ربما كانت صيغة الإعفاء من المسؤولية، الصيغة الأنسب لجنب إحراج الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران ومعه حزب الحركة الشعبية. لقد كان الجميع ينتظر إقالة أوزين أو البحث عن «تخريجة» أخرى، بالنظر إلى حجم «الشوهة» التي طاردت المغرب في أكثر من 70 قناة تلفزيونية عالمية. والحال أن المغرب كان يعول كثيرا على إنجاح التظاهرة العالمية الوحيدة التي تحظى بقدر كبير من الاهتمام والمتابعة، وفوق ذلك، كان يبتغي توجيه رسائل قوية إلى عيسى حياتو، رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بعد الصراع المرير بين المغرب والكاف حول تأجيل كأس أمم إفريقيا، حيث وجه حياتو اتهامات مبطنة للمغرب بأنه يتخذ من انتشار وباء إيبولا ذريعة فقط من أجل تسويغ قرار التأجيل. الضجة الإعلامية التي رافقت ما أصبح يعرف بفضيحة «عشب ملعب مولاي عبد الله»، والهجوم غير المسبوق الذي تعرض له محمد أوزين على صفحات التواصل الاجتماعي، والسخرية اللاذعة التي واجهت بها قنوات عالمية فضيحة الملعب، جعلت «الشوهة» تتخذ أبعادا دولية، منها أن الصحافة الإسبانية والفرنسية وحتى الجزائرية سخرت من قدرة المغرب على تنظيم حدث عالمي بحجم كأس العالم للأندية. قبيل موعد المباراة النهائية، أمر الملك بتعليق أنشطة أوزين المرتبطة ب«الموندياليتو» وبإجراء تحقيق حول الميزانية المخصصة لإصلاح مركب الأمير مولاي عبد الله، قبل أن تسفر نتائج التحقيق، وفق بلاغ للديوان الملكي، عن تحمل أوزين للمسؤولية الإدارية والسياسية للفضيحة. الواضح أن تضرر صورة المغرب على المستوى الدولي كان السبب الرئيس وراء إعفاء أوزين من منصبه، والواضح أيضا أن كل الفضائح التي تورط فيها وزراء من داخل حكومة بنكيران لم تثر كل الزوبعة التي أثارتها فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، رغم أن أصداءها وصلت إلى حدود أقوى وسائل الإعلام الإيطالية، عندما صرح محمد مبديع، وزير تحديث الإدارة العمومية، أن كريمة المحروقي المعروفة ب«روبي» لم تكن قاصرا أثناء إثارة قضية سيلفيو برلسكوني. فضيحة مبديع لم تكن الوحيدة، حيث سبق لعبد العظيم الكروج أن تورط في فضيحة اقتناء الشوكولاطة بأثمنة خيالية، وقدم يومها حججا أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لن تصمد أمام أي محقق نزيه. لم يتحرك بنكيران، وبدا أنه يريد تحقيق أدنى قدر من التوازن داخل التحالف الحكومي، رغم مواقف بعض القياديين في حزبه المطالِبة بإجراء تحقيق في الموضوع، لأنه وضع سمعة الإسلاميين على المحك، لاسيما وأن شعارهم الانتخابي والسياسي ارتكز على محاربة الفساد. غير أن قضية التعويضات التي أثارها كل من صلاح الدين مزوار، وزير المالية السابق، ونور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، أثارت الكثير من الجدل وموجة عارمة من الغضب على صفحات التواصل الاجتماعي، بل إن قياديين من حزب العدالة والتنمية دعوا إلى محاسبة المسؤول عنها، لكن الذي حدث أن صاحب التسريب تمت محاكمته بتهمة إفشاء السر المهني، والأغرب في كل القصة أن مزوار أصبح وزيرا للخارجية، وبقدرة قادر تحول إلى حليف أول لبنكيران. هذا الموقف المتردد من قضية «فساد» كبيرة في عهد دستور نص على «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، فسح المجال أمام الكثير من التكهنات، أولها أن بنكيران لا يريد خوض صراع سياسي جديد مع إحدى مكونات الأغلبية الحكومية، وهو يعرف مسبقا أنه استنزف الكثير من قوته في صراعه مع عبد الحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، ويعرف أن قواعد الصراع مع حزب مثل الحركة الشعبية لا تخضع لمنطق البرنامج السياسي أو ميثاق الأغلبية، بل تتحكم فيها المصالح وتراكم طويل من قضايا الفساد. على العموم، يظهر أن قضية أوزين، ورغم أن الإعفاء شكل صفعة للمسؤولين عن تدبير الشأن العام، لم تأت في سياق التأسيس لثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، التي نص عليها الدستور الجديد للمملكة، بل في سياق المس بصورة المغرب على المستوى الدولي، ومع ذلك يمكن التأكيد أن الضغط الشعبي أصبح له دور كبير في محاسبة السياسيين. إعفاء الملك لأوزين، لاشك أنه سيبدد اطمئنان الوزراء والمسؤولين الكبار على مناصبهم رغم الفضائح التي يتورطون فيها، وهي إشارة ربما ستغير الكثير من المعطيات المتعلقة بتدبير الشأن العام، ومن قرأ بلاغات الديوان الملكي يفهم أمرين أساسيين: الأمر الأول: لم يعد أحد فوق القانون، إذ أقرت اللجنة التي حققت في فضيحة «عشب مركب الأمير مولاي عبد الله» بوجود اختلالات، وإن لم يفصل فيها بلاغ الديوان الملكي، فإنها ثابتة. الأمر الثاني: غالبية المحاكمات السابقة للمسؤولين الكبار لم تنته بشيء مفاجئ، حيث تدخل ردهات المحاكم ثم تنتهي بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يكن، أما القرار الملكي الأخير فأعطى الانطباع بأن المسؤولية لا تعفي أبدا من المحاسبة، وأن الإضرار بصورة المغرب يشكل خطا أحمر. الذي يريده الجميع الآن، أن يؤسس قرار الإعفاء لثقافة جديدة قد تحد من مسلسل طويل من استنزاف المال العام والإمعان في ممارسة الفساد، إلى درجة أن البعض أصبح موقنا أن أموال دافعي الضرائب وضعت تحت إمرته ويتصرف فيها كيفما يشاء. تأسيس هذه الثقافة سيقطع مع من كان يعتقد أن القانون يحمي الأذكياء فقط في هذه البلاد. هل تحولت «المسؤولية السياسية» إلى طوق نجاة للوزراء لتجنب المحاكمة الغلوسي: الإعفاء مهم لكنه غير كاف وسيتيح استنساخ الفضائح مع الإفلات من العقاب في سنة 1971 وجد عدد من الوزراء ورجال الأعمال وشخصيات من العالم المخملي أنفسهم في مواجهة محاكمة شهيرة بعد ورود أسمائهم في قضية ابتزاز كشفت عن جزء من الفساد المستشري في دواليب الإدارة وأجهزة الدولة. هذه المحاكمة تحولت الآن إلى جزء من التاريخ الذي اتضح أنه لن يعيد نفسه بالمغرب، وأن الأمر كان مجرد «فلتة» بعد أن تمخضت فضيحة العشب لتلد قرار «إعفاء» اعتبرته جمعيات الدفاع عن المال العام مهما لكنه «جزئي» و«غير كاف»، و»سيسمح باستنساخ فضائح أخرى ستجد في نهايتها نافذة صغيرة تتيح الإفلات من العقاب». أوزين الذي جرب الهروب إلى الأمام ونفى عنه أي مسؤولية ساعات بعد الفضيحة، أصبح الآن في نظر رئيس الحكومة شخصا شجاعا تحمل حسب قوله «المسؤولية السياسية» التي تحولت على ما يبدو إلى «حصانة» وطوق نجاة جنبه المتابعة القضائية، بعد أن تم الاكتفاء بقرار إعفاء فضح حسب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي»الارتباك» الذي يطبع تعامل الحكومة مع ملفات الفساد بعد أن جربت لغات متعددة في التعامل مع هذه الفضيحة المدوية منذ تفجرها. فرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران جرب وبهاجس سياسي التهوين من حجم ما حدث، واعتبر ما وقع مجرد «خطأ» في دفاع صريح عن وزيره، وفي تبني مكشوف لمنطق انصر حليفك ظالما أو مظلوما قبل أن تبلع الحكومة لسانها، وتشعر بأنها محشورة في ركن ضيق، مع قرار توقيف أوزين من طرف الملك، قبل أن تعود من جديد وترفع شعار مباركة قرار إعفائه مع التنويه به تحت غطاء تحمله لمسؤولية سياسية في فضيحة كلفت المغاربة الملايير، وأساءت إلى بلد برمته. الغلوسي قال إن اللجنة التي كلفت بالتحقيق خلصت إلى وجود اختلالات تقنية ومالية وقانونية، وهي اختلالات يترتب عنها من الناحية الإدارية وانسجاما مع الفصل 47 من الدستور إعفاء وزير الشبيبة والرياضة لكن «في نظرنا هذا الإعفاء ورغم أهميته يبقى غير كاف، لأنه يجب القطع مع الإفلات من العقاب، وتجسيد ربط المسؤولية بالمحاسبة على أرض الواقع». الجمعيات المتهمة بحماية المال العام تحفظت أيضا على طريقة التعاطي مع هذا الملف انطلاقا من مبدأ سواسية المغاربة أمام القانون، بعد أن اعتبرت أن تدبير فضيحة العشب كشف أن العدالة بالمغرب تسير بسرعتين وبمنطقين، أحدهما خاص بالمواطنين العاديين، والثاني يتم تفعيله حين يتعلق الأمر بمسؤولين كبار تورطوا في جرائم فساد أو نهب المال وغيرها. في هذا الصدد قال الغلوسي إن على وزير العدل مصطفى الرميد أن يتحمل مسؤوليته باعتباره رئيسا للنيابة العامة، وأضاف »«لقد سبق لنا أن وضعنا شكاية على مكتبه في الموضوع، وطلبنا منه أن يجري كل الأبحاث والتحريات المفيدة والمعاينات والخبرات الضرورية»، وأن» يتم حجز كل الوثاق والمستندات ذات الصلة بالقضية مع إعطاء تعليماته للضابطة القضائية المختصة ممثلة في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من أجل إنجاز بحث تمهدي». وقال الغلوسي إن البحث التمهيدي وفي حالة وقوفه على وقائع تكتسي صبغة جناية» فحينها يتعين على وزير العدل أن يتحمل المسؤولية في إحالة الملف على القضاء لمحاكمة كافة المتورطين في هذه القضية، سواء تعلق الأمر بالوزير المعفى أو بالمسؤولين في الوزارة، أو مسيري المقاولات التي فازت بالصفقات، لأن «المهم هو القطع مع الإفلات من العقاب». في السياق نفسه فإن ملاحظة أساسية مازلت تلاحق طريقة التعاطي مع هذه القضية بعد الاكتفاء ومنذ البداية بتشكيل لجنة مختلطة للبحث فيها، والآن ورغم صدور قرار بإعفاء أوزين إلا أن عددا من المتتبعين يؤكدون أن الجانب السياسي تم تغليبه من أجل سحب فتيل هذه الفضيحة، وطي صفحتها بسرعة، وفي هذا الصدد قال الغلوسي «يجب أن لا يتم توظيف الحسابات السياسية، والتوازنات داخل الأغلبية أو التدخلات من جهة أو أخرى للضغط على القضاء وفرملته دون أن تأخذ القضية مسارها الطبيعي». وشدد المتحدث ذاته على أن الإعفاء لوحده لن يكون كافيا، وقد يتحول مع مرور الوقت إلى منفذ يمكن أوزين من العودة لتولي مناصب أخرى، كما أنه سيتيح للمتورطين في فضائح مستقبلية الإفلات من العقاب بمجرد إشهارهم تحمل المسؤولية السياسية. واعتبر الغلوسي أن هذه الملاحظات تجد سندها الموضوعي في وجود عدد من الفضائح من العيار الثقيل التي لا تجد طريقها إلى القضاء، وحتى إن حصل ذلك فغالبا ما يتم استغلال المساطر الروتينية من أجل تعويمها، وإغراقها في مسلسل لا ينتهي من التأخيرات دون اتخاذ إجراءات حاسمة في الموضوع. وعبر الغلوسي عن استغرابه لعدم اتخاذ قرارات بالحجز على الأموال المبددة، حيث يسجل وجود متهمين متورطين في اختلاس وتبديد أموال عمومية دون إصدار قرارات بالحجز على ممتلكاتهم وأموالهم كما يحصل في قضايا الإرهاب والاتجار في المخدرات وتبييض الأموال. فضيحة الملعب فضحت أيضا ومجددا الارتباك الذي يطبع تعامل الحكومة مع ملفات الفساد، حيث أكد الغلوسي أن حكومة بنكيران غلبت وبشكل واضح الحسابات السياسية على منطق العدالة والمساءلة، كما أفرطت في التردد والتلكؤ دون أن تكون لها الجرأة لاتخاذ قرارات شجاعة تتماهى مع الرأي العام الذي كان في حالة غليان بسبب ما حدث قبل أن تجد الحل في مباركة القرارات المتخذة سواء بالتوقيف أو الإعفاء. ويرى الغلوسي أن التعاطي بشفافية مع هذه القضية يقتضي نشر مضمون البحث والتحريات المنجزة فيها، وإطلاع الرأي العام عليها بحكم أن الأمر يتعلق بفضيحة أساءت للمغرب والمغاربة. الغالي: أوزين لم يقدم استقالته بل طلب إعفاءه وهي حالة غير دستورية المهدي السجاري قرار إعفاء محمد أوزين من منصبه كوزير لقطاع الشباب والرياضة لم يكن مفاجئا، بالنظر إلى أن كل التوقعات كان تذهب في اتجاه إقالته، خاصة بعد تجميد مهامه المتعلقة بتظاهرة «الموندياليتو»، لكن طبيعة خروجه من الحكومة تطرح إشكالية حول ما إذا كان الأمر يتعلق باستقالة أم بطلب إعفاء. الفصل 47 من الدستور يتحدث عن الوضعيات التي يتم خلالها إقالة أو إعفاء الوزراء. هذا الفصل ينص على أنه «للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة ومن مهامهم». وتضيف الفقرة الموالية منه أن «لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة». ويشير الفصل 47 في فقرته الخامسة إلى أنه «لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية»، وهو الأمر الذي يطرح السؤال حول ما إذا كان الوزير قدم استقالته، كما ورد على لسان بنكيران في اجتماع المجلس الحكومي الأخير، أم أنه التمس إعفاءه. محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أكد في تحليله لقرار إعفاء أوزين أن الفاعلين اللذين يهندسان الحكومة هما الملك ورئيس الحكومة، وأن الملك إذا أراد أن يعفي عضوا أو أكثر فإنه يستشير رئيس الحكومة. كما أن الأخير يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر. وأوضح في هذا السياق أن رئيس الحكومة لم يطلب إعفاء أوزين، بل إن الإعفاء جاء بناء على طلب من الوزير نفسه. «أوزين لم يقدم استقالته، بل طلب إعفاءه، وهذه الحالة غير دستورية لأن الإعفاء ليس هو الإقالة أو الاستقالة، على اعتبار أن الأول مخفف وفيه جانب اعتباري وأخلاقي وإن كان يقود إلى نفس النتيجة، أما الإقالة فلها أثر مادي مباشر». وأكد الغالي أن «ليس هناك نصا في الدستور يتحدث عن طلب الإعفاء، وبالتالي نحن أمام إعفاء إرادي من الملك، على اعتبار أن الدستور يتحدث عن تقديم الاستقالة»، مشيرا إلى أن «هذه الوضعيات تؤدي إلى نفس النتيجة، لكنها توضح إلى أي حد هناك وعي تام بالمبدأ الأساسي الذي جاء به دستور 2011 وهو ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة». واستطرد الخبير الدستوري موضحا أن «الوزير يقدم استقالته عندما يحس بوجود تقصير، لا يكون بالضرورة إراديا، لكن ذلك لا يعني عدم تحمل المسؤولية، وبالتالي حفاظا على السير العادي للافتحاص أو التدقيق أو التحقيق، فالوزير يقدم استقالته حتى يأخذ التحقيق مجراه الطبيعي». وأضاف، في سياق حديثه عن سير التحقيق في فضيحة عشب مركب الأمير مولاي عبد الله، أن «الملك اتصل برئيس الحكومة لتجميد أنشطة وزير الشباب والرياضة المتعلقة ب»الموندياليتو». وأوضح أن «رئيس الحكومة لم يكن في مستوى الجرأة المطلوبة للتقدم بطلب إقالة الوزير، لأنه كان سيكون في وضع يجعله أمام نسخة ثالثة لحكومته». واستنادا إلى هذا التحليل، فرئيس الحكومة، حسب محمد الغالي، «لم يكن مؤهلا من الناحية النفسية لاتخاذ القرار الذي يجب اتخاذه، على اعتبار أن وزير الشبيبة والرياضة نافذ في الحزب الذي ينتمي إليه، علما أن رئيس الحكومة هو الذي كان عليه أن يطلب من الملك إعفاء هذا العضو، لكنه لم يفعل ذلك، فتدخل الملك الذي طلب إعفاء أوزين في الجانب المتعلق بموضوع التحقيق». وأكد الغالي أن الوزير تبقى لديه دائما الشخصية الاعتبارية ويمكن أن يؤثر، وأنه في إطار قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة لا يمكن أن يستمر في العمل وهو له مصلحة في الموضوع الذي يتم التحقيق فيه، خاصة أن الفصلين 36 و37 من الدستور ينصان على المعاقبة على استغلال مواقع النفوذ والامتياز. وبالتالي، يوضح الغالي، «فوزير الرياضة كان في وضع يسمح له باستغلال مواقع النفوذ والامتياز، وما كان لهذا المبدأ المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة أن يأخذ مجراه الطبيعي في ظل هذه الوضعية». وأكد الخبير السياسي على أنه ليست هناك مسوغات للحديث عن مسؤولية جماعية للحكومة، على اعتبار أن الأمر يتعلق بنشاط لوزارة الشباب الذي ليس له علاقة بباقي أنشطة الوزراء الآخرين. «لكن في المقابل، وحتى لا نبخس الأمور، فما وقع هو مقدمة ومؤشر قوي على السير في اتجاه الإعمال الفعلي والحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة»، يضيف المتحدث ذاته. مسألة أخرى طرحت نفسها بحدة، وهي الفضائح التي تورط فيها مسؤولون ووزراء آخرون دون أن يبادروا إلى تقديم استقالتهم، بل إن صلاح الدين مزوار، الذي اتهم بالتورط في فضيحة ما يعرف ب»بريمات مزوار وبنسودة»، تقلد منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون. الغالي حلل هذه المفارقة بالتأكيد على أنه في أوربا، مثلا، يتم استبعاد الأشخاص الذين توجد من ورائهم ملفات فساد، في حين يتم البحث في المغرب عن أولئك الذين يحملون هذه الملفات حتى يبقوا تحت الضغط والتأثير وضمان الولاء. وأشار الغالي إلى أن الأحزاب السياسية تدبر من خلال هيمنة أشخاص معينين، وهو ما يؤشر على أن مكانة أوزين والذين يدعمونه داخل الحزب ستخلق مشكلا على مستوى الحكومة، خاصة أنه ليست هذه أول مرة يتم فيها تبديد المال العام، وهو ما قد يكون دافعا لجهات داخل الحركة الشعبية للمطالبة بفتح تحقيقات مماثلة لوزراء آخرين، خاصة أننا على أبواب الانتخابات. بيد أن هذا القرار، ورغم ما قد تكون له من تبعات على المستوى الحكومي والبيت الداخلي للحركة الشعبية، فقد فعل مبدأ دستوريا أساسيا يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، على أمل أن تكون هذه الخطوة بداية لتفعيل هذا المبدأ في كل القضايا التي قد يتورط فيها مسؤولون عموميون ومنتخبون، دون أن يتحلوا بالجرأة الكافية لتقديم استقالتهم والاعتراف بالخطأ. حضراني: إعفاء أوزين سليم دستوريا والقانون المتعلق بتنظيم الحكومة تجاهل استقالة الوزراء قال إن الوزراء أصبحوا بموجب الدستور الجديد مسؤولين جنائيا أكد أحمد حضراني، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بمكناس أن قرار إعفاء أوزين سليم من الناحية الدستورية، ويأتي منسجما مع الفصل 47 من الدستور، غير أنه وقف عند تعليق أنشطة وزير الشباب والرياضية الخاصة ب«الموندياليتو» لكون الدستور ليس فيه ما يفيد ذلك، وأشار إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة تجاهل كل ما يتعلق بإنهاء مهام الوزراء واستقالاتهم وكأن هذا السلوك لم يكن واردا في مخيلة الفاعل السياسي. حاورته خديجة عليموسى - ما هو تعليقكم على قرار إعفاء وزير الشباب والرياضة، محمد اوزين، وهل احترمت من خلاله المسطرة الدستورية؟ حسب بلاغ الديوان الملكي، فقرار الملك محمد السادس إعفاء السيد محمد أوزين من مهامه كوزير للشباب والرياضة بناء على طلبه، وبواسطة رئيس الحكومة، يأتي منسجما مع مقتضيات الفصل 47 من الدستور، وهو ما تم الاستناد أو الاستشهاد به، فالملك هو صاحب القرار النهائي في اتخاذ قرار إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولكن هذا القرار يبقى رهين إجرائية مسطرية قبلية، تتمثل في الحالات الثلاث الحصرية بموجب الوثيقة الدستورية (2011)، وهي: أولا تحريك مسطرة الإعفاء بمبادرة من الملك ومن تلقاء ذاته، وبعد استشارة رئيس الحكومة. ثانيا تلبية لطلب ومبادرة من لدن رئيس الحكومة. ثالثا استجابة لرئيس الحكومة بناء على طلب من عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة (الاستقالة الفردية أو الجماعية). لذا يتبين أن القرار الملكي سليم من الناحية الدستورية، وهو تحصيل حاصل، لكن ما يلفت الانتباه هو التجاهل الذي حبل به مشروع القانون التنظيمي رقم 13 065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، إذ أغفل الإشارة إلى تطبيقات مقتضيات الفصل 47 من الدستور، خاصة تلك التي تهم طلبات إنهاء مهام عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة. فكيف يتم الحرص على توسيع أحكام الفصل 87 من دستور 2011 ، (تأليف الحكومة وولادتها) دون تناول مسألة إنهاء مهامها، والتي تخدم بناء الهندسة الدستورية، وتجيب عن واقعة تقديم وزراء لاستقالتهم. وكأن هذا السلوك لم يكن واردا في مخيلة الفاعل السياسي؟ - لماذا وزير الشباب والرياضة بالذات رغم أنه حدثت أحداث ووقائع ببعض القطاعات الوزارية ولم يتم فيها اتخاذ قرار من هذا النوع، ألا تعتقدون أن السبب هو أن هذا الإعفاء له علاقة بصورة المغرب في الخارج؟ بالنسبة إلى هاته المسألة بالذات، يمكن تحليلها من عدة زوايا: أولها إن الواجهة الخارجية كانت حاسمة في هاته المسألة، فصورة المغرب شوهت، ونقلتها وسائل الإعلام الدولية (استعمال الكراطة والجفاف في تظاهرة عالمية بالعاصمة الرباط وليس في جماعة قروية)، وبهاته الوسائل لا يمكن تنظيم كأس العالم والمغرب له رهانات كدولة صاعدة وذات رأسمال لا مادي، ومرتبط بالتزامات دولية، والخطأ في هاته المسألة غير مقبول. كما لا ينبغي الاستهانة بالملاعب، فإذا كانت «كروسة» البوعزيزي قد عصفت بالرئيس التونسي السابق بنعلي، فإن عشب ملعب الرباط قد قطف رأس وزير الشباب والرياضة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إعفاء الوزير موضوع هذا السؤال جاء لتفعيل الدستور، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والإجراء كان مسبوقا بلجنة تحقيق وتقرير لوزارتي الداخلية والمالية، والذي حمل المسؤولية السياسية والإدارية المباشرة لوزارة الشباب والرياضة، ثم إن المغرب لا يمكن أن يستمر في التغاضي عن مراكمة الأخطاء والتطبيع مع الفساد . - قبل إعفاء أوزين تم تعليق مهامه كوزير في ما يتعلق بأنشطة «الموندياليتو» من قبل الملك كما جاء في بلاغ للديوان الملكي، إلى أي حد ينسجم هذا القرار مع الدستور؟ في هاته المسألة، ومن الناحية الدستورية، ومن منظور ضيق، وقراءة نصية للوثيقة الدستورية، فليس هناك في الدستور من عبارات تشير إلى تعليق مهام الوزير وتجميدها، (الفصل 47 من الدستور يشير إلى التعيين وإنهاء المهام). ولكن من معيار واسع لتأويل الوثيقة الدستورية يمكن إيجاد المسوغات الدستورية لذلك، من قبيل ربط المسؤولية بالمحاسبة كما سبق ذكره، دون إغفال أن الملك، كرئيس الدولة، وممثلها الأسمى، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية (الفصل 42).ومن هنا فالمدخل السياسي يسعف في ذلك، فقرار التجميد الجزئي لمهام الوزير (المنع من حضور المباراة النهائية للمونديالتو) جاء لامتصاص ردود فعل شعب العوالم الافتراضية، وسخط جماهير الملاعب الرياضية. - ألا ترون أن الإعفاء من المهام غير كاف، هل تعتقدون أن الملف سيحال على القضاء؟ لا بد من الإشارة إلى أن الوزراء أصبحوا بموجب الدستور الجديد مسؤولين جنائيا أمام محاكم المملكة، عما يرتكبون من جنايات وجنح، أثناء ممارستهم لمهامهم (الفصل89 ). وإذ لم يصدر بعد القانون الذي يحدد المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية، فإذا ثبت بأن الأفعال المنسوبة إلى الوزراء، وإذا ثبت أنها تكتسي طابعا جنائيا، فالمحاكم المالية هي المختصة في ذلك، وليس المحكمة العليا كما كان منصوص عليه في دستور 1996 .