ذ.حبيب عنون كان ظهور السيد حسن طارق عضو المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد الاشتراكي ترجمة، من طرف حزبه، على تواجد نخب سياسية شابة جديدة لا بالمعنى الصوري، آمل ذلك، ولكن بالمعنى الفكري.
ويبقى من الأكيد أن شهيدا الحزب عمر بنجلون والمهدي بن بركة لم يكونا ليفارقا على هذه "السكيزوفرينية" التي عبر عنها السيد حسن طارق بكونه "اشتراكي المبادئ وليبرالي الفعل"؟ فهذا تصريح جلي وعلني بوجود اختلال إيديولوجي ومعرفي بين ما يؤمن به ويناضل من أجله السيد حسن طارق وبين ما يمكن أن يقوم به، وهذا أمر محرج لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية.
كيف له أن يدعي كون حزبه هو من ساعد في خلق الليبرالية؟ هذا مع العلم أن الاشتراكية لا مجال فيها لليبرالية. فكل نمط إنتاج له خصوصياته وهذه من أبجديات فكر الاقتصاد السياسي. فالفرق يتمثل في من يمتلك أدوات الإنتاج وتوزيع الثروات أولا، وثانيا يتمثل في طبيعة السياسة الاقتصادية بمعنى أن الاشتراكية تجعل من المجال الاجتماعي (السلم الاجتماعي ) قاطرة للنمو الاقتصادي؛ بينما تعتمد الليبرالية وبالخصوص الرأسمالية الليبرالية على الرقي بالمجال الاقتصادي كقاطرة لتحسين المجال الاجتماعي (السلم الاجتماعي ).
علاوة على هذا، فالاشتراكية في مفهومها الأصلي لا تقبل بليبرالية (اختلاف ) الفكر أو الرأي، ناهيك عن الديمقراطية لكون جهاز الدولة هو من يخطط ويبرمج اشتغال آليات اقتصاد البلد. أما مسيرة المجال السياسي فهو أحادي المنحى. ربما قد يكون الفكر الاشتراكي في إطار حركيته قد انتقل من الاشتراكية في نسختها الأصلية إلى فكر اشتراكي، حسب الأستاذ حسن طارق، أدرج ضمن أدبياته مصطلح الديمقراطية فقط لجاذبية المصطلح. أما الادعاء بكون الإنسان قد يكون اشتراكيا – ليبراليا فهذه بدعة سياسية ولا تتماشى وفكر الاقتصاد السياسي. صحيح أن فكر الاقتصادي السياسي الليبرالي قد استنبط من الاشتراكية أداة التخطيط الاقتصادي ولكنه يبقى توجيهيا فقط وغير ملزم كما هو الشأن بالنسبة لنمط الإنتاج الاشتراكي.
وكيف ما كانت الأحوال، فالنمط الاشتراكي الذي تم تنصيبه في ظل حكومة التناوب في ظروف كان الاقتصاد المغربي على شفة سكتة قلبية، أثبت فشله في تدبيره للشأن العام وخاصة في شقه الاجتماعي الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر في تركيبة حكومة السيد اليوسفي وبالتالي استبداله بالسيد ادريس جطو. ومن ثمة بدأت جليا للمواطن المغربي عدم مصداقية الوعود التي تضمنها الخطاب الانتخابي للإتحاد الاشتراكي وكانت نتائج الانتخابات خير دليل.
وما وقع ويقع في الشارع المغربي منذ 20 فبراير هو نتيجة حتمية لتراكمات التدبير السلبي للشأن العام وتناقضاته بين الخطاب الذي كان متبنيه حين كان في المعارضة وطبيعة الممارسة الاقتصادية والاجتماعية عند توليه الحقائب الوزارية. وما كانت استقالة السيد اليوسفي من الاتحاد الاشتراكي إلا دليلا على عدم انسجام مكونات الحزب فيما بينها وبالتالي كان متيقنا أن حكومته سترسب في الإقلاع بالمجال الاجتماعي.
تولدت عن هذه التراكمات السلبية اقتصاديا واجتماعيا بالموازاة مع ما يجري في الدول المجاورة، المناداة بضرورة التغيير نحو مستوى معيشي أفضل، نحو تكافؤ الفرص، نحو الحد من الفوارق الطبقية، نحو العدالة، نحو الحد من الفساد وتفعيل محاسبة المفسدين...، في إطار تنسيقية اتخذت تسميتها من يوم خروجها إلى الشارع.
وكان "تسلل" السيد حسن طارق ضمن نسيج الحركة الشبابية بغرض محاولة ضم قاعدة الشباب "المهمش" للحزب وبالتالي ضرب عصفورين بحجرة. أما ادعاءه بان ما قام به هو تناغم وانسجام مع أحد بنود القوات الشعبية، فهذا افتراء سياسي محض. وكيفما كانت تعليلاته إزاء مغادرته للحركة الشبابية، فالرد الصريح هو إعلان الحركة لرفضها التام بتبني بعض الأحزاب لمطالبها وبالتالي عدم قبول أي ممثل حزبي ضمن الحركة. أضف إلى ذلك تصدي الشبيبة الاتحادية للسيد الراضي لمحاولته ضم الحركة إلى حزبه.
نفس السبيل سلكه الاستقلاليون بجلب المعتصمين أمام البرلمان إلى مقر الحزب حيث انتهى الاعتصام بوعود التوظيف وبقدوم "طارق بن زياد من فاس لفتح ليس الأندلس بل لفتح المقر". كانت مسرحية اتخذها السيد عمدة فاس ممتطيا سيارته الرباعية حربا موهما أتباعه بكونه المحارب الفاتح."
ولكن بأي حق واستنادا إلى أي قانون أو فتوى، يشدد السيد حسن طارق على ضرورة أن تضل هذه الحركة تعبيرا اجتماعيا مضادا للفساد دون التحول إلى حزب. هل المشهد السياسي ضيق لهذا الحد لكي يضاف إليه حزب شبابي جديد؟ أم انه تخوف من الشباب الصاعد من سحبهم للبساط السياسي من تحت أقدام من همشوه؟ ولكن يا سيد حسن طارق، كيف ستضل هذه الحركة في الشارع دون تأطير ودون إطار قانوني؟ هل ترغب في أن تظل "جيشا احتياطا " في خدمة أي حزب أو نقابة ... لا اتفق على هذا الطرح لكونه لا يعبر عن ما وصفته ببنود القوات الشعبية بل أكثر من هذا فهؤلاء الشباب هم مغاربة لهم ما لك من حقوق وعليهم ما عليك من واجبات. إنها مسألة حظ و أشياء أخرى فقط.
لقد عبرت عن رأيي بخصوص التحولات الفكرية والمطلبية لهذه الحركة مواكبة مع تحولات في مكوناتها، وقد أشرت كذلك لحتمية حدوث هذا الأمر وذلك، من جهة، بسبب تباطؤ الحكومة في إعطاءها لبعض إشارات التغيير المنشود؛ ( ربما تزامن حدوث هذا الأمر والتخمين في كيفية معالجته في بدايته مع انشغالات الأحزاب السياسية خاصة المكونة للحكومة بإيجاد السبل الكفيلة والمباغتة لمواكبة تفعيل إنزال الدستور والذي حرص ملك البلاد على أن يحيط بمتطلبات التغيير )؛ ما التمسه الشعب من الملك فهو موجود، وما التمسه الشعب من المشهد السياسي فهو لا يزال في المخاض.
ومن جهة أخرى بسبب تغاضي بعض الأحزاب عن ما يقع، كأنها غير معنية باستقرار البلاد، تاركة الشارع وما فيه مؤطرا من طرف الأمن.
وليس هذا بحل يا عضو المكتب التنفيذي لحزب يعيش على نوستالجيا الستينيات والسبعينيات كأنه يريد تعويض سنوات كونه في المعارضة. كمسئول سياسي، كما ادعيت، ما كان عليك قول ما لا تملك له حلا. علاوة على هذا، أن ترك من في الشارع في حالة شرود فهذه مسئولية كل الفعاليات السياسية المغربية لإيجاد حل توافقي لسبب جليل يكمن في كونهم مغاربة، وما قد يكون واردا أننا إذا ما اعتبرنا أن هؤلاء أقليات، فتجاهلهم والزيادة في تهميشهم سيجعلهم، إصرارا وعنادا وحقا، يتحولون يوما إلى أغلبية وحينها سيضعف التفاوض معها لكونها بفضل وزنها حينها ستفرض موقفها ليس فقط على حزبك بل على المشهد السياسي برمته. ألا تشاطرني الرأي في هذا التوجه يا أستاذ القانون الدستوري.
وتعزز، بتردد، تحليلك الاقصاءي حتى للأحزاب المتواجدة بحديثك، أسوة بالإخوة في العدالة والتنمية، برفع العتبة وتصرح بإمكانية النقاش حولها!. 6 أو 7 أو 8، عذرا لما سمعت هذه الأرقام الثلاث، ربما لا تعرف ذلك، تذكرت أن الشريط الذي فاز مؤخرا في الدورة 14 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، كان يحمل عنوان "ستة سبعة ثمانية"، للمخرج محمد دياب، بجائزة عصمان سامبين الكبرى للمهرجان
. إن من يتخيل إليك إقصاءهم لا هم ولا أنتم مجتمعون تشكلون "فروعا لشجرة واحدة" استمدت جذورها من الماركسية.
لقد كان رد ممثلة جريدة الصباح في محله حين "أدهشتها" الثقة المبالغ فيها في يقينكم لاحتلالكم لنسب مهمة خلال أكتوبر. هذا مع العلم أن الائتلاف الذي شكلتموه و حزب الاستقلال مع تردد حزب التقدم والاشتراكية قد لا يجعلكم تبلغون مبتغاكم، إلا ب "قدرة قادر". لكون ما نخشاه عليكم أن مكونات هذا التكتل تعرضت لكثير من الانتقادات منذ توليها تدبير الشأن العام بدون حساب ولا عقاب؛ علاوة على الوابل من عبارات السخط الذي ترجمته صرخات الشارع المغربي خلال بروز حركة 20 فبراير. وإذا كنت تنتقد نتائج استطلاع الرأي بخصوص "شعبية" حزبكم الذي أشارت إليه صحافية جريدة الصباح، فيكفيك النظر إلى الكيفية التي يستقبلها المواطن زعماء أو ممثلو الأحزاب.
ويساورني تساءل حول مطالبة حزبكم، من بين ما طلب به أي "les dix commandements " بتغيير للعمال والولاة الذين ثبت في حقهم تورطهم في دعم حزب معين (أليست لك الجرأة للقول من يكون هذا الحزب قصد تنوير الرأي العام؟).
أولا، يا أستاذ طارق ممثل النخبة السياسية الاشتراكية الجديدة، أعتقد أن هذا التوجه هو مغالطة سياسية، لكونك بطريقة غير مباشرة تريد تبرير المرتبة المؤسفة والمخجلة التي حصل عليها حزبكم خلال الاستحقاقات الفائتة. ثانيا، إذا أصررتم على هذا، فالشارع يصر على تقديم برلمانييكم ومستشاريكم ومدراءكم المتحزبين الذين أشار إليهم المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة لوزارة الداخلية إلى القضاء. ثالثا، ما تطالبون به غير دستوري وإهانة صارخة لوزارة الداخلية التي تتفاوضون معها بوجه وتحاورون المواطن بوجه آخر. فطلب حزبكم غير دستوري لكون دستور 2011 لم يتم تنزيله بعد لكي يتمكن رئيس الحكومة من القيام بهذه المهمة. ومن الأفضل، أن تطالبوا بهيأة مستقلة كالربع من الدول الذي تتبنى هذا السبيل للقيام بمهمة متتبع مراقبة الانتخابات.
لقد أشرت في مقال سابق لي، يا أستاذ طارق إلى دراسة إمكانية استمرارية لجنة الأستاذ المانوني في استكمال عملها بمقترح حول الآلية التي ستسهر على حسن سير انتخابات أكتوبر 2011. وما تم اقتراحه من طرفك هو فقط التصويت بالبطاقة الوطنية واعتماد اللوائح وفقا لهذه البطاقات. وأنتم تعلمون أن هذا إجراء أقل أهمية مما يقع قبل الانتخابات دون أن نغفل على أنه ثمة مواطنون لا يتوفرون على البطاقة الوطنية.
أما هلعكم من وثيرة الترحال الذي يشهدها المجلس التشريعي فلا تعليل له لكونه أولا ظاهرة مألوفة وليست بجديدة. ثانيا، ما هو جديد هو ما سيتم تفعيله بخصوص هذه الظاهرة عند تنزيل دستور 2011. ثالثا، إذا كنتم تعيبون هذه الظاهرة، فهل أنتم مستعدون لإعادة احتضان من ارتحل من حزبكم في اتجاه أحزاب أخرى قصد المنفعة؟.
أما حديثكم عن الضمير السياسي قبل إنزال الدستور، فهذا موضوع يفوقك ويفوق جل الفعاليات السياسية. ما هو واقعي وما عايشه المواطن المغربي هو "النفاق والانتهازية السياسية" أما مسالة الضمير السياسي فمن فضلك أتركها جانبا لأنها ستطيح بك.
بصراحة يا أستاذ القانون الدستوري، ما المغزى أو المعنى من استدعاء كل هذا الشباب إلى برنامج حوار؟ هل هذا دليل على كون حزبكم حافل بالشباب؟ قد يكون هذا ممكنا ولكن ما أعرفه ومتيقن منه فلا مشاركة له ولا مشاورة لديه في أي قرار تتخذه أجهزة الحزب. وخير مثال هو ردكم على جواب السيد مصطفى العلوي بخصوص إطلاع الشباب ومشاورتهم بخصوص "les dix commandements " ومسودةوزارة الداخلية بخصوص تنظيم انتخابات أكتوبر المقبل، حينما صرحتم أن المشاورات تتم بين "المكتب والبرلمانيين". ما دور الشبيبة؟ و ما معنى حضور هذا الشباب الذي لا علم له بما يقع وبما يتم التحاور بشأنه؟ أو هذه هي التعبئة السياسية؟ في هذا الحال التعريف الوحيد للتعبئة السياسية يكمن في استدعاءها فقط للتصفيق. وهذا ما ميز للأسف حلقة حوار هاته. كلما نطق السيد حسن طارق يبدأ التصفيق حتى أن لا السيد مصطفى العلوي ولا السادة الصحافيين لم يتمكنوا من قيامهم بعملهم لتنوير الرأي العام المتتبع لبرنامج حوار والذي يحظى باحترام لذا المشاهد لما يشهده في جل حلقاته من نقاش فكري يعلو على ما تم في هذه الحلقة.
لا أدري يا أستاذ طارق ما سوف تقوله لطلبتك حينما يسألونك عن قولك أنه لا علاقة بين الأمية والترشح إلى البرلمان ؟ ذلك أن البرلماني يمكن أن يكون أميا لا بأس في ذلك وبالتالي لا بأس في كون برلمان الألفية الثالثة أي المجلس التشريعي أن يكون أميا. هل تعي ما تقول يا أستاذ القانون الدستوري؟ لا ادري ما أقوله لك، يا ممثل النخبة السياسية الاشتراكية الجديدة، ولكن حتى أبقى في حدود الاحترام الواجب اتجاه القراء سأكتفي بتذكيرك بمثل مغربي أصيل مفاده: " أن الفقيه الذي كنا ننتظر بركاته، دخل المسجد بنعله".
له الحق، زميل لي في الدراسة الجامعية بفاس، حين قال : " كنا نخاف من الاعتقال والتعذيب في الماضي وأصبحنا الآن نخاف على الوطن".