للأسف رغم أن دستور 2011 نص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، في الفصل الأول منه، فإن حكومة ما بعد هذا الدستور، لم تساير حمولة التعاقد الدستوري التي جاء بها، وهو ما يؤكد أن الأمر بات عندنا في المغرب مرتبط بأزمة نفوس و ليست أزمة نصوص، فبالرغم مما عرفته هذه الحكومة من الإعفاءات سواء ما تعلق منها من أمور فيها شبهة اختلاس أو أخلاق أو تقصير في أداء المهام، فإن القاسم المشترك في كل هذه ألإعفاءات أو الإقالات يكمن في عدم اعتراف أي واحد من الوزراء المقالين بالخطأ، كما أن أيا من أحزاب هؤلاء الوزراء المقالين لم يقم بالتحقيق معهم وفق أخلاقيات الحزب الداخلية !!؟. لقد أوضحت ، الإقالات الأخيرة التي تمت على خلفية ما حدث في الحسيمة و التي لم تخرج عن السمة القارة في التعاطي معها، توضح بالملموس، أننا ما زلنا بعيدون عن الوصول إلى هذه المستويات في الإعتراف بالمسؤولية، و تسمية الأمور بمسمياتها، لأن ثقافة الإقرار بالمسؤولية والاعتراف بالخطأ تظل غريبة عن الممارسة السياسية لدى النخب السياسية المغربية بكل درجاتها. ووفقا هنا يكفي الرجوع إلى البيانات الحزبية، خاصة حزب التقدم و الإشتراكية لتوضيح هذه المفارقة، حيث جاء بيان حزب "الكتاب" ضمن الإتجاه المعاكس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، و الذي كان يفترض من الحزب الذي يدعي التقدمية و الحداثة التحرر من ثقافة القبيلة الماضوية و"انصر أخاك" و المبادرة عوض ذلك بدعوة الأمين العام للحزب للاستقالة من الأمانة العامة و خلق شروط الممارسة السياسية المتعارف عليها ديمقراطيا، غير أن أي شيء من هذا القبيل لم يحدث وذهب الحزب في الاتجاه المخالف باستصداره لبلاغ غامض يقول الشيء و نقيضه. و إذ برع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران فقد برع في الهاء المخيال الشعبي، و برز كظاهرة في التنصل من المسئولية السياسية، فإنه رغم كل الأخطاء السياسية التي ارتكبها ما زلنا نراه يناور من أجل الولاية الثالثة، رغم أنه المسؤول السياسي الأول على اختلالات الحسيمة، عبر تبريراته التي هي أقرب إلى الحمق السياسي منها إلى الفعل السياسي القويم. ان ثقافة الإعتراف بالخطأ والإعتذار ليست بعيدة عن وعي القيادات الوزارية فحسب، بل هي غريبة أيضا حتى عن الممارسة الحزبية و المفترضة لقيادات الأحزاب السياسية، رغم صخبهم الإعلامي، و التشدق بضرورة المحاسبة، حتى يظل المتابع يعتقد بصدقية ونزاهة القيادات الحزبية الحكومية.
ولعل من الأسباب الرئيسية لاستمرار نفس المشاكل و والدوران في الحلقة المغلقة ترجع إلى ندرة ثقافة الإعتراف بالخطأ وضرورة تسليم المنصب لشخص يكون مؤهلا أكثر لشغل هذا المنصب، وكأن تقديم الاستقالة حرام في عرفنا حتى بعد التقصير في واجباتنا الوظيفية خاصة وأن ظاهرة تعليق أخطائنا على شماعة (الجهات الخارجية) حاضرة دائما في الخطاب السياسي والإعلامي لدى النخب السياسية الحاكمة، بل يصل الأمر أحيانا إلى أن يعتقد البعض إن تقديم المسؤول لاستقالته سيكون في صالح هذه (الجهات الخارجية) وتحقيقا لأهدافها من الناحية العملية، وهو ما يبرر ويستوجب في نظرهم استمرارهم في مناصبهم حتى ولو ثبت تقصيرهم من أجل سد الطريق على هذه (الجهات التي ليست سوى هلامية)!! ان لتفعيل ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة وإمكانية تقديم المسؤول لاستقالته بدل إقالته، يتطلب مثابرة جهود النخب المثقفة في المجتمع، ونشاط المجتمع المدني في الرقابة و فضح و تسجيل أي خرق أو اختلال، أو عند الكشف عن وجود أي تقصير في مؤسسة أو دائرة حكومية في أداء المهام الملقاة على عاتقها. *خبير وباحث في الشؤون الحزبية والبرلمانية