من علامات الأجواء الديمقراطية التي تحيط بمحاكمة المتابعين في مجزرة مخيم أكديم إزيك، بضواحي مدينة العيون بالأقاليم الصحراوية المغربية، الحضور اللافت للحقوقيين والإعلاميين من مختلف الآفاق، و25 منظمة دولية، و25 جمعية حقوقية وطنية، إلى جانب المواطنين وعائلات ضحايا المجزرة.
قبل تقديم قراءة في كرونولوجيا المجزرة التي قامت بها عناصر انفصالية وإرهابية داخل المخيم المذكور قبل أن تمتد على مدينة العيون، لا بد من وضع أحداث المجزرة في سياقها الوطني والدولي.
على المستوى الوطني، جاءت الأحداث ارتباطا بخطاب جلالة الملك يوم 6 نونبر 2010 بمناسبة الذكرى 35 للمسيرة الخضراء، والإصلاحات التي أعلن عنها الخطاب الملكي. أما على المستوى الدولي، فقد عمدت العناصر المدفوعة لارتكاب مجزرة مخيم أكديم إزيك إلى استغلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، ثم مبعوثه الشخصي حول الصحراء لتحديد موعد مفاوضات الحكم الذاتي، وهو ما ستفشل فيه العناصر المذكورة، حيث أنه في ظرف 55 دقيقة ستتمكن القوات العمومية من وضع حد للتوتر المفتعل، وإنهاء عملية تفكيك المخيم بدون وقوع ضحايا، لكن المواجهات التي بدأتها العناصر المخربة أسفرت عن مقتل 11 من صفوف قوات الأمن، وبلغ عدد الجرحى بين أفراد القوات العمومية 238(134 من الدرك، 56 من القوات المساعدة، 26 من الأمن وشخص واحد من الوقاية المدنية، بينما بلغ عدد الجرحى المدنيين 112، وقامت العناصر المخربة بإحراق 46 إدارة، و8 أبناك، و5 شركات لتحويل الأموال وإلحاق أضرار جسيمة ب167 منزلا، و145 مرفقا تجاريا، وإحراق 90 سيارة، حسب ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي قامت بالتحقيق في عين المكان.
كذلك، لا بد من الإشارة إلى رد فعل الشعب المغربي الذي خرج حوالي 3 ملايين من أبنائه في شوارع الدارالبيضاء، يوم 28 نونبر 2010 ليعبروا عن رفضهم لأي مس بوحدة واستقرار المغرب، والتنديد بالتوظيف السياسي للاحتجاج المشروع لبناء الصحراء من أجل خدمة أهداف أجندة الانفصاليين القابعين في مخيمات تندوف بالجزائر.
لقد تمت بداية الاحتجاج ما بين 27 و30 شتنبر 2010 بمحاولة إقامة أول تجمع من 8 خيام على بعد 23 كلم جنوب شرق مدينة العيون، بمطالب تتعلق أساسا بالشغل والسكن تم الاستجابة لبعضها وتم تفكيك المخيم.
في ثاني أكتوبر، تتم محاولة أخرى بمطالب اجتماعية أخرى، ويوم 10 أكتوب، شرع في إقامة مخيم من 15 خيمة على طريق طرفاية، ومخيم آخر في أكديم إزيك، وانتقل المخيم من 30 خيمة إلى 300 خيمة في أقل من 24 ساعة، في نفس الوقت، سرت إشاعة تطلب من المواطنين الذهاب إلى المخيم للاستفادة من المنافع والمعونات، وكان غرض الإرهابيين جمع أكبر عدد من الناس في هذا المخيم واحتجازهم.
وبالفعل، شرعوا في إقامة حزام من الخيام على شكل جدار لتحصين المخيم من أي اختراق أمني، واستخدام الكهول والنساء والأطفال كدروع بشرية لمواجهة أي تدخل محتمل من طرف القوات العمومية، مما يدل على أن العناصر المسخرة للتخريب وارتكاب المجزرة كانت تعرف ما ذا تريد القيام به بتوجيه من تندوف والجزائر.
وفي اليوم الموالي سيتعرض شيوخ القبائل والأعيان والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني، الذين توجهوا للتحاور مع المعتصمين، إلى جميع أنواع السب والشتم. ولما تأكد للسلطات استحالة فك الاعتصام وهدم الخيام، عملت على توفير الخدمات الصحية والإسعافية، غير أن مساعيها قوبلت بالرفض ممن يتحكمون في المخيم.
في هذه الأثناء، ارتفع عدد الخيام ليصل على 6000 خيمة يوم 8 نونبر. أكثر من هذا، سيعمد المتحكمون في المخيم إلى إحداث إدارة عامة للأمن وإدارة عامة للشؤون الداخلية، وإدارة للمراقبة العامة، مع تقسيم المخيم إلى دوائر وأحياء وحرس داخلي وخارجي، في محاولة يائسة لجلب اهتمام الرأي العام والمنظمات الدولية لما يقومون به .
ورغم شروع وفد أرسلته وزارة الداخلية إلى عين المكان، في حوار مع تنسيقية المخيم، الذين أكد أعضاؤه التسعة خلال لقاء معهم تشبثهم بمغربيتهم، وأن مطالبهم ذات صبغة اجتماعية صرفة، ولا علاقة لهم بالانفصاليين، إلا أن التماطل والتسويف الذي بدأ أعضاء التنسيقية يمارسونه، دفع بوفد الداخلية والأعيان والشيوخ وفعاليات المجتمع المدني إلى التأكد من عدم جدوى الاستمرار في التفاوض، خاصة وقد تبين للجميع أن التنسيقية متجاوزة، وأن الذين يتحكمون في المخيم مجموعة من الانفصاليين وذوي السوابق والمهربين.
ومع ذلك، تم تحرير اتفاق يتضمن التزام الإدارة بالمطالب المقدمة لها والمتمثلة في توظيف وتشغيل جميع فئات الشباب، توزيع بقع أرضية ودعم مالي للبناء، مع توفير بطائق الإنعاش..وبعد التوصل إلى صيغة نهائية للاتفاق مع لجنة منبثقة عن المخيم، تعود هذه الأخيرة لترفض توقيع محضر الاجتماع.
هذا الوضع سيدفع الداخلية إلى نشر بلاغ تؤكد فيه أن نساء وأطفالا محاصرون في المخيم ولا يسمح لهم بمغادرته، وأكد البلاغ وجود جهات أجنبية داخل المخيم مدعومة من طرف الجزائر و"البوليساريو"، وأجانب تسربوا داخل المخيم في زي صحراوي، كما تم العثور، فيما بعد، على عملات أجنبية (الأورو، الدينار الجزائري والدولار)، إضافة إلى احتجاز صحفيين اثنين من مجلة "جون أفريك" ووكالة رويتر، ومنع وسائل الإعلام الوطنية من دخول المخيم.. مما جعل السلطات تتأكد مرة أخرى عدم جدوى التحاور وضرورة التدخل العاجل لتفكيك المخيم وتحرير المحاصرين.
وفي هذا الصدد، أشعرت النيابة العامة بالقرار وأمر الوكيل العام للملك بفك المخيم وإصدار أمر بعدم حمل الأسلحة النارية من طرف قوات الأمن، لكن عناصر أمن المخيم (من المخربين) رفضت مغادرة المخيم، مما جعل مجموعة من القوات العمومية تتدخل بشاحنات وخراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع، في هذا الوقت، شرع في إضرام النار في بعض الخيام لمنع الأمن من ولوج المخيم، في حين استعمل إرهابيون سيارات رباعية الدفع في هجمات جماعية وداسوا عددا من أفراد القوات العمومية، بينما التحق ملثمون من العناصر المخربة بالمدينة وعاثوا فيها فسادا وخرابا شمل مؤسسات عمومية وخاصة ومحلات تجارية وسكنية وإحراق سيارات.
ولم تسلم محطة الإذاعة والتلفزة الجهوية بالعيون من الهجوم في محاولة للاستيلاء عليها، ومحاولة الهجوم على السجن المدني بالمدينة. ومع وصول التعزيزات الأمنية إلى العيون، تمت السيطرة تدريجيا على الوضع.
وقبل محاكمة عناصر الفتنة والتخريب أمام المحكمة العسكرية بالرباط في شهر فبراير الجاري، كان عدد المتابعين قد بلغ 185، منهم 19 أحيلوا على القضاء العسكري للاختصاص، و15 تم حفظ المتابعة في حقهم وإطلاق سراحهم، بينما أحيل واحد على قاضي الأحداث، فيما تمت متابعة 132 معتقلا أمام استئنافية مدينة العيون في حالة اعتقال، و14 أمام ابتدائية نفس المدينة .