على هامش مشاركتي في الندوة الوطنية التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بأرفود يومي 12 و 13 يناير 2013، استرعى انتباهي انشغال العديد من الحقوقيين المغاربة بمسألة التوحيد. أقصد هنا توحيد الأمازيغية بكل لغاتها في المغرب. فلاحظت أن هناك نوعين من الآراء والتمثلات حول هذا الموضوع: أولاها هي التي تعتقد بضرورة الانطلاق من الجهات والتمتع بالحقوق اللغوية الجهوية (الريف، سوس، الأطلس، الصحراء)؛ وثانيها تلك التي تعيش نوعا من الاستسلام بما يروج له دعاة الحركة الأمازيغية –أو بالأحرى المتطرفين منها- دون فهم ودون إدراك البعد التوحيدي الذي يعد آلية سياسية تنتج خطابا وفكرا متطرفا أكثر مما تنتج لغة وثقافة !
كما لاحظت أن غالبية المغاربة هؤلاء، يعتقدون أن هناك لغة أمازيغية "محنطة" و "قديمة" تعد اللغة "المعيار" !؟
والحقيقة –حقيقة الواقع- أن لا وجود لتلك اللغة أبدا... وما محولات المعيرة والتوحيد اللذين استفرد بهما المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمغرب سوى اجتهادات ينبغي التوافق حولها أولا ومناقشتها مناقشة علمية بعد ذلك.
ولفهم قصدي هنا بالمناقشة والتوافق، ينبغي الرجوع إلى أشغال الندوة أعلاه التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال هذه السنة. فخلال تلك الندوة طرحت تحليلات مسؤولة ومتعددة لا تمت بصلة لتلك التصورات المتطرفة التي تنشر بين الفينة والأخرى على أعمدة "جرائد معينة..."
إن الخوض في غمار التأسيس الفكري في مشروع ما ينبني بالأساس على معرفة الواقع والأحداث، ويتطلب البحث في عمق المخيال الشعبي والجماعي للساكنة ... أما القرارات التي تخرج وتصدر من الصالونات المكيفة ومن صالات المعاهد "المشكوك" في اشتغالها وفي مصداقيتها، فهي –لا قدر الله- قد تؤدي إلى عواقب وكوارث وخيمة.
وأقول هنا وبكل مسؤولية أنه لم يعد في المغرب مواطنون يضحك على ذقونهم باستعمال خطابات مجازية واستعارات بلاغية قد لا تخدم إلا مصالح أصحابها أو مصالح فئات أو إثنيات معينة. ولندخل الآن إلى صلب الموضوع، إذ أننا نجد من بين ما يكتب عبارات على سبيل المثال لا الحصر: "الاتفاق مع مبادئ الحزب والإلتقاء مع أسس التعددية والغنى الثقافي والحضاري للمجتمع المغربي"، أو "المبادرة تنبع من قناعات مبدئية راسخة لدى الحزب"؛ أو " مما يجب أخده بعين الاعتبار تجاوز الاعتبارات السياسية الضيقة"؛ أو غيرها من العبارات والجمل التي تتردد على مسامع المتتبعين ؟أو قارئي الصحف!! كلها جمل فضفاضة، قد يكون لها معنى وألف معنى؛ كلها معاني قد تختلف حسب المصلحة السياسية والإيديولوجية المنشودة. العديد من العبارات التي كانت إلى حد قريب تؤدلج للعربية والسياسة التعريبية أصبحت تعاد وتكاد تنتج نفس المعاني، مع فرق بسيط: استبدال كلمة عربية بكلمة أمازيغية، واستبدال عروبة "بمزوغة"، وتعريب "بتمزيغ"!؟
لكن ثمة فرق جوهري، ألا وهو أن دعاة التعريب يكتبون بالعربية، أما دعاة الأمازيغية والتمزيغ، فهم يكتبون كذلك بالعربية، بل يتفننون فيها ويتقنونها ربما أفضل من العرب أنفسهم…
إن الدولة المغربية، بإقرارها "اللغة" الأمازيغية في دستور 2011 تسير بالمغاربة إلى إنزلاق ايديولوجي خطير. لقد كرس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هذا الانزلاق منذ تأسيسه؛ وذلك بخلقه لأسطورة إسمها "المعيرة" و "التوحيد" … فلا وجود في الواقع للغة أمازيغية، بل يراد من خلالها النضال "الأمازيغي" أن "تتوحد" وتصبح "شبيهة" "وندا" و "متساوية" مع اللغة العربية !؟ وهنا تكمن الخطورة على المستوى المتوسط والبعيد: كيف ذلك:
1) لابد أن أؤكد على أن الخطاب الأمازيغي في مجمله، هو نفس الخطاب القومي العربي الوحدوي الذي يعتمد على اللغة والأسطورة والإيديولوجيا، لكنه مغلف بالطابع الأمازيغي فقط ، وتفسير ذلك يرجع إلى كون النخب الأمازيغية المناضلة في الحركة الجمعوية الأمازيغية، كلها كانت من قبل ضمن خلايا اليسار العروبي المتطرف بالمغرب وكانت متشبعة بالخطاب القومي العربي ( تأثير مهدي وأتباعه)، ولما استفاقت هذه النخب عند بداية التسعينات وأسست الحركة الجمعوية الأمازيغية وأغرقتها بخطاباتها الوحدوية القومية ( ويمكن هنا أن نستدل بكل الأسماء الحقوقية والجامعية آنذاك في كل من أكادير والرباط والناضور ووجدة، إلخ…). وللمزيد من التوضيحات يمكن للقارئ أن يرجع إلى كتابنا في هذا الشأن" الأمازيغية بصيغة المفرد أو أسطورة الوحدة اللغوية الأمازيغية بالمغرب".
2) إن السياسة اللغوية المتبعة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من ضروب السياسات الشمولية، ومهندسوها هم "أشباه مناضلين" تتحكم فيهم "لوبيات" إدارية باسم العلم واللسانيات والسوسيولوجيا، ولا أدل على ذلك من انسحاب 06 ستة أعضاء من مجلسه الإداري منذ تأسيسه تقريبا من جهة، ثم إفقاره بطرد أو استقالات مطبوخة العديد من باحثيه الغيورين الحقيقيين على الثقافة الأمازيغية... ولا يعدو أن يكون "الإركام" حاليا مجرد بناية في منتهى البذخ لكنه أجوف ولا ينتج إلا تلك السياسة التقزيمية للهوية الأمازيغية والمغربية... نذكر في هذا الصدد بأن كلمة "اللغة الأمازيغية" لم تذكر قط في الظهير المؤسس لهذا المعهد، ولا لفظ "المعيرة" البتة !! ورغم ذلك فقد تم خلق -مجلس إداري أو مجالس إدارية- مفبركة من أجل التصفيق على السياسة "الإركامية" !!
3) إن "المخزن" المغربي باق وحي، وقد عرف كيف يخلق نخبا جديدة تبهرج لخطاباته؛ بل إن العديد من الدلائل والإثباتات المادية الملموسة تظهر بدون شك كيف أبدعت "الماشينا" المخزنية رجالات السنة، وزعماء الفكر ومنظري اللغة والثقافة الأمازيغيتين عن طريق الإعلام والترويج لمنشورات وكتابات أغلبها من إصدارات "الإركام"، أي من أموال دافعي الضرائب! وذلك بشهادة العاملين والباحثين بذات المعهد أنفسهم.
4) يجب أن يعي المواطن المغربي بأن الثقافة لا تختزل في" الكسكس" و " أحواش" و "رأس السنة" !؟ وقد "عشنا وشفنا " كيف أن مغنيين وراقصين – فنانين بالطبع - لكن أصبحوا رجالات سياسة وفكر بقدرة قادر، وأصبحوا يوزعون "صكوك الفكران " على وزن " الغفران" وظلوا يوجهون السياسة الفكرية بل ويقترحون آرائهم في البرلمان !؟ قد يقول قائل بأنها الديمقراطية ! نعم، ديمقراطية الدول والشعوب المتخلفة والجاهلة والجائعة !! وبذلك، فالأمازيغية – وأقول هذا بحسرة شديدة – تستغل اليوم لدى العديد من المؤسسات والأحزاب لا من أجل "سواد عيونها"، لكن من أجل شغل الرأي العام المغربي عن القضايا الجوهرية من قبيل إخفاقات السياسة العامة للدولة في كل المجالات بصفة عامة، ومن قبيل إخفاقات حكومة ما بعد ما يسمى بالربيع "العربي" ببلاد المغرب... ونحن بصدد كتابة هذه السطور، أتلقى من جديد نبأ موت أطفال وشيوخ تحت الثلوج بالأطلس وخبر اعتقالات ومحاكمات مطرودين من العمل بفنادق وارزازات و...و... ودر الرماد في العيون!! ولعمري، إن كل هذا يدحض فكرة كون الشغب المغربي واحد من أذكى شعوب العالم!؟
5) أصادف غير ما مرة في الصحف الوطنية مقالات عن "الحقيقة التي يجب أن تكون عليها الأمازيغية ببلاد المغرب" ...على صفحات "الأحداث المغربية" أو "الصباح" أتساءل من يمتلك تلك الجرأة حتى يدعي أنه أب تلك "الحقيقة" ومن أين استمد حقيقته تلك؟
فمن قائل في استجواب ما "أن هناك أحزاب حليفة للحركة الأمازيغية" !! ثم من يقول "أن طغيان الإيديولوجيا في النقاش هو الذي أدى إلى خلط الأوراق من قبل السلطة في سياستها اللغوية منذ نصف قرن..." إلخ.
أقول في هذا الصدد أن هناك العديد من المغالطات التي وللأسف أصبح المواطن المغربي يسلم بها ويقبلها وكأنها حقائق.