حبيب عنون أولا، ضرورة اعتذار السيد العنصر... أعتقد أن السيد العنصر سيكون متفقا معي على كون أنه لا شبر من المملكة المغربية يمكننا نعته ب"الخلا " كما عبر عنه أثناء برنامج حوار في ضيافة السيد مصطفى العلوي. لكون هذا المصطلح يحمل معنى آخر لذا ساكنة القرى أو الدواوير. ذلك أن مصطلح " الخلا " عند من يعتبره حزب السنبلة معقله الانتخابي وأولوية الأوليات في سن أي سياسية عمومية (أي القرى) يعني ذاك المكان المتواجد خارج الخيمة أو خارج "المسكن"، لعدم توفره على المرافق الصحية...، التي يقضون فيها حاجياتهم الخاصة. وبالتالي فاستعمال مصطلح "الخلا" لم يكن لائقا بأمين عام لحزب سياسي عمر نصف قرن.
ثانيا، أن الخلاء الذي تتحدث عنه هو مجال سكني (بغض النظر عن نوعية السكن) يقطنه مغاربة ناضلوا وحاربوا الاستعمار واستماتوا على هذا الموقع الذي تنعته ب"الخلا". إنهم مغاربة وطنيون متشبثون بملكهم لكونه هو الوحيد من يزورهم شخصيا ويرد لهم الاعتبار وليست الأحزاب ولا ممثليهم. ما كان لأمين عام لحزب يدعي الشعبية أن ينعت بشبر من ربوع المملكة ب"الخلاء".
ثالثا، إذ كان حال بعض المناطق أو الدواوير أو المداشر... لا تحظى لا من ناحية ظروف السكن ولا من ناحية المستوى المعيشي والثقافي والصحي وغيرها بما يلزم من عناصر العيش الكريم الذي يحث عليه ملك البلاد، فهذا نتيجة تراكمات سلبيات السياسات العمومية التي كان حزب السنبلة عضوا دائم العضوية فيه إذ لم يسبق له وأن عايش موقع المعارضة.
ثمة عدة ملاحظات بخصوص مضمون الحوار الصحفي للسيد العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية: أولا: بخصوص تموقع الحزب داخل المشهد السياسي "الانتقالي" الحالي وآفاقه المستقبلية. صرح السيد العنصر بكون حزب الحركة الشعبية هو حزب الوسط ولكن عن أية وسطية يتحدث السيد العنصر؟ فمن الناحية الإيديولوجية: فموقع الوسط هو ذاك الموقع الفاصل بين الأحزاب الليبرالية أو اليمينية والأحزاب الاشتراكية أو اليسارية. إلا أن هذا الفصل في الأسس الإيديولوجية للحزب لم يعد جليا في ظل تطور الفكر الاقتصادي سواء الليبرالي أو الاشتراكي وما نجم عنه من بروز تيارات فكرية والتي بالرغم من راهنيتها فإنها تظل متباينة من حيث الخطاب السياسي ومن حيث السياسة الاقتصادية العمومية المتبناة. من المؤكد أن السيد العنصر لم يتمكن من تعميق وتدقيق مفهوم الوسط الذي يتبناه حزبه وبالتالي يبقى هذا المصطلح مبهما وقابلا لأي تأويل سلبي. كما أن السيد العنصر لم يتبنى خطابا جريئا ومقنعا ولا موقفا حازما يكتسي بهما حزبه صبغة ومكانة خاصة ومتميزة. إذ، حسب الحوار، فالمسار السياسي والإيديولوجي الذي سيتبناه حزب الحركة الشعبية سيبقى رهينا بما ستِؤول إليه التوافقات أو التحالفات التي أعلن عنها. فعلى ضوءها ستحدد مكانة حزب السنبلة ضمن المشهد السياسي والذي يميز فيه السيد العنصر بالدائرة الصغرى المتمثلة في حزبه مع التيارات المنشقة عنه (أي حسب قوله كل الحركيين مع تنصله من ذكر حزب العدالة والتنمية الذي هو " الأساس" كما ذكر بذلك السيد مصطفى العلوي )؛ ثم الدائرة المتوسطة أي انضمام الحزب إلى تكتل يضم كل من الحركة والأحرار والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري. أما الدائرة الأوسع فتلك التي تنضاف إليها الأحزاب التي هي الآن في "الحكومة". ما المعنى من هذا كله؟ فالأمر بين، ذلك أن الحزب لا قوة له ذاتية ويسعى إلى الانضمام إلى تكتل يمكنه من الولوج إلى الحكومة خصوصا بعد انتكاسة 2007 والتمثيلية المحتشمة للحزب ضمن فعاليات الحكومة والصراعات الداخلية التي شهدها الحزب بهذا الشأن... خصوصا وأنه لا يرضى لحزبه، بالنظر للطريقة التي رد بها على سؤال السيد مصطفى العلوي، بالتموقع ضمن المعارضة.
لا يزال المخاض عسيرا، داخليا ومحيطيا بالنسبة للحزب خصوصا و أنه: لم يتم الحسم في التكتل الانتخابي الذي أكد عليه السيد المنوني مهندس الدستور الجديد، إذا سمح لي بتلقيبه على هذا النحو، كضرورة ملحة للتفعيل الجاد لمقتضيات الدستور الجديد. لم يتم بعد لا الحسم ولا التجاوب مع مقتضيات دستور 2011 بخصوص المساواة بين المرأة والرجل ضمن اللوائح الانتخابية علاوة عن عدم رغبته عن الحديث عن لائحة الأطر وعتبة 35 سنة معللا وجهة نظره بكون هذه اللوائح ستؤدي إلى نوع من "الفئوية"! فهذا الموقف لا يتماشى ومتطلبات المرحلة بل يتماشى وضرورة إبقاء الحال على حاله : "الشيوخ للقرار، والشباب للتصفيق". لم تتم بعد الاستجابة للتوصيات السامية بخصوص تجديد النخب. إذ كيف لحزب عمر لمدة 53 سنة أن لا يكون قادرا على إبراز مؤهلات شابة؟ وكيف بإمكانه التعامل مع الجهوية الموسعة إذا كان على هذا النحو؟ علاوة على هذا، من يمنع الأطر من تأسيس حزب جديد؟ ومن يمنع من ترشح "المستقلين"؟
أعتقد أنه قد تم استغلال الأطر بما فيه الكفاية من طرف كافة الأحزاب خصوصا مع ظاهرة الأمية التي يتميز بها جل البرلمانيين والمنتخبين إذ نجدهم يستنجدون بالأطر في الدراسات وتهيئ الخطابات ودراسة قانون المالية وغيرها من المتطلبات التي هي من شأن المنتخب ومعيارا من معايير انتخابه أي الأهلية الثقافية كأساس ثم التجربة كتميز وكقيمة مضافة. لم يتقبل الحزب بعد إلغاء تراكم المهام وأعتبر هذا التوجه إما عرقلة أمام المؤهلات الجدد أو عدم توفر حزب عمر 53 سنة على أطر مؤهلة لتشكل الخلف.
ثانيا، بخصوص ظاهرة الترحال. ثمة تناقض جلي بخصوص هذه الظاهرة، إذ نجد السيد العنصر يطالب تارة بتدخل وزارة الداخلية لصد هذه الظاهرة؛ وتارة أخرى نجده يطالب بالحياد التام لوزارة الداخلية من الشأن الحزبي. بل السؤال الوجيه يكمن في مدى استعداد حزبكم لإعادة احتضان من غادر الحزب بالأمس، طمعا وليس اقتناعا، في اتجاه حزب أخر، ويريد اليوم العودة إلى الحزب. لقد كانت بالأمس القريب ظاهرة الترحال مسألة تندرج ضمن الحقوق السياسية للمنتخب إلا أنها وبالنظر للأمية السياسية تم التغاضي عنها بالرغم من السيبة التي مورست بها، بل أكثر من ذلك كانت من بين الدوافع الرئيسة المحفزة على العزوف السياسي للناخب المغربي. إذ كيف يعقل أن يصوت مواطن ما في مكان ما على منتخب معين لكونه يمثل الحزب الذي يرغب فيه ذاك المواطن، ليراه على شاشة التلفزة داخل قبة البرلمان قد غير انتماءه السياسي في اتجاه حزب آخر قبل انتهاء ولايته؟ أليست هذه بالسيبة والخدعة السياسية والانتهازية الفردية؟ من وجهة نظري، كان، ومنذ زمن بعيد، تفعيل قانون يجيز التشطيب على هذا البرلماني أو المنتخب الجماعي قبل نهاية ولايته وتمتيع ساكنة المنطقة بحق إعادة انتخاب من يمثلهم حق تمثيل. ففي هذا المجال، تندرج إيجابيات مقتضيات دستور 2011 لتجعل حدا لهذه السيبة السياسية ومخادعة الناخب المغربي علاوة على حصر ولاية المنتخب في ولايتين لتوسيع مجال المشاركة أمام المؤهلات الصاعدة. ولا أرى مبررا لعدم رضاكم عن هذا البند؟ هل سباق ضد المشيخة أم هو سباق ضد التشبيب؟ فخطاب حزبكم هذا مجانب لما أصر عليه عاهل البلاد من تغيير في الخطابات لتكييفها ومتطلبات الألفية الثالثة. كما أن النخب الشابة لا تعني، وهذا ما اعتقد تخوفكم منه، لا تعني فقط تغييرا في الوجوه كما زعمت أنه أمر معمول به، فالتشبيب بمغزاه الواقعي هو حمولة من التغييرات الفكرية والإيديولوجية والجرأة في اتخاذ القرارات ودمقرطة الحزب (للملاحظة فقط، فكل الضيوف التي كانت حاضرة في برنامج حوار هي نفس الزعامات منذ القرن الفائت، متسلطة دائما على الكراسي الأمامية تأكيدا لاستمرارية تواجدها) وغيرها من التغييرات الجذرية التي لا يمكن أن تتأتى إلا من شباب وشابات هذا العصر. ثالثا: مول الشكارة أو الأعيان ما أرغب في الإشارة إليه في هذا الصدد تاركا الأمر للمتخصصين في علم اللغة والتاريخ والشؤون الدينية، هو أنه ثمة خلط أول بين مصطلح "مول الشكارة" ومصطلح الأعيان؛ أما الخلط الثاني فيكمن في اعتقادي في التشبيه بين مصطلح أعيان أوروبا في القرن الثامن عشر ومصطلح الأعيان في الوسط المغربي. كل ما يمكنني التصريح به هو أن مول الشكارة لا مكان له بين الأعيان، كما أن أعيان أوروبا ليسوا بأعيان المغرب لا من زاوية المصطلحات أو المفاهيم اللغوية ولا من زاوية الخصال والأفعال والمكانة داخل مكونات المجتمع لكل ثلة منهم. لقد كانت لكم جرأة كبرى بتأكيدكم على أن المواطن عندما يصبح برلمانيا فإنه يصبح من الأعيان من ذوي الأملاك العقارية والأراضي...؟ أعتقد يا سيد لعنصر أن حنكتكم في الحوار قد خانتكم في الرد على هذا التساؤل ذلك أنه تصريح سياسي خطير ومثير لكونه يؤكد ويوضح علانية الطبيعة غير النزيهة التي تميز سلوكيات المنتخبين بعدم احترامهم لشرف الحصانة البرلمانية التي يوليها لهم القانون. ومرة أخرى نثمن ما ورد في دستور 2011 من إلغاء لهذه الحصانة بسبب سوء صيانتها وما قدروها حق قدرها. كان هذا ردا تمويهيا ولكن يحتوي على مضمون يزكي الفكرة السائدة لدى المواطن المغربي اتجاه السلوكيات الخبيثة للمنتخبين. إلا أن الطامة الكبرى لا تكمن في مول الشكارة ولا أقبل أن ينعت بأعيان المنطقة، بل تكمن في تزكية الأحزاب لهذا النموذج من المنتخبين. ربما كما قيل خلال الحوار أن الحصة المالية المخصصة من طرف وزارة الداخلية تبقى أدنى مما يلزم لتغطية مصاريف تحركات المنتخب. إلا أن هذا التعليل غير موضوعي وغير واقعي لكون الحزب وحتى باقي الأحزاب لا تكشف جلها عن حقيقة كيفية صرف المبالغ الممنوحة لها. رابعا: لا جديد تحت شمس حزب السنبلة بناء على ما تم التصريح به والذي تم تحليله أعلاه يجعل أي متتبع لحلقة برنامج حوار الخاصة بالأمين العام لحزب الحركة الشعبية أو حزب السنبلة يستنتج بأنه "لا جديد تحت شمس حزب السنبلة" وهذا ما يجعل في الوقت الحالي التأكيد ربما على عدم رغبة أو بالأصح على عدم قدرة الحزب على مواكبة التغيير الجدي والتفعيل الفعلي لمضامين دستور 2011. إلا أن السيد العنصر ربما لا يزن حق وزنه ما يمكن أن ينتج عن مرحلة ما بعد استحقاقات أكتوبر 2011 إذا ما استقر المشهد السياسي على ما هو عليه. إذ سيكون اليأس بالنسبة للمواطن المغربي وما أدراك بيأس المواطن المغربي يا سيد العنصر، وسيتضح أو ستفضح آنذاك الأحزاب السياسية بكونها المعرقل والعقبة الأساسية بالدرجة الأولى أمام تفعيل مسار التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تضمنه خطاب عاهل البلاد في 9 مارس.