مما لا يجادل فيه عاقل ان المغرب قد دخل عالم الثورة الرقمية من أوسع أبوابه وأن المواطن المغربي قد أضحى من أكثر مستعملي الشبكة العنكبوتية في العالم بأسره وذلك يتضح من خلال إحصاءات الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات ANRT التي تؤكد الارتفاع المستمر في نسبة ولوج الانترنيت والارتباط بها لدى المغاربة. وإذا كان الجيل الجديد من الإعلام قد عرف تطورا ملحوظا. فقد نتج عن ذلك مجموعة آثار على الإعلام المغربي بشكل عام والصحافة المكتوبة بشكل خاص بحيث تحول القارئ الى متصفح والصحفي المهني الى صحفي مواطن... بحيث يكفي متصفح الأنترنيت مجرد كتابة عبارة »جريدة« على أحد محركات البحث ليفاجأ بالكم الهائل من الجرائد المنشورة على صفحات الويب سواء تعلق الأمر بجرائد أصلها ورقية يتم نشرها في صيغة إلكترونية بعد الانتهاء من عملية التوزيع والبيع أو بجرائد أعلنت تطليقها البائن عن الدعامة الورقية أو أنها لم تعرف في يوم من الأيام معنى صحافة الورق. والحديث عن مفهوم الصحافة الإلكترونية في المغرب يطرح إشكال الإطار القانوني المنظم لهذا المولود الجديد في الجسم الإعلامي إذ أن اعتماد الصحافة الإلكترونية للشبكة العنكبوتية، كوسيط بينها وبين المتصفح. يجعل من طبيعتها القانونية، مثار جدل. طالما أن هذا النوع الجديد من الإعلام يشترك مع الإعلام التقليدي في المفهوم، والمبادئ العامة، والأهداف. ويختلف عنه من حيث اعتماده وسيلة جديدة للاتصال، تسمح له بالدمج بين كل وسائل هذا الأخير، قصد إيصال المضمون بأشكال متميزة، ومؤثرة بطريقة أكثر، وبأسلوب أكثر إقناعا. فبالرجوع الى قانون الصحافة والنشر، الصادر سنة 1958 والمعدل سنة 2002. نجد سكوت هذا الأخير عن طبيعة الوسيلة التي يقدم بها المضمون الإعلامي في الصحافة المكتوبة. أو بالأحرى عدم تدقيقه فيها. حيث ينص الفصل 11 منه على أنه : »يراد بلفظة نشرة حسب منطوق ظهيرنا الشريف هذا جميع الصحف والمجلات والدفاتر والأوراق الإخبارية التي ليست لها صبغة علمية محضة ولا فنية ولا تقنية ولا مهنية والتي تصدر في فترات منتظمة ومرة واحدة في الشهر على الأقل«. فالنماذج الأربعة التي أوردها المشرع على سبيل الحصر. تشترك في خاصية الكتابة. ويحسب للمشرع المغربي سكوته عن تحديد الدعامة التي تصدر فيها النشرة الصحفية حتى تشمل الأنواع الأخرى المستحدثة من الكتابات بحيث أفرز التطور التكنولوجي ما أضحى يعرف بالكتابة الإلكترونية. ويمكن استخلاص هذه النتيجة من خلال استقراء باقي نصوص قانون الصحافة والنشر التي تشير إلى الوسائل الإلكترونية وأيضا من خلال القانون المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر سنة 2007 والذي ساوى بين المحرر الورقي والمحرر الإلكتروني. ليتأكد لنا وعي المشرع المغربي بتطور تكنولوجيا الإعلام وبروز الكتابة الإلكترونية كنوع جديد من الكتابة. فإذا كان التمتع بحقوق الصحفي المهني المضمونة بمقتضى القانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين يتوقف على ضرورة التصريح بالجريدة التي يمارس فيها الصحفي المهني مهامه الصحفية وتمتعها بصفة جريدة يومية أو دورية وفق ما تنص عليه المادة الأولى من هذا القانون. بالمقابل فإن الالتزامات التي يفرضها قانون الصحافة على الممارس لمهنة الصحافة، المتميزة أساسا بميزة المسؤولية، والأخلاق المهنية. التي تجد سندها في قانون الصحافة، والقانون المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين، ويعززها القانون الجنائي في بعض نصوصه. فإن تفحص هذه النصوص يوحي بتحمل الصحافيين الممارسين لمهنتهم في إطار جريدة الكترونية بالالتزامات المنصوص عليها في أغلب هذه القوانين. من دون أن تكون هذه الجريدة مستوفية لشروط التصريح والإيداع وغيرها، وذلك ناتج عن توسيع مفهوم العلانية في جرائم الصحافة ليشمل ما ينشر على الصفحات الإلكترونية. من خلال ما نص عليه الفصل 38 من قانون الصحافة والنشر المحدد لوسائل العلانية والتي أضيفت لها عبارة »بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية«. دون تمتعهم بالحقوق التي تضمنها. مما يدفع الى القول باختلال في ميزان العدالة التي تضمنها القوانين المتعلقة بالصحافة والإعلام. إذ أن تحمل الواجب يفرض التمتع بالحق أولا. ولاشك أن هذا الاختلال وعدم التدقيق ينتج عنه مجموعة نتائج أولها جعل الصحافيين الممارسين لمهنتهم بجرائد إلكترونية بين سندان الممارسة الصحفية ومطرقة القانون الذي يهددهم بإمكان متابعتهم من أجل جريمة إصدار جريدة بدون تصريح أو مختلف الجرائم الأخرى التي ينص عليها قانون الصحافة والنشر والتي يكفي لقيامها مجرد عنصر العلانية والتي تعتبر وسائل النشر الإلكترونية أحدها، على الرغم من كون عبارة وسائل النشر الإلكترونية تعتبر عبارة غير واضحة بحيث يمكن أن تشمل الشبكة العنكبوتية ورسائل الهاتف الجوال وأيضا التلفزة الرقمية وغيرها.