سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحزرير: التحالفات السياسية تخلق مصالح تقلص من فعالية تطبيق مبدأ المساءلة وتحريك القضاء قال إن قرار الملك إعفاء أوزين رسالة مشفرة لكل الفاعلين لتثبيت حكامة جيدة
اعتبر عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، في هذا الحوار، أن الممارسة الدستورية أوضحت أن المسؤولية السياسية للحكومة وأعضائها غير واضحة، مشيرا إلى أن سلطة الإقالة هي في يد الملك وأن استشارة رئيس الحكومة تبقى مسألة شكلية. - ما هي قراءتك لقرار إقالة محمد أوزين وزير الشباب والرياضة؟ دعيني أستعمل لغة رجال القانون الدستوري لوضع الإقالة كفعل سياسي في إطارها القانوني، فلقد جاء في (الفصل 47) من دستور 2011 «يعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية». إذن، سلطة الإقالة في يد الملك وتبقى استشارة رئيس الحكومة مسألة شكلية. وهذه الهندسة الدستورية تكرس تغليب النظام الرئاسي على البرلماني. فمن خلال الممارسة الدستورية، يتضح أن المسؤولية السياسية للحكومة وأعضائها غير واضحة. لأن الملك بصفته أميرا للمؤمنين (الفصل 41(، وبصفته رئيس الدولة، هو الضامن، ليس فحسب لاستمرار الدولة، بل لحسن سير المؤسسات الدستورية (الفصل 42). وعلى هذا الأساس، فالإقالة، بغض النظر عن أثرها السياسي، لا يحددها رئيس الحكومة. وربما المشرع الدستوري قدم قراءة مسبقة لمفهوم الإقالة، لأنه لو افترضنا أنها بيد رئيس الحكومة لأصبحت دون جدوى بفعل التحالفات والمحاباة السياسية. فرغم أن الحزب السياسي الذي يتصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب هو الذي يشكل الحكومة، فإن الواقع السياسي شيء آخر، لأن الحكومة تتشكل من خليط من الأحزاب من اليمين إلى اليسار، فكما تعلمون لا يوجد في الوقت الراهن حزب قادر على الحصول على الأغلبية المطلقة للتحكم في الحكومة، لذا فالحزب السياسي الأغلبي يحتاج إلى تحالفات ولو متناقضة إيديولوجيا. وهذه التحالفات تقلص هامش المناورة لدى رئيس الحكومة. فمثلا الكل يتساءل إلى أي حد يمكن متابعة الوزير المقال على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة، مع العلم أن الحركة الشعبية حليف أساسي في استمرارية الحكومة. وأود كذلك أن نناقش ظاهرة الفساد من الناحية الأكاديمية، ونتساءل لماذا أحزاب الائتلاف الحكومي تغض الطرف عن التعاطي مع ملف الفساد. لاشك أن الديمقراطية التمثيلية تم تشويهها من قبل الأحزاب، فممثل الأمة سواء كان برلمانيا أو وزيرا يصبح بفعل الممارسة ممثلا للحزب وليس للأمة، وخادما ل«نومنكلاتير الحزب» أكثر من السهر على خدمة الإرادة العامة. إن الأحزاب هي الساهرة والحارسة على الأغلبية لاستمرار اللعبة الديمقراطية، فهي لا تخشى المساءلة، فما بالك بالمحاسبة. لأن الأغلبية غاية وليست وسيلة لتفعيل النشاط الحكومي، وهذه إشكالية كبيرة طرحتها السوسيولوجية الألمانية منذ أكثر من نصف قرن، خاصة عند إدموند هنز. ولهذا نرى أن الأحزاب تتعالى على إرادة الأفراد وتتستر على فضائح النواب والوزراء. فلقد تمت السيطرة على السلطة باسم التمثيلية، وذلك بأقلية تخدم الحزب عوض الدولة – الأمة، ومن تم انطلق السلوك المصلحي والمنفعي على حساب المبادئ والأخلاق لتتلاشى الدولة المثالية. - هل كان سيتخذ قرار إعفاء أوزين من منصبه منحى غير هذا لو لم تكن ل«فضيحة الملعب» علاقة بصورة المغرب في الخارج؟ إذا كان نعم فلماذا لم يتم إعفاء الكروج في ملف «الشوكولاطة»؟ منذ أن أعطى الملك في 19 دجنبر 2014 تعليماته لتعليق أنشطة محمد أوزين وفتح تحقيق معمق وشامل لتحديد المسؤوليات، أجمع الكل على أن هذا الفعل السياسي هو من تجليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو كذلك شكل من أشكال التخليق السياسي. هذا التأويل هو إلى حد ما مقبول، لأنه بعد تقرير وزارة المالية وتقرير وزارة الداخلية، الكل شعر بالحرج الكبير، خاصة بعد اعتراف امحند العنصر بمسؤولية الوزير السياسية وتعليق البرلمان للأسئلة التي كان مقررا طرحها على أوزين. كل مكونات الحكومة تضايقت مما وقع، خاصة أن شعار محاربة الفساد من الخطابات التي تم توظيفها بذكاء، والتي اعتبرت من محددات فوز العدالة والتنمية وتصدر المرتبة الأولى التي أدخلته إلى الحكومة. لكن ما هو أكبر من صورة المغرب في الخارج، انبعاث المجتمع المدني الذي أصبح يتحرك يوميا عبر «تويتر» وال»فيسبوك». ولا ننسى ما لهذا التواصل من آثار على الشارع وعلى رجل السياسة. فلقد أحدثت «الكراطة»، التي تم استعمالها في الملعب أثرا سلبيا في نفوس الجميع . وهذا المشهد المخجل والبائس أوضح هشاشة البنيات الرياضية إلى درجة أن مسألة ال«إيبولا» لم تكن عذرا مقبولا، ليس فقط عند عيسى حياتو، بل عند الرأي العام. وهذا هو ما لا يمكن أن تتحمله الحكومة، وخاصة رئيس البلاد. فالسياسة تمارس اليوم بضغط المجتمع المدني، وعلى الطبقة السياسية أن تتكيف مع هذا المعطى الجديد. - هل يمكن أن يتجه هذا الملف نحو تطبيق مبدأ المساءلة وإحالته على القضاء؟ كما قلت، في السابق، التحالفات تقلص من فعالية تطبيق مبدأ المساءلة وتحريك الدعوى العمومية لمحاربة الفساد، رغم وجود مؤسسة محاربة الرشوة والفساد ووجود إرادة لدى الحكومة في إنشاء وكالة وطنية للنزاهة ومحاربة هذا الفساد، والمشروع يناقش حاليا من طرف لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب. ورغم وجود مجتمع مدني فاعل، والذي أعتبره سلطة خامسة لبلورة القرارات في هذا الشأن، تبقى الرهانات السياسية والسياسوية هي سيدة الموقف. لذا، فإن الجماعات والأفراد عاجزة عن اختراق البنية الحاكمة. وهذا هو جوهر أزمة السياسة في عالمنا المعاصر . ليس هناك ديمقراطية مثالية، بل ديمقراطية واقعية تقوم على أغلبية عددية تحجب إرادة المواطن، ولذا منذ أكثر من قرن، نلاحظ أن الديمقراطيات البرلمانية تستمر بفعل التستر على الفضائح التي يقوم بها الشركاء. ولا نستغرب أن التستر على الفساد ضحى بكل المشاكل السياسية، بما في ذلك المتابعات القضائية في الملفات الكبرى، فملف الشوكلاطة لم يعرف ردود فعل قوية، وهو ملف بسيط لا تتعدى قيمته 30 000 درهم، أداها الوزير من ماله الخاص فيما بعد. ولا يمكن أن نضحي بالتوازنات، ولا يمكن كذلك أن نقض مضاجع طبقتنا السياسية بسبب كيلوغرامات من الشوكلاطة يلهو بها الصغار أكثر من الكبار، ولا ننسى كذلك أن الوزير الكروج جديد العهد بالسياسة وكان انتماؤه إلى حزب الحركة الشعبية بفعل المظلة (Parachutage)، بينما أوزين تجدر في الحزب بفضل صهره أمهروق الذي يعتبر من الوجوه القديمة للحزب نظرا لارتباطاته القبلية وعلاقته القوية بزعماء الحزب (أحرضان والعنصر)، ولا نستغرب قوة تأثير السيدة حليمة امهروق على قيادات الحزب. ولهذا، فإن هذه الفضيحة هزت أركان الحزب في توقيت غير ملائم سياسيا. - ما هي الإشارات التي وجهها الملك محمد السادس إلى مسؤولي الأمة من خلال قرار إعفاء وزير الشباب والرياضة؟ هذه إشارة ملكية إيجابية ومشجعة، لكن نحتاج إلى إرادة حزبية تحارب التستر على الفساد انطلاقا من العملية الانتخابية إلى تزكية نخب وزارية وبرلمانية وإدارية نزيهة، لا تخاف لومة لائم، تنادي بصوت عال بلسان نبي الله هود: «إن أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب» سورة هود الآية 88. ولاشك أن محاربة الفساد حينما تكون محل إجماع كل المكونات السياسية والمدنية ستحقق نسبة نمو إضافية تعين البلاد على إقلاع اقتصادي حقيقي. وهذا ما تشير إليه التقارير الدولية علاوة على الخطب الملكية. وعلى الجميع أن يعرف أن ما هو أخطر في الفساد هو الريع السياسي. قرار الملك يبقى في بعده السياسي والأخلاقي رسالة مشفرة لكل الفاعلين لتثبيت حكامة جيدة في كل القطاعات. ونتمنى ألا يتبخر حلمنا أمام واقع لا زالت تنخره المحسوبية والزبونية. وللأسف لم تسلم الرياضة ببعدها الجماهيري من هذا السلوك، الذي حوله البعض إلى مجال للاسترزاق، كما أشارت إلى ذلك الرسالة الملكية بمناسبة المناظرة الوطنية للرياضة التي تم تنظيمها في أكتوبر 2008.