انتقل الحديث عن وضعية صناديق المحاكم من الاختلاس إلى "الخصاص" في عدد من صناديقها، حيث كان وزير العدل الأسبق المرحوم محمد بوزبع قد أكد أمام مجلس المستشارين في شهر يناير 2003 :" أن هذه الصناديق لم تكن تخضع لمراقبة قانونية منتظمة قبل سنة 1998، إلا أنها أضحت مهيكلة، وأن المبالغ المختسلة تقدر ب31 مليون درهم، أي 3 ملايير و 100 مليون سنتيم".
أما وضعية هذه الصناديق مابين الفترة الممتدة من سنة 2008 إلى 2012 فإن 15 صندوقا من أصل 131 صندوق خضع للمراقبة عرف "خصاصا في المبالغ" وصل إلى 4234126,38 درهم، استرجع منها .
034.479,93 درهم، ليتبقي 1.199.646,45 درهم. وبحكم أنني لا أُجيد فهم المصطلحات القانونية فإني أتساءل عما إذا كانت عبارة "خصاص في المبالغ المالية" تندرج ضمن الأفعال المُجرَّمة بمقتضي القانون الجنائي، خاصة أنه سبق أن أحيل مشتبه فيهم على القضاء ليقول كلمته فيهم بمجرد العثورعلى الخصاص إثر تقرير للمفتشية العامة لوزارة العدل آنذاك، أم أن الأمر مجرد خطإ يندرج في سياق المخالفات الإدارية التي تستلزم بدورها اتخاذ التدابير اللازمة وترتيب النتائج تمشيا مع مقتضيات القوانين الجاري بها العمل، خصوصا في ظل دستور 2011 الذي يتحدث عن الحكامة، وترتيب المسؤوليات، ويُرسخ سواسية المواطنين في الحقوق والواجبات. إن وضعية صناديق المحاكم بالمملكة التي تعني أيضا وزارة المالية "الخزينة العامة وإدارة القباضة والأملاك المخزنية" تحتاج إستناذا إلى المعطيات الآنفة الذكر إلى وضع النقط على الحروف، انسجاما أيضا مع "مشروع مخطط إصلاح منظومة العدالة"، الذي تتزعمه وتشرف عليه وتحتضنه وزارة العدل والحريات، وذلك من خلال مسح شامل لوضعية هذه الصناديق بمختلف المحاكم والأقسام والمراكز القضائية، ودعوة المسؤولين المباشرين عن المحاكم بتحمل مسؤولياتهم الإدارية، سواء من حيث تتبع ومراقبة المداخيل أو المحجوزات التي يمكن أن توضع بين يدي المسؤول عن صندوق المحكمة أو يعين لها شخص من خارجها "وزارة المالية".
كما يتعين إعادة النظر في التداخل بين وضعية القابض/المسؤول عن الصندوق الذي يمكن أن يكون موظفا تابعا لوزارة العدل أو موظفا تابعا لوزراة المالية، فضلا عن ضمان التَّنسيق المحكم بين مسؤولي المحاكم وكل من إدارة الأملاك المخزنية والوكيل القضائي للمملكة في تصري الأموال العامة، خاصة ما يتعلق بالمحجوزات التي يمكن أن تكون ثمينة وذات قيمة مالية. في هذا السياق يفترضأن تشكل وزارتي العدل والحريات والمالية لجنة مشتركة لتصفية ونفض الغبار عن المحجوزات بالمحاكم والتي تعد قيمتها بملايين الدراهم. إن وضعية مراقبة صناديق محاكم المملكة تحتاج إلى تسمية الأشياء بمسمياتها القانونية، وتحديد المسؤوليات التي لا يجب أن تلقى فقط على صغار الموظفين المسؤولين عن الاختلاس أو التبديد أو مجرد خطأ، علما أننا تتبعنا ملفات لم يكن أصحابها يخضعون للمراقبة، أي أن المسؤولية تمتد أيضا إلى الجهة الوصية عن المحكمة وأجهزة المراقبة.