كانت رحاب المشور السعيد بالقصر الملكي بالرباط ، اليوم السبت ، على موعد مع حدث بارز يجسد التلاحم العميق والروابط الوثيقة التي جمعت دوما بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي، إنه حفل الولاء الذي يتوج احتفالات هذه السنة بالذكرى الرابعة عشر لتربع أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، نصره الله ، على عرش أسلافه المنعمين ، وذلك تكريسا لعقد البيعة الذي شكل على مدى قرون أحد الأسس التي تقوم عليها الخصوصية السياسية المغربية الفريدة ممارسة وقانونا.
فترسيخا لهذا العقد الضاربة جذوره في التاريخ ، جاء تجديد البيعة اليوم في حفل بهيج ، نقل على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزة وحضره رئيس الحكومة ورئيسا مجلسي النواب والمستشارين ومستشارو صاحب الجلالة والهيئة الوزارية ورؤساء الهيئات الدستورية وكبار ضباط القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية والمدير العام للأمن الوطني وعدة شخصيات مدنية وعسكرية.
وهكذا جدد البيعة لأمير المؤمنين، الذي كان مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، ولاة وعمال الولايات والعمالات والأقاليم، وولاة وعمال الإدارة المركزية وممثلو جميع جهات المملكة الÜ 16 الذي انتظموا في صفوف متراصة أضفى عليها الزي التقليدي المغربي الأصيل الناصع البياض، الذي كانوا يرتدونه والمتمثل في الجلباب والسلهام، رونقا وجمالا عز نظيرهما. ووسط هذه الأجواء المفعمة بالغبطة والسرور وعراقة التاريخ، شرعت الأبواب الكبرى المفضية إلى ساحة المشور السعيد لتطل طلعة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وهو يمتطي صهوة جواد أسود، لتبدأ أفواج وفود وممثلي وأعيان مختلف جهات المملكة ، من وادي الذهب جنوبا إلى طنجة شمالا ومن وجدة شرقا إلى الدارالبيضاء غربا، تتقدم تباعا ووفق ترتيب محكم، وحسب البروتوكول المعمول به في هذه المناسبة، لتقديم البيعة والولاء لأمير المؤمنين الذي كان يرد بيديه الكريمتين تحية لرعاياه الأوفياء وعربونا لمبادلتهم حبا بحب. وكما يقضي بذلك البروتوكول فقد كان وزير الداخلية ، خلال هذا الحفل، في مقدمة هذه الجموع التي حجت اليوم إلى القصر الملكي لتجديد البيعة والولاء لأمير المؤمنين جريا على ما دأب عليه أسلافها على مر التاريخ. والواقع أن هذا الحفل الكبير، الذي اختتم بإطلاق المدفعية خمس طلقات، إنما هو تقليد مغربي أصيل نسج خيوطه عبر السنين واستمد أصالته من التاريخ الإسلامي ومن شرائع هذا الدين الحنيف، كما أنه يجسد العمق الحضاري الذي تتميز به المملكة منذ قرون ، بحيث كانت هناك ، ومنذ نحو أكثر من اثني عشر قرنا ، هيئة تبايع ملوك المغرب وتتشكل من كافة فئات وممثلي الشعب وفي مقدمتهم العلماء وعلماء الشرع ورجال السلطة. إن آصرة البيعة هذه تنطوي في الحقيقة على معاني ودلالات شتى تحيل في المقام الأول إلى كونها ترسيخ لاستقرار وأمن المملكة وتجسيد للوحدة الوطنية فضلا عن ضمان الاستمرارية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى على اعتبار أن الحكم الرشيد والثبات على النهج القويم يعد مفتاح الاستقرار والسبيل إلى الرقي والازدهار. كما أن حرص شيوخ القبائل وممثلي مختلف مناطق المملكة، على تجديد بيعتهم لجلالة الملك كل سنة مع حلول ذكرى عيد العرش المجيد، يعد دليلا واضحا على تشبث المغاربة بشخص الملك كرمز للوحدة واستعدادهم للتجند وراء جلالته لكسب جميع الرهانات. ومن ثمة فلا غرابة أن تجسد مراسم هذا الحفل الكبير أواصر المحبة القوية والروابط الوثيقة بين العرش والشعب وتعكس بجلاء تعلق الشعب المغربي الراسخ بعاهله جلالة الملك محمد السادس، رمز الأمة وموحدها وباعث نهضة المغرب الحديث، الذي تمكن بفضل حنكته وبعد نظره وتجند رعاياه الأوفياء وراءه من جعل المملكة ورشا كبيرا مفتوحا على كل المبادرات التي تساهم في تحقيق تنميتها وتقدمها.