شعب بريس قالت نادية الشرقاوي -أخصائية في علم النفس- إن الفقر والأمية ليسا وحدهما السبب في تفشي ظاهرة الأمهات العازبات، بل هناك غياب الثقافة الجنسية لدى المغاربة بالبيت والمدرسة، وهناك المنع الذي يفرضه المجتمع على الرجل والمرأة بحرمانهما من ممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج لا يتحملانه مما يؤدي إلى ظهور هذه الظواهر. وأشرفت نادية الشرقاوي على دراسة ميدانية استغرقت ستة أشهر-مارس إلى دجنبر عام 2010- تحت رعاية جمعية "إنصاف" المهتمة بمساندة المرأة والطفل في وضعية صعبة وعرضت نتائجها يوم السبت 30 أبريل 2011. أرقام مهمة -لكنها غير مفاجئة- كشفت عنها الدراسة: 83 أما عازبة تلد بالمغرب يوميا 153 طفلا خارج مؤسسة الزواج، وعدد هؤلاء الفتيات الأمهات تجاوز 27 ألفا أنجبن أزيد من 45 ألف طفل عام 2009. في عام 2007 كان عددهن 25980، وعاما بعد ذلك صرن 26589، ثم ارتفع عددهن إلى 27199 عام 2009. من أهم كشوفات البحث انتشار ظاهرة الأمهات العازبات في كل مناطق المغرب، تأتي في المقدمة جهة مراكش تانسيفت الحوز ب3066 حالة، تليها جهة ماسة درعة ب3062 حالة، ثم جهة الدارالبيضاء الكبرى ب2798، ثم طنجة تطوان ب2479، فمكناس تافيلالت ب1915 حالة، ثم واد الذهب لكويرة في آخر الجهات الست عشرة للمملكة ب142 حالة فقط. هذا الترتيب يتطابق بالفعل مع نتائج دراسة أخرى عن انتشار مرض فقدان المناعة-السيدا الإيدز- بالمغرب، من المفيد التذكير بها. فيوم 26 نونبر 2010 أعلنت نادية بزاد رئيسة المنظمة الأفريقية لمحاربة السيدا بمناسبة اليوم العالمي لهذا الوباء أنه مع نهاية شتنبر 2010، سجلت بالمغرب 5319 حالة إصابة، مسجلة أن عدد الإصابات في ارتفاع خاصة بالنسبة للإصابات الناتجة عن انتقال العدوى بواسطة العلاقات الجنسية. وأشارت إلى أن نسبة الإصابة بداء السيدا تزايدت في صفوف النساء حيث بلغت هذه النسبة 62 في المائة من النساء ما بين 15 و24 سنة و55 في المائة ما بين 25 و34 سنة، مبرزة أن 75 في المائة من حالات الإصابة تتركز بثلاث جهات تشمل سوس-ماسة- درعة، ومراكش-تانسيفت الحوز، والدارالبيضاء الكبرى. فيظهر بوضوح أن الجهات التي تنتشر فيها ظاهرة الأمهات العازبات هي نفسها التي ينتشر فيها داء فقدان المناعة المكتسب. لكن أغرب شيء في دراسة الأخصائية في علم النفس الأستاذة نادية الشرقاوي هو اتهامها للمجتمع بأنه هو السبب في انتشار ظاهرة الأمهات العازبات لأنه يضع قيودا على التمتع بالجنس خارج مؤسسة الزواج. إذا كانت الأستاذة نادية الشرقاوي تقصد بالقيود ما حرمه الدين الإسلامي للمؤمنين به في مجال الغريزة الجنسية بين الجنسين وكيفية تصريفها وتسخيرها لبناء المجتمع والدولة والحضارة فتلك قضية أخرى. أما المجتمع الذي تتحدث عنه الخبيرة النفسانية فيعيش حالة تفكك وهزيمة أمام الغزو الجنسي الإباحي الغربي، وليس وحده من يعاني من ذلك، بل هي معاناة دولية تشمل كل المجتمعات، فلم يعد بالإمكان القول إن هذا المجتمع أو ذلك يضع قيودا ضد الممارسات الجنسية خارج الزواج، فالجنس اليوم مشاع في كل مكان وكل زمان. الأمهات العازبات وغير العازبات، مثلهن مثل الآباء العازبين وغير العازبين جميعا ضحية قصف متواصل لمجمعات إعلامية وصناعية وتجارية وسياسية تريد تحويل العالم إلى شيوعية جنسية وسوق ممتاز لكل ما له علاقة بغريزة فطرية قوية تعرض فيه المنتجات البشرية وغير البشرية للتهييج وإبقاء الكائنات البشرية تحت سيطرة قوى ظاهرة وخفية تتشارك في تجديد تجارة الرق بصور حديثة. فجذر المشكلة يا سيدتي الخبيرة يوجد هنا وليس في مجتمعات لا حول لها ولا طاقة لها بذلك إلا قليلا.
ماذا جنينا من التحرر المطلق؟ لقد ظن الغربيون-ضمن صيرورة تاريخية لا بد من فهمها وأخذها بعين الاعتبار- أن تحرير الشهوة الجنسية من كافة القيود التي وضعتها الكنائس والمجتمعات التقليدية هو الحل الأمثل للحد من العقد والتخلف. وبالفعل تحقق التحرر الكامل حتى شبع الرجال من النساء والنساء من الرجال، وسئم بعضهم من بعض، فراحوا يجربون ويقلبون في كيفيات التمتع بالجنس دون قيد ولا شرط، فظهرت أشكال من "المثلية الجنسية" وما تزال تظهر. بل عبرت حركات نسائية عن رغبة شديدة في القضاء على الميز الجنسي بمحو الفروق الجنسية واعتبار الذكورة والأنوثة مجرد تقليد اجتماعي، وهذه هي فلسفة الجندر في وقت من الأوقات، وهي اليوم تعيش حالة تراجع. لكن لننظر مليا، هل حقق التحرر الجنسي الغرض الأصلي منه وهو الإشباع والاستمتاع أم أن العكس هو الذي حصل. لندع أخصائية نفسية أخرى-خبيرة في علم الجنس والتربية الجنسية- هي جوسلين روبير في كتابها "حدثوهم عن الحب والجنسانية" (1999 كندا- الطبعة الأولى) تقدم لنا بالأرقام والإحصائيات كيف تضاعفت حالات الجرائم الجنسية رغم شيوع الجنس وسهولة الحصول عليه والجهر بالتمتع به علانية. منذ سنة 1984، كشف تقرير بادجلي حول الاستغلال الجنسي للأطفال، أن كل بنت من اثنتين-يعني 50 بالمئة- وكل ابن من ثلاثة -يعني 33 بالمئة- كانوا ضحايا في كندا لأكثر من اعتداء جنسي. أربعة من خمسة اعتداءات حدثت لأول مرة في الطفولة أو المراهقة، وأن ثلاثة أطفال من خمسة أجبروا بالقوة الجسدية أو بالتهديد على يد المعتدين. المعتدون كانوا أشخاصا معروفين من طرف الأطفال (الجد والعم وصديق الأسرة والجار والمدرس والحارس والمنشط الرياضي...) وهذه الحالات التي يكون المقربون هم المعتدون هي التي تأخر الكشف عنها. وفي دراسات لجنة حماية الشباب -بكندا- اكتشف أن أطفالا من جميع الأعمار ضحايا لزنا المحارم والقرابة، بمن فيهم أطفال رضع، وأن السن المتوسط للضحايا هو تقريبا 10 سنوات. (فصل الاستغلال الجنسي ص 135-144)
الأسئلة الحقيقية: فالسؤال الذي وضعته الخبيرة النفسانية نادية الشرقاوي مزيف لأنه يتهرب من الإشكال الحقيقي الذي تتخبط فيه البشرية كلها وليس المجتمع المغربي وحده، وهو كيف نتعامل مع غريزتنا، هل نطلق لها العنان لاستمتاع مطلق؟ وهل إطلاق العنان يوفر هذا الاستمتاع أم ينقلب الاستمتاع إلى جرائم مدمرة تصل إلى قاع الأسرة؟ أم نكبتها كما فعلت الكنيسة؟ أم أن كبتها هو الآخر انقلب إلى العكس فانفجرت الفضائح الجنسية داخل الكنائس وحصدت الأطفال في طريقها؟ وصار العالم يفترس أبناءه في مؤسساته التربوية؟ وجرت الدينيون واللادينيون إلى المحاكم؟ وهل بإمكان المحاكم أن تضبط هذه الغريزة؟ أم خبراء علم النفس والجنس هم الأكثر كفاءة أم أنهم هم أنفسهم حائرون؟ وما هو الطريق الوسط بين الطرفين السابقين؟ وهل يمكن للدين الإسلامي-وليس المجتمعات الإسلامية الحالية- تقديم حل سحري لهذه المعضلة؟ هذه أسئلة لا يمكن تقديم الأجوبة عنها ما لم نشخص الواقع السريع التغير الذي تعيشه الإنسانية منذ نصف قرن تقريبا، واقع جعل أكبر العقول المفكرة في الغرب نفسه في حيص بيص.