في تقريرها السنوي الجديد، قالت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن المغرب أصبح يحتل الرتبة 136 بعد أن وضعته في تقريرها السابق، في الرتبة 138، وهي الرتبة التي أصبحت تونس تحتلها حسب تصنيف المنظمة المذكورة. لا يسع الملاحظ إلا أن يتساءل، حقيقة، حول صحة، بل ومشروعية مثل هذه التصنيفات التي تدور بشأنها الكثير من النقاشات والعديد من علامات الاستفهام. تصنيفات أقل ما يمكن أن يقال بصددها أنها تفتقد للجدية والمنطق والمهنية، لتسقط، بكل سهولة، في درك العبثية واللا معقول، إن لم نقل أنها أصبحت لا تتردد في ممارسة الابتزاز والضغوط من وراء تصنيفها الغريب العجيب، فتعلي شأن من شاءت، وتسقط من شاءت في أسفل سافلين وكأنها تريد أن تنتقم من خصم أو عدو تتوهمه.
لنأخذ، على سبيل المثال، ثلاثة نماذج من مناطق مختلفة في العالم: الأولى من العالم العربي، والثانية من إفريقيا، والثالثة من آسيا.
بالنسبة للعالم العربي، اختارت منظمة "مراسلون بلا حدود" ليبيا لتقول أنها سجلت "نصرا تاريخيا" بتسجيلها 23 درجة، وتضعها في الرتبة 131، علما بأن ليبيا لم تخرج من نفق الديكتاتورية الفظيعة إلا في السنتين الماضيتين، وكانت الحياة العامة فيها خاضعة لقمع رهيب، وعلى الخصوص مجال الصحافة والإعلام الذي كان مكبلا بمفاهيم "الكتاب الأخضر" الذي لن يستطيع التزحزح عنها قيد أنملة، أما حرية التعبير، فهي آخر شيء كان يمكن أن يخطر على بال النظام البائد.
إذن، كيف يستطيع بلد ما زال منشغلا بمداواة آثار الجراح الغائرة التي خلفها نظام القذافي، أن يتخلص دفعة واحدة من تداعيات عقود طويلة من القمع والتعسف والقهر، ويخرج، في لمح البصر، من عصر ظلام جماهيرية القذافي التي كانت تفرض على أبناء الشعب الليبي الاستماع فقط إلى الصوت الوحيد في الإعلام الوحيد ، ويجد نفسه ، هكذا من دون مقدمات ولا تجارب أو خبرات، يحتل مرتبة متقدمة في مجال الصحافة وحرية التعبير على الخصوص؟
إن منظمة "مراسلون بلا حدود" تعرف جيدا مدى الصعوبات التي يمكن أن تعترض بلدا من العالم الثالث من أجل "حرق المراحل" واحتلال مكانة لها تحت الشمس، وخاصة أن تسجل تطورا في مجال الصحافة وحرية التعبير. ومن المؤكد أن هذا يتطلب وقتا وجهدا كببرين .
المثال الثاني من القارة السمراء حيث اختارت المنظمة المذكورة كوت ديفوار التي عاشت، في السنوات القليلة الماضية، أسوأ أزمة سياسية في تاريخها، تحت رحمة الرصاص والانفلات الأمني والانقلابات والانقلابات المضادة التي كادت أن تعصف بكيان الدولة، وتجعلها "مراسلون بلا حدود" تحقق "تقدما صاروخيا" في مجال حرية الصحافة بنسبة 36 درجة وتبوأها الرتبة 96 عالميا .
لا نعرف إن كانت هذه المنظمة تهزأ من كوت ديفوار أم من الأفارقة أم من بلدان العالم الثالث ؟
النموذج الثالث من القارة الأسيوية، وتحديدا أفغانستان التي تعيش على إيقاع حرب لم تنته بعد، بل إنها لا تكاد تخرج من حرب إلا وتجد نفسها أمام حرب أخرى ،لدرجة أصبحت أفغانستان مرادفة للحرب والنزاعات المسلحة والأزمات التي غرق فيها السوفيات والأمريكيون والأوربيون والعرب والمسلمون ... هذا الوضع الرهيب دفع منظمة " مراسلون بلا حدود" للقول أن أفغانستان سجلت تقدما بنسبة 22 درجة، وتحتل الرتبة 128 من بين دول العالم.
على من تضحك "مراسلون بلا حدود" ؟ ألا يكفيها عبث "الفيفا" وتصنيفاتها العجيبة هي الغارقة إلى الأذنين في مستنقع الرشاوى بدون حدود ؟
عيب أن يتم وضع المغرب ، الذي راكم من التجارب والخبرات في مجال الإعلام، ومن المكتسبات والمنجزات في حقل الصحافة وحرية التعبير، ما يجعله من الدول الرائدة في العالم الثالث والدول السائرة في طريق النمو، في مكانة ليست مكانته ، بل يراد أن يوضع فيها لتبخيس العمل الذي قام به في هذا المجال منذ عقود.