عندما يتعلق الأمر بالمقاولات الجادة والصحافيين المهنيين تجد المسؤولين يتسابقون ليل نهار من أجل تطبيق القانون، وزجر كل مخالف لمقتضياته، وبالمقابل نجد أن التسيب واللامبالاة تجاه النصابين والمحتالين هو الغالب على سلوك المصالح المعنية بالامر. مناسبة هذا القول هو لجوء العديد من النصابين إلى تقمص دور الصحفيات والصحافيين، عبر إصدار بطاقات وهمية، من أجل تنفيذ مخططاتهم الرامية إلى تسهيل مهمة النصب والاحتيال على ضحاياهم، دون ادنى تحرك لوزارتي الداخلية والاتصال.
وتظهر الصورة المرفقة بهذا المقال، إحدى هذه البطائق المزورة التي أصدرها المسؤول عن أحد المواقع الالكترونية، على شكل انتداب يجيز بموجبه لصاحب البطاقة بان يتقمص دور محرر صحافي بهذا "الموقع الالكتروني المستقل"، كما جاء في ذات الاعتماد المزور.. وهو ما يجعلنا نتساءل عن دور ومسؤوليات المصالح المختصة بهذا الخصوص، وخاصة وزارة الثقافة والاتصال ووزارة الداخلية..
ولكي تكتمل شروك الحيلة وتنطلي على ضحايا، عمد هؤلاء النصابون إلى الإحالة في بداية بطاقة الاعتماد المزورة هذه، على ما أسموه الفصل السادس من الظهير الشريف الصادر في 15 نونبر 1958 المتعلق بالصحافة والنشر، رغم أن هذا الاخير تعرض لعدة تعديلات آخرها صدرت على شكل مدونة للصحافة والنشر تضم ثلاثة قوانين(وتضمنت المدونة القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، إلى جانب القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين، والقانون رقم 90.13 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة).
ولكشف ان هؤلاء النصابين جاهلون حتى بالقوانين المؤطرة لمهنة الصحافة، سنحاول تتبع ما استندوا إليه من نصوص قانونية لنرى هل بالفعل تنطبق على ما أقدموا عليه من تزوير ونصب ..
الفصل السادس من الظهير الشريف الصادر في 15 نونبر 1958 المتعلق بالصحافة والنشر، الذي اعتمده المسؤول عن هذا "الموقع الالكتروني" لاعتماد صديقه كمحرر صحفي مزور، لا يتحدث بتاتا عن ما اقدم عليه بل يختص بشروط وآجال التصريح قبل نشر أي جريدة او مطبوع دوري، وجاء فيه:
"يحرر التصريح كتابة ويمضيه مدير النشر ويسلم عنه فورا وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال ويسلم الوصل النهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 30 يوما، وإلا جاز بعده إصدار الجريدة. وينبغي أن تصدر الجريدة أو المطبوع الدوري بعد الحصول على الوصل النهائي خلال سنة وإلا اعتبر التصريح لاغيا.ّ
نفس مقتضيات الفصل السادس أعلاه نجدها في القانون رقم 77.00، المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.378 الصادر في 3 جمادى الاولى 1378 ( 15 نوفمبر 1958) بشأن قانون الصحافة والنشر، والصادر بشأن تنفيذه ظهير شريف رقم 1-02-207 صادر في 25 من رجب 1423 ( 3أكتوبر 2002)، والذي يحيل على شروط تقديم التصريح وآجاله من طرف مدير الجريدة او المطبوع الدوري، إلى وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بالمكان الذي يوجد فيه المقر الرئيسي للجريدة..
أما المادة 6 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، الذي دخل حيز التنفيذ بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.16.122 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 غشت 2016)، بعد نشره بالجريدة الرسمية، فقد جاءت مقتضياته للتفصيل في حق الصحافيات والصحافيين في الولوج إلى المعلومات..
ويتضح من خلال كل ما سبق ان هؤلاء لم يطلعوا حتى على القوانين التي تنظم مهنة الصحافة، ويمكن بكل سهولة على كل مطلع على قوانين الصحافة ان يكتشف أمرهم، إلا ان الجميع ليس كذلك إذ ان المواطنين كلهم لا يمكن ان يكونوا على علم بمجالات القانون كلها، رغم ان المشرع يصر على "ان لا أحد يعذر لجهله القانون"، وهو ما يجعل المسؤولية على عاتق السلطات المعنية وخاصة وزارتي الداخلية والاتصال للتدخل من أجل وضع حد لممارسات هؤلاء النصابين الذي يصطادون ضحاياهم من بين المواطنين الابرياء..