شعب بريس- ومع فقدت الساحة التشكيلية المغربية برحيل الفنان محمد نبيلي٬ يوم الأحد٬ اسما اكتسى قيمة رفيعة في محافل الفن التشكيلي الوطني والدولي٬ وعلما بارزا جمع بين الإبداع المجدد والالتزام الإنساني الراسخ.
ويصح أن تستعاد ذكرى الفنان الراحل٬ ابن مدينة بن سليمان٬ التي ولد وعاد ليدفن بها٬ كسيرة فنان ولد في رحم المعاناة الاجتماعية٬ التي حولها بمثابرة فريدة إلى طاقة خلاقة للإبداع وإعادة تشكيل العالم وفق رؤى جمالية وإنسانية جديدة. هي أيضا سيرة وفاء للمغرب الذي غادره شابا وعاد إليه بموهبة ناضجة ومعرفة فنية راسخة ليساهم في تنشيط الساحة التشكيلية المغربية ونقل تجربته لأجيال من الأسماء الواعدة في هذا الميدان.
ويعد الفنان التشكيلي عبد اللطيف الزين الراحل ضمن الشريحة الطليعية للتشكيليين المغاربة الذين صنعوا فخر المغرب في المحافل الفنية الدولية.
يقول الزين في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء "أنا أضع محمد نبيلي في صف كبار الفن التشكيلي الوطني٬ من عيار الراحل الشرقاوي. لقد استطاع أن ينحت اسمه بأحرف بارزة رغم الظروف الصعبة التي واجهته٬ خصوصا في ترويج أعماله المميزة".
وأوضح عبد اللطيف الزين أنه كان وراء مطالبة الراحل بالعودة إلى المغرب والانضمام إلى صف التشكيليين المغاربة المناضلين من أجل النهوض بهذا الحقل الإبداعي وتنظيمه٬ حين كان يزاول التدريس بمدينة إكس أون بروفانس الفرنسية. وأضاف أنه أشرف على تنظيم أول معرض للراحل بالمغرب٬ لقي حينذاك إقبالا ملفتا من لدن الجمهور والمهتمين بالفن التشكيلي.
وفضلا عن موهبته المعترف بها وطنيا ودوليا٬ والتي كرستها مشاركاته المميزة في الملتقيات والمعارض الرفيعة٬ يشكل الالتزام الإنساني عنوانا كبيرا لتجربة الراحل نبيلي. فالفنان الذي ذاق مرارة اليتم مبكرا٬ لأبيه وأمه٬ ونشأ في ملجأ للأيتام قبل أن يتلمس طريقه نحو النجاح الدراسي ثم الفني٬ ظل شديد الإنصات لأوضاع الطفولة في بلاده٬ وفتح ورشته في وجه الأطفال٬ خصوصا في أوضاع صعبة٬ ليمنحهم فرصة التعرف على مواهبهم وصقلها٬ كما لو كان يمنحهم الفرصة التي كان في حاجة إليها حين كان في سنهم.
يذكر أن محمد نبيلي ولد ببنسليمان عام 1952. غادر المغرب إلى فرنسا سنة 1974٬ حيث تلقى تكوينا معمقا في الفنون التشكيلية. أقام سنتين في البيرو٬ وفترة بالمكسيك ثم الولاياتالمتحدة والدنمارك. في فرنسا٬ سيتولى التدريس بمدرسة الفنون الجميلة في إكس أون بروفانس ليقدم استقالته بعد أقل من عام قصد التفرغ لهوسه الحقيقي: الريشة واللوحة.
عاد إلى المغرب في التسعينات من القرن الماضي حيث ساهم في إغناء الحقل التشكيلي بأعمال تستوحي الطبيعة والرموز الثقافية٬ الأمازيغية بوجه خاص٬ قبل أن ينشئ عام 2005 مؤسسة للأطفال بمسقط رأسه. محمد نبيلي جعل الفن والالتزام مسميين مترادفين لتجربته المتميزة.