يثبت المغرب مرة أخرى كونه وجهة تحظى بثقة المستثمرين رغم الظرفية الدولية الصعبة، وذلك من خلال قرار مجموعة بي إس إي بوجو- سيتروين العالمية لإنتاج السيارات إقامة مركب صناعي تابع للمجموعة بالمنطقة الحرة "أتلانتيك فري زون" بجهة الغرب- الشراردة- بني احسن . إنه مشروع ضخم ورائد في المنطقة، فهذا المركب الصناعي تقدر طاقته الإنتاجية ب 200 ألف سيارة و200 ألف محرك في السنة، وسيمكن عند انطلاق العمل به في 2019، من إحداث نحو 4500 منصب شغل مباشر و20 ألف منصب غير مباشر، علاوة على تطوير قطاع البحث والتطوير من خلال توظيف 1500 مهندسا وتقنيا من مستوى عال.
ومن دون شك أن اختيار المغرب لإنشاء هذا المركب الضخم لإنتاج السيارات والمحركات باستثمار يبلغ ستة ملايير درهم، سيساهم في تطوير صناعة السيارات الوطنية التي عرفت خلال السنوات الأخيرة نموا مطردا وارتفعت صادراتها ب 26 في المائة لتحقق رقم 44 مليار درهم. فمجموعة بوجو سيتروين أصبحت ثاني أكبر مجموعة عالمية في صناعة السيارات تستقر بالمغرب بعد شركة رونو نيسان التي اختارت في العام 2012 مدينة طنجة لبناء مركبها الضخم لإنتاج سيارات من طراز رونو وداسيا موجهة أساسا للتصدير للأسواق الأوربية وفي افريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.
وبالفعل فقد ارتفعت القدرات الانتاجية لمصنع رونو الى 340 ألف سيارة في السنة ليصبح بذلك أكبر مصنع للشركة في القارة الإفريقية.
وأظهر مصنع رونو الطموح الرائد بتطوير وتنمية قطاع صناعة السيارات وأجزائها في المغرب مع ما يعنيه ذلك من استقطاب مزيد من الاستثمارات في القطاع، كل ذلك ترافق مع بيئة جذابة إذ تم استثمار طاقات كبرى في تأهيل الكوادر البشرية وإقامة البنيات التعليمية اللازمة المواكبة للعملية علاوة على إتمام التجهيزات الاساسية الرائدة التي نفذتها المملكة والتي جعلت منها قاعدة هامة لإنتاج وتصدير السيارات.
ومع استقرار شركة بوجو سيتروين على غرار كبريات الشركات العالمية الشهيرة العاملة في قطاع غيار ومكونات السيارات والتي اتخذت منذ سنوات من المغرب مركزا إنتاجيا تكون المملكة قد أصبحت فعلا مركز جذب لمنتجي صناعة السيارات رائدا في منطقتها. ويعد هذا الاستثمار أيضا دليلا على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ينعم به المغرب البلد الذي ينفذ إصلاحاته بنجاح وطمأنينة، وهو ما ما مكنه من تعزيز ريادته في المنطقة والقارة وسيتمكن من خلال هذا المشروع من نقش إسمه كواحد من المراكز العالمية الهامة في صناعة السيارات.
وعلاوة على شركتي رونو نيسان وبوجو سيتروين، اختارت العديد من الشركات العالمية المتخصصة في صناعة اجزاء السيارات ومكوناتها منذ سنوات الاستقرار في المغرب، كما لا تخفي العديد من الشركات نيتها في الاستثمار مستقبلا بالنظر لمختلف الامتيازات والامكانيات المربحة التي يتيحها مناخ الاستثمار في المملكة وشفافية قطاع الاعمال والمؤهلات الكبرى للبلاد التي نفذت خلال السنين الاخيرة سلسلة أوراش كبرى لتطوير البنية التحتية وتأهيل النسيج الاقتصادي.
وقد استهدفت مجمل تلك الاوراش الكبرى المهيكلة التي اعتمدت في إنجازها المعايير الدولية تحسين وتطوير موقع المغرب التنافسي، الذي عرف دفعة قوية في أنشطة الاستثمارات بتأهيل وتطوير المراكز الصناعية المندمجة، وفي هذا الاطار هناك العديد من المشاريع الناجحة التي تعبر بالملموس عن الطفرة التي حققها المغرب في المجال. والامر يتعلق على سبيل المثال لا الحصر بميناء طنجة المتوسط والذي تجاوزت نجاحاته أفضل التوقعات ما حذا بإحداث ميناء طنجة المتوسط 2 ثم المنطقة الصناعية المحاذية له على مساحة 935 هكتار، ومشاريع الطاقة الشمسية (نور 1 ونور 2) والتي تمثل الشطر الاول ضمن مشاريع طموحة تهدف تلبية 42 في المائة من حاجيات المغرب من الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقات المتجددة والنظيفة.
ومنذ إطلاق مخطط الاقلاع الاقتصادي انتقل المغرب الى السرعة القياسية منوعا بذلك استراتيجياته التنموية والاوراش الكبرى للتأهيل الصناعي وهو يجني حاليا ثمار هذه الاستراتيجية الصناعية الارادية الموجهة نحو قطاعات صناعية واعدة والتي يتوفر فيها المغرب على امتيازات تنافسية . وفي هذا السياق هناك قطاع آخر يستقطب استثمارات دولية هامة في المملكة هو صناعة الطيران. فاستقرار وحدة تابعة للمجموعة الصناعية الدولية (فيجياك ايرو) في الدارالبيضاء وهي المتخصصة في انتاج قطاع غيار الطائرات ينخرط في سياق مخطط تنويع وتطوير النسيج الصناعي الوطني في مجال صناعة الطيران التي تروم جعل المغرب مركزا عالميا لصناعة مكونات الطائرات.
ولعل ذلك ما يفسر استقرار عدد من كبريات الشركات العالمية العاملة في الميدان في المملكة، من قبيل (إيروليا فرع ايبراص، ثم أكوا الرائد العالمي في صناعة الالمنيوم (استثمارات بقيمة 45 مليون اورو) وكذلك مجموعة سافران وبومبارديي الكندية.
وبالفعل فإن المغرب الذي استقطب خلال السنوات الاخيرة العديد من الاستثمارات الاجنبية المتنوعة يراكم حاليا اقتصادا يتميز بتحول جذري في بنيته وتنوع كبير في قطاعاته الانتاجية على الخصوص تلك المتعلقة بالمهن الجديدة التي اصبح النسيج الصناعي المغربي مهتما بها وهي صناعة السيارات والطيران والاليكترونيك، قطاعات تثمر نتائج هامة وتكشف عن دينامية خاصة تميز الاقتصاد المغربي.