على وقع زخات المطر المنهمرة، التي تشهدها المملكة هذه الأيام، تم اختتام أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، مساء الأحد المصادف ليوم الثلاثين من نونبر 2014. فاضت قاعة الجلسات العامة للمنتدى ب"باب إيغلي" بالمشاركين، الذين يربو عددهم على الستة آلاف مشارك، يمثلون منظمات وهيئات حقوقية واجتماعية وتربوية وثقافية ونقابية، من قرابة مائة دولة.
وتميزت الكلمات التي ألقيت أمام المشاركين بالحرارة وبالصدق وبالحماسة، جعلت القاعة تتفاعل معها، بترديد الهتافات والشعارات المساندة والتصفيقات وبرفع شارات النصر. كانت لحظات إنسانية بليغة، جعلت البعض يذرف الدموع من فرط التأثر وشدة الإحساس.
وأشعلت كلمة المندوب الأممي المكلف بالمدافعين عن حقوق الإنسان أجواء عالية من الحماسة والحرارة في المنتدى، خصوصا عندما تحدث بمرارة عن أوضاع القهر والمعاناة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، وعن التشرد الذي طال أعدادا من الشعب السوري، والاقتتال الذي يجري في أكثر من ساحة بليبيا، والضحايا الذين يتساقطون بالعشرات وبالمئات في انفجارات القتل الجنوني في العراق وحملات القمع الشرسة في مصر والجزائر، وعن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكب في أكثر من منطقة عبر أرجاء العالم.
أما نصيرة ديتور، رئيسة الجمعية الجزائرية "أس أو أس مختفين"، ورئيسة الفيديرالية الأورومتوسطية المناهضة للاختفاءات القصرية، فخلافا للشائعات المضللة، التي نشرتها بعض الجهات المناوئة، على بعض المواقع الإلكترونية، فإنه لم يتم حجزها في مطار الدارالبيضاء، أو منعها من دخول المغرب للمشاركة في أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش، بل إن المنظمين شرفوها بمنحها الكلمة في جلسة الاختتام، فألقت كلمتها النارية المدوية، التي ألهبت حماس الحضور، وجعلتهم يتضامنون مع قضيتها، كوالدة جزائرية لابن مختطف منذ 17 سنة. قالت نصيرة ديتور، والدمع يتلألأ في عينيها المتواريتين خلف نظارة طبية سميكة: "إن نحو ثمانية ألف شخص في الجزائر تعرضوا، خلال تسعينيات القرن الماضي، للاختفاء بذريعة مكافحة الإرهاب". ودعت الناشطة الجزائرية، إلى تسليط الضوء على مصير الأشخاص المختفين وتعويض أسرهم، مشددة على أنه "إذا كان بإمكاننا نسيان الماضي، فإن آثاره ما تزال راسخة في نفوسنا كل يوم، ونستشعرها بأجسامنا وفي معيشنا اليومي".
أما المحامية التونسية بسمة الخلفاوي، أرملة الشهيد شكري بلعيد، فقد بدأت كلمتها المرتجلة بمسايرة القاعة التي حيت حضورها بترديد النشيد الوطني التونسي الذي يختتم بالبيتين الشعريين الخالدين للشاعر العظيم أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر/ ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر".
وبعد أن استعرضت أوضاع حقوق الإنسان في الشقيقة تونس، والعمل البطولي الذي يقوم به المدافعون عن حقوق الإنسان من المناضلات والمناضلين التونسيين، تقدمت بسمة الخلفاوي بتوصية للالتفات إلى وضع "السلاليات" بالمغرب، وضرورة إعمال القانون وضمان حق الملكية للنساء والمساواة. وتوالت الكلمات لمندوبي المنظمات ومبعوثي الهيئات الأممية والدولية.
ولإضفاء مسحة جمالية وفنية على الجلسة الختامية طلب من الفنان الكبير مارسيل خليفة أن يعتلي منبر المنتدى لقول كلمة في المشاركين، وهو ما حصل حينما قال الموسيقي والمغني الشهير أنه اختار الموسيقى والغناء ليقف إلى جانب المدافعين عن حقوق الإنسان، ثم طلب من المشاركين أن يرددوا معه مقطعا من أغنيته،"منتصب القامة أمشي"، والتي كتبها الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل سميح القاسم.
وكانت كلمة إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، هي كلمة الختام، و نوه فيها بجميع من ساهم في إنجاح هذا العرس الحقوقي الكوني، معلنا عن الموعد المقبل للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان في دورته الثالثة بدولة الأرجنتين.
لقد كان المنتدى الثاني لحقوق الإنسان الذي احتضنه المغرب، عرسا حقوقيا بامتياز، يستحق منا أن نقتبس من شعر محمود درويش ونقول في حقه: