تعكس تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين عن سورياوالعراق مدى الصعوبة التي تواجهها واشنطن في التعامل مع هاتين الأزمتين المعقدتين، بل وشطح خيال البعض باستنتاجات غاية في الغرابة. اكتست تصريحات المسؤولين الأمريكيين في الفترة الأخيرة بنبرة تشاؤم حول مستقبل العراقوسوريا، وعكس بعضها في طياته الكثير من الارتباك والضبابية وحتى ما يشبه اليأس.
وفي هذا السياق، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول في الاستخبارات الأمريكية تخوفه من إمكانية اختفاء سورياوالعراق من خارطة العالم، فيما تنبأ مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية فنسنت ستيوارت بتفتت سوريا قائلا: "نحن نقترب من وقت ستقسم فيه سوريا إلى أجزاء صغيرة .. وهذا ليس بالوضع المثالي.. لأنه يجلب أمورا غير متوقعة.. وسيكون من الصعب إعادة ترتيب الأوراق من جديد".
وصرّح ستيوارت في وقت سابق أن العراقوسوريا كدولتين تشظتا، مشيرا إلى تعذر رجوعهما إلى ما كانتا عليه بسبب الحرب والتوترات الطائفية، مؤكدا في الوقت نفسه أن بلاده لا تسعى لمثل هذا الهدف الذي وصفه بأنه محتمل الحدوث.
أما جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية، فاقتصر تشخيصه على حدود البلدين التي قال إنها لا تزال قائمة لكنها خرجت عن سيطرة حكومتي البلدين بسبب "الدولة" التي أقامها "داعش" هناك.
وفي خضم هذه السلسلة من التصريحات الرنانة، دعا الجنرال ديفيد بترايوس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق بلاده إلى ضم بعض مقاتلي "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" إلى التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا!.
لم يجد هذا الجنرال الذي شارك في غزو العراق من خلال قيادته للفرقة 101 المحمولة جوا ثم صار قائدا للقوات متعددة الجنسيات في العراق، لم يجد ما يدعم معركة بلاده وحلفائها في سوريا إلا مسلحي "جبهة النصرة" التي أدرجتها واشنطن على قائمة الإرهاب في عام 2012، ما يشير إلى أن عسكريي الولاياتالمتحدة وخبرائها يعبرون هنا عن عمق المأزق الذي جرتهم إليه غزواتهم الثأرية من هجمات 11 سبتمبر وتلك التي نُفذت لاحقا.
وفي وقت سابق من غشت الماضي، تفاءل وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر بدور المقاتلين الأكراد في سورياوالعراق في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث أكد أن "الأكراد في كل من سورياوالعراق هم تماما مثل ما نقول وقلنا في السابق، يشكلون قوة برية قوية وقادرة على السيطرة على أراض جديدة والاستمرار بالسيطرة عليها"، ليتحدث فيما بعد مسؤول أمريكي آخر عن تشظي سورياوالعراق، كما لو كان هذا الأمر غريبا عن سياق الأحداث ومقدماتها المعلنة.
شكّلت مثل هذه التصريحات سطح "الواقع" السياسي الأمريكي، فيما عكست فضيحة تزوير "التقييمات الاستخباراتية" وإضفاء تفاؤل مزيف على تقارير العمليات العسكرية الجوية ضد "داعش" والتي بدأت منذ عام، باطنه الخفي.
ظهرت الفضيحة بعد أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" نهاية غشت الماضي عن هذه الواقعة استنادا إلى مسؤولين مطلعين على تحقيقات داخلية بدأت "بعد أن أخبر المحلل المدني بوكالة استخبارات الدفاع السلطات أن لديه أدلة على أن المسؤولين في القيادة المركزية الأمريكية (وهي القيادة العسكرية التي تشرف على حملة القصف الأمريكية وغيرها من العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية) أعادوا صياغة تقييمات الاستخبارات بشكل غير صحيح؛ لتقديمها لصانعي السياسات، بما في ذلك الرئيس أوباما ومسؤولي الحكومة".
لا تزال خفايا هذه الفضيحة مبهمة، إلا أن تفاؤل المسؤولين الأمريكيين بنجاح مشاريعهم السياسية والعسكرية في العراقوسوريا بدأ بالتلاشي بوضوح منذ مدة، لتحل محلها كوابيس دفعت بعضهم إلى عدم استبعاد أن يفتح العالم عينيه ذات صباح فيجد سورياوالعراق قد تبخرتا.