قناة الجزيرية، كأول قناة عربية، بنكيران استغل حواره مع الشروق ليقدم الدروس لبلد نحن معه في صراع دائم بسبب مشكل الصحراء، وهي من قبيل الدروس التي نحن في غنى عنها خصوصا في هذه الظرفية بالذات، حيث العلاقات بين البلدين تمر بعمليات شد الحبل، وكان الأولى أن يتقي بنكيران شر مثل هذه الخرجات التي لا طائل من ورائها غير وجه الراس، لكن عذر رئيس الحكومة أنه لا يعرف وكان ضروريا تنبيهه، لأن مثل هذه الحوارات غالبا ما تكون لها حساسية خاصة، وتعطي عكس ما هو متوقع منها، خصوصا أن الأمر يتعلق برجل دولة عليه أن يحسب ألف حساب لكل كلمة ينطق بها.
لقد استغلت المخابرات الجزائرية الحوار أسوأ استغلال ووجهت من خلاله الرسائل الواضحة والمشفرة إلى المغرب، وقالت بما لا يدع مجالا للشك، إن الجزائر غير مستعدة لفتح الحدود وإنهاء مشكل الصحراء، وأنها لا تريد إنهاء خلافاتها مع المغرب.
من الآن فصاعدا على بنكيران أن يعرف أنه يمثل الدولة المغربية وليس حزب العدالة والتنمية أو حركة التوحيد والإصلاح، ولما نوجه له النصيحة فليس ذلك من باب الأستاذية ولكن من باب كوننا مغاربة ونعتبر بنكيران مسؤولا عن المواقف التي تصدر عنه باعتبارها مواقف تمثل المغاربة وليس أبناء حزبه ورعيته داخل العدالة والتنمية.
في حواره قال بنكيران إن الوقت قد حان للإسلاميين حتى يفوزوا في الانتخابات التشريعية في الجزائر، على اعتبار أن التجربة كانت ناجحة في كل الدول التي عرفت صعود الإسلاميين، وهو معطى كان يجب التحري فيه بدقة، لأن التجربة في بدايتها، وطبيعي أن تصدر مواقف معادية إزاء تصريح من هذا القبيل، وقديما قال المغاربة "الشهر اللي ما نشد كراه ما نشد حسابو" .
التعليقات التي فاقت المنتظر، أكدت كلها على أن رغبة بنكيران في فوز إسلاميي الجزائر في الانتخابات المقررة في ماي المقبل، ليس حبا فيهم، وإنما من أجل أن يتخذوا موقفا إيجابيا إزاء قضية الصحراء المغربية، وكذلك قضية فتح الحدود بين البلدين الجارين، قبل أن يطالب أصحاب التعليقات من بنكيران بحل مشاكل المغرب الداخلية قبل الحديث عن الشؤون الداخلية للجزائر، وذهبت التعليقات إلى حد مطالبة بنكيران بتحرير سبتة ومليلية، وإطفاء نار الغضب في بني بوعياش.
لقد نسي بنكيران أن مثل هذه التصريحات تعتبر تدخلا في شؤون بلد آخر، وليس أي بلد لدينا معه تاريخ مرير من الصراع، ويقف على الطرف النقيض منا، ومستعد في أي لحظة لإعلان الحرب على المغرب ولو من طرف واحد، وهو الأمر الذي كان على بنكيران حسابه جيدا حتى لا يقع في مزيد من الزلات. خصوصا أنه أعطى لنفسه الحق في تحديد ما هو مفيد لشعب الجزائر فيما يشبه دعاية مجانية لأحزاب سياسية يشترك معها في المرجعية وحملة انتخابية بالوكالة هو في غنى عنها.