يعيش المغرب وضعا سياسيا متميزا وتحولا تاريخيا مهما وذلك بعد أن تبنى المغاربة دستورا جديدا يستجيب لتطلعاتهم بارتكازه على مقتضيات ديمقراطية ومضامين متعددة ومنحه صلاحيات كبيرة وموسعة للسلطتين التنفيذية والتشريعية وستسهر على تنزيل مضامينه حكومة نابعة من صناديق الاقتراع التي تعكس الإرادة الشعبية.
وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة عن فوز حزب العدالة والتنمية الذي، بفضل المنهجية الديمقراطية التي رسخها صاحب الجلالة، تم تكليف كاتبه العام، السيد عبد الاله بنكيران، بتشكيل الحكومة المقبلة التي ستنكب على صياغة برنامج حكومي منسجم يحدد الخطوط العامة للسياسة التي سينهجها الفريق الحكومي المقبل.
واستنادا إلى البرنامج الانتخابي للحزب الفائز إلى البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة وللحكومة، فإن الأمازيغية والمقتضيات المتعلقة بها والمنصوص عليها في دستور المملكة، ستكون من بين أولويات الحكومة، حيث سيتم ترجمة مقتضيات المادة الخامسة على أرض الواقع وذلك بسن سياسات عمومية تعطى للأمازيغية مكانتها وتعمل على تكريس المكتسبات التي تحققت خلال العشرية الأخيرة.
وفي هذا السياق، يعتبر إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مكسبا أساسيا ونقطة تغيير في مسار النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين، حيث أن هذه المؤسسة الوطنية خلقت تحولا عميقا في مجال تدبير التعددية والاختلاف في بلادنا وفتحت آفاقا واعدة لإدماج الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة خاصة في قطاعات التعليم والإعلام والثقافة.
ويمكن الجزم بأن العمل الذي قام به المعهد في هذه المجالات وميادين أخرى، جعل من الأمازيغية ورشا وطنيا يستلزم مساهمات وانخراطات الجميع في إطار بناء الدولة الديمقراطية المبنية على الحق والقانون والتي تجعل من الاختلاف والتعددية ركيزة لبناء مجتمع متماسك متنوع وموحد.
وترصد المحاور التالية الإنجازات التي تم تحقيقها وكذلك الأفق والانتظارات التي ستكرس إدماج الأمازيغية في السياسات العمومية الوطنية.
على مستوى التعليم
بتنسيق مع الوزارة الوصية وانطلاقا من مهامه وأهدافه المسطرة في الظهير الشريف المنظم والمحدث له، واستنادا إلى مقتضيات اتفاقية الشراكة التي تجمعه بالوزارة والموقعة سنة 2003 ، قام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بإنجاز أعمال مهمة وأساسية على مستويات متعددة الأهداف من وراء هذه العمليات وضع التصورات والمنهاج وكذا إنجاز الوسائل التربوية الخاصة بإدماج وإدراج اللغة الأمازيغية في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين.
وفي هذا المجال قام المعهد بإعداد الكتب المدرسية لتعليم اللغة الأمازيغية لجميع مستويات التعليم الابتدائي إضافة إلى إنجاز حوامل بيداغوجية متنوعة وإعداد مجزوءات التكوين الأساس والمستمر الخاصة بالأساتذة والمفتشين والمكونين، كما سهر كذلك على تكوين الأطر التربوية وساهم في إرساء مسالك الدراسات الأمازيغية ببعض الجامعات الوطنية. وعلى مستوى اللغة، قام المعهد بتنميط حرف تيفيناغ وشرع في تهيئة اللغة الأمازيغية الموحدة اعتمادا على منهجية علمية متدرجة ونشر معاجم عامة ومخصصة تسهل عليه التعليم والتكوين.
وإذ قام المعهد بهذه العمليات التي تندرج ضمن مهامه واختصاصاته لترسيخ تدريس اللغة الأمازيغية، فقد واجه مسلسل تعميم تدريس الأمازيغية إكراهات وتعثرات حيث أن الوزارة الوصية لم تتمكن من ترجمة التزاماتها كاملة على أرض الواقع. فرغم أنها أخذت على عاتقها مهمة تعميم الأمازيغية أفقيا وعموديا في سنة 2011-2012 ، لم تحقق إلا نسبة 15 %. وهو الرقم الذي يعكس عدد التلاميذ الذين شملهم تدريس الأمازيغية، من مجموع تلاميذ التعليم الابتدائي. أما عدد الأساتذة الذين تولوا تدريس الأمازيغية فلا يتجاوز خلال الموسم الدراسي لسنة 2009 /2010 ، نسبة 4 % من مجموع أساتذة التعليم الابتدائي ونفس النقص تشكو منه مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعات الوطنية.
على مستوى الإعلام
قام المعهد منذ إحداثه بصياغة تصورات حول الإعلام العمومي ومكانة الأمازيغية في هذا المجال. واعتبر المعهد أن الإعلام بصفة عامة دعامة من دعامات النهوض بفكر التنوع الثقافي واللغوي ببلادنا، وأداة قوية للإسهام في التربية على المواطنة وإبراز التعدد إلي يميز هويتنا الوطنية الموحدة. وعليه، فإن المعهد يؤمن بأن الإعلام العمومي سيساهم، في إطار السياسات الوطنية، في إبراز البعد الأمازيغي وتطويره والنهوض به وجعله ركيزة للتنمية البشرية المستدامة ووسيلة لدمقرطة المجتمع والدولة.
وانطلاقا من هذا المعطى، ساهم المعهد، إلى جانب الوزارة الوصية التي تربطه بها اتفاقية شراكة منذ سنة 2004 ، في بلورة تصورات مرتبطة بإدماج الأمازيغية في الإعلام العمومي الوطني. وقام بتنظيم عدة تظاهرات علمية ولقاءات وندوات وطنية الهدف من ورائها رصد حصيلة ووضعية الأمازيغية في الإعلام العمومي. وانبثقت من هذه الأنشطة توصيات حرص المعهد، إلى جانب شركائه، على ترجمتها على أرض الواقع، حيث قام بعدة مبادرات وموجهودات أدت إلى التنصيص على مقتضيات تهم الأمازيغية في دفاتر التحملات وبداية الإدماج والترسيخ التدريجيين للأمازيغية في الإعلام العمومي، كما ثم إحداث قناة أمازيغية تعد ثمرة للعمل المشترك بين المعهد وزارة الاتصال. وقد ساهم المعهد بمقترحات تخص شبكة البرامج ومدة البث وساهم في إعداد مجموعة من البرامج والريبورتاجات التي تنجزها القناة بصفة مستمرة . وقدم المعهد خبرته في مجال التكوين وأنجز عمليات تروم مساعدة وتأهيل العاملين في مجال الإعلام الوطني المهتم بالبعد الأمازيغي.
على مستوى الثقافة
في هذا المجال، أولى المعهد اهتماما كبيرا لعملية نقل الموروث الثقافي الأمازيغي من الشفاهية إلى الكتابة. وقام بجمع المتون الأدبية المتنوعة من خلال الأعمال التي يقوم بها باحثوه أو عبر التعاقد مع باحثين مختصين. وشكلت هذه المهمة التي تندرج ضمن اختصاصات المعهد، إحدى أولوياته بالنظر لما يتهدد هذا التراث من التلف والاندثار.
ومن أخرى، عمل المعهد على تشجيع المبدعين والعاملين في مختلف مجالات الكتابة والتأليف باللغة الأمازيغية بنشر أعمالهم والتعريف بها وأحدث جائزة الثقافة الأمازيغية لحث المبدعين على المزيد من العمل في مجالات الكتابة، والترجمة والإبداع المسرحي والسينمائي وكذا في مجالي التدريس والإعلام. إضافة إلى ذلك ساهم المعهد في دعم التظاهرات الثقافية المنظمة من طرف الجمعيات الثقافية العاملة في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين.
وبفضل دعمه وتشجيعه تمكنت هذه الإطارات الثقافية من إنجاز أعمال جليلة لفائدة الساكنة سواء في مجال التنمية أو في مجال التعريف والنهوض بمختلف الفنون الأمازيغية.
ويعد عمل المعهد مرجعا في ميدان التعريف والتحسيس بالتراث والثقافة الأمازيغيتين وإثارة الانتباه لوضعيته، وعمله كذلك على أن تنال الدعم للعناية به وصيانته.
ورغم المجهودات التي قام بها المعهد في هذه الميادين من أجل إعادة الاعتبار للمكون الأمازيغي وإدماج الأمازيغية في مجموعة من القطاعات، فإن ترسيخ الأمازيغية كبعد أساسي في الهوية الوطنية وإدماجها الفعلي في السياسات العمومية، يتطلب مجموعة من الإجراءات نرصدها التالي:
الانتظارات
من أجل ترسيخ وتطوير إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وإعطاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المكانة والوظيفة والإمكانيات الضرورية للعب دور ريادي داخل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، يجب الاستناد على المادة الخامسة من دستور المملكة لاتخاذ التدابير الضرورية في جميع المجالات.
ففي مجال التعليم، ينتظر من البرنامج الحكومي تطبيق التعميم الأفقي والعمودي لتدريس اللغة الأمازيغية وخلق مناصب الشغل لفائدة الأساتذة والمؤطرين، وتشجيع وتقوية مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعات وتوفير شروط التكوين الممنهن وتكثيف التكوينات الأساسية والمستمرة وخلق بنيات إدارية مركزية وجهوية ومحلية مكلفة بتدبير تدريس اللغة الأمازيغية.
وفي مجال الإعلام، ينتظر تقوية حضور الأمازيغية في الإعلام العمومي الوطني عبر صياغة دفاتر تحملات جديدة تستجيب للوضعية الحالية للأمازيغية كلغة رسمية وإنشاء قطب عمومي مكلف بالإشراف على القناة والإذاعة الأمازيغيتين. كما ينتظر كذلك تمديد مساحة البث وتنويع شبكة البرامج وتوسيع المساحة الزمنية المخصصة للأمازيغية في القناتين الأولى والثانية وإدماج الأمازيغية في قناة ميدي 1 تيفي.
كما ينتظر كذلك تشجيع الإنتاج بالأمازيغية في مجال الدراما والسينما وإبلاء أهمية لبرامج التعليم والإرشاد وكذا التعريف والتحسيس بالثقافة الأمازيغية بمختلف اللغات. ولتحقيق جودة البرامج يجب العمل على تأهيل الأطر العاملة بالإعلام الأمازيغي العمومي عبر التكوين الأساس والتكوين المستمر بالاستفادة من خبرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مختلف مجالات اختصاصه. في مجال الثقافة، ينتظر العمل على إبراز المكون الثقافي الأمازيغي في السياسات العمومية سواء من خلال الحفاظ على الهوية الوطنية بصيانة المظاهر الثقافية المادية كالمآثر التاريخية والمواقع الأثرية وتشجيع البحث الأثري وإحداث متاحف جهوية تستوعب اللّقى الأثرية والمهارات اليدوية ونماذج من التراث الغير المادي. ولضمان النهوض بالثقافة الأمازيغية يجب العمل على إدماج الحضارة والثقافة المغربيتين ضمن برامج التعليم العالي واتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة تهريب المنتوجات الفنية والأثرية وإدماج المكون الأمازيغي في التظاهرات الفكرية والثقافية والفنية المنظمة من طرف الوزارة الوصية ودعم تظاهرات وأنشطة الجمعيات العاملة في مجال النهوض بالثقافة الأمازيغية. إن الانتظارات المتعلقة بتعزيز وترسيخ مكانة الأمازيغية في مجالات الحياة العامة وفي السياسات العمومية تعتبر امتدادا وتطويرا لعمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتعتبر كذلك استجابة لتطلعات المواطنين لمصالحتهم مع هويتهم وحضارتهم وتاريخهم وثقافتهم في إطار إرساء الركائز الأساسية لدولة الحق والقانون التي أرسى دعائمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. انجاز قسم التواصل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية