من المعروف أن قضية سبتة ومليلية تعتبر أحد أبرز الملفات الشائكة والمعقدة بين الرباطومدريد، حيث يتحاشى الطرفان إثارة الموضوع من أجل الحفاظ على التعاون المشترك والمصالح القائمة بينهما. حيث تشهد مدينتي سبتة ومليلة الخاضعة للسيادة الاسبانية أزمة اقتصادية غير مسبوقة في ظل الإجراءات والقيود التي فرضتها الرباط على حركة البضائع وتشديد الإجراءات على المسافرين لدخول المدينتين التي تعتبرهما الرباط محتلتين بموجب انها تقع داخل التراب المغربي. هذا الخناق المفروض من الرباط على المدينتين المحتلتين إنما جاء بناءا على صفقات ضمنية ماوراء الكواليس بين الرباطومدريد للتفاوض حول عدة قضايا مشتركة أهمها ملف ترسيم الحدود البحرية للمغرب بمياه الاطلسي والذي يخفي وراءه صراعا صامتا على ثروات المحيط الأطلسي والتي تتداخل مع مياه جزر الكناري والصحراء المغربية ، ولأن المغرب كان سباقا في ترسيم حدوده البحرية الاقليمية وبسط ولايته القانونية عليها بناءا على قانون البحار الدولي، فاءن إسبانيا حشرت في زاوية ضيقة ولم تترك لها الرباط خيارات كثيرة للمناورة وهذا ماجعل الوزيرة الاسبانية الاشتراكية أرانشا غونزاليس أن تعترف رسميا بحق المغرب في تنفيذ هذا الترسيم مشيرة إلى الإجراء الإسباني للحفاظ على قنوات حوار مفتوحة مع الرباط في انتظار معرفة كيف تقترح تعيين الحدود. وطرحت المتحدثة باسم ائتلاف حكومة الكناري، آنا أوراماس، استجوابا في مجلس الشيوخ الإسباني لرئيسة الشؤون الخارجية، أرانشا غونزاليس ليا على القرار المغربي في تعيين حدوده البحرية، وانتقدت قرار مدريد على الاعتراف بحق الرباط في بسط ولايته القانونية على مياه الأطلسي وقالت أوراماس لوزيرة الخارجية أنت تقولين إن المغرب مارس حقه في تعيين حدود مياهه، فلماذا لا تمارس إسبانيا هذا الحق؟ مضيفة: كونوا سباقين، لا يتعلق الأمر بانتظار المغرب لاتخاذ قرار، وقد تجنبت وزيرة الخارجية الإجابة على هذا السؤال. إضافة إلى وضع اقليم كتالونيا الذي يطالب بالانفصال عن إسبانيا، والرباط كانت دائما مساندة لمدريد في وحدة الاراضي الاسبانية حيث ربطت الرباط مشكل كتالونيا بمشكل الصحراء المغربية،علما أن مسارات طبيعة النزاعان مختلفة. ومن جهة أخرى فاءن الحكومة الاشتراكية الجديدة في مدريد غير راضية على النتائج الانتخابية الأخيرة في سبتة ومليلية المحتلتين التي صوتت لصالح حزب Vox اليميني المتطرف وكأن مدريد تعاقب المدينتين على اختيارهما لحزب يفكر بطريقة قرسطوية ولايخفي اجنداته وبرامجه في معاداة المهاجرين والأجانب والإسلام فوبيا عموما كما يعتبر الحزب تهديدا وجوديا للنظام الديمقراطي الإسباني الذي شهد مخاضا عسيرا للخروج من ربقة العهد الفرنكوي الفاشي الذي لازال يرخي بظلاله إلى الآن على المناخ السياسي بالجزيرة الايبيرية. ليس هذا فقط بل أن حتى الرباط غير راضية على النتائج الانتخابية التي حصدها Vox بالمدينتين والتي حصد مقاعدها بفضل تصويت مسلمي المدينتين للحزب في صورة سياسية أقرب إلى للسوريالية ،فالإسبان بدورهم تفاجئوا بحصول Vox على أصوات الناخبين المسلمين داخل المدينتين أغلب سكانها مسلمين . وقد انتقدت رئيسة حزب الكرامة والمواطنة الاسباني السبتاوي المحامية فاطمة حسين حامد سكوت سلطات مدريد على الإجراء المغربي الذي ضيق الخناق على سبتة على هامش اللقاء الأخير الذي جمع بين وزير الداخلية الاسباني الاشتراكي مارلاسكا ووزير الداخلية المغربي لفتيت ، واللذان شددان على أهمية التعاون الأمني بين المملكتين دون التطرق إلى وضع سبتة ومليلة المحتلتين من الناحية الاقتصادية،بل على العكس من ذلك فاءن مارلاسكا ثمن جهود المغرب في محاربة الإرهاب والهجرة الغير الشرعية وعلى العلاقات القوية و المتميزة التي تربط بين البلدين. هذه التطورات جعلت من حكومتي سبتة و ومليلة إلى إقرار جملة من الإجراءات لإنقاذ ما وصفته بالوضع المقلق الذي ترتب عن قرار الرباط من جانب واحد، ومن بين هذه الاجراءات والقرارات الجديدة التي توصل إليها رئيسي حكومتي سبتة ومليلة البحث عن حلول جذرية تكون بديلة لإبعاد المدينتين عن تبعية الرباط وربط العلاقات بشكل أكبر مع باقي المناطق الإسبانية خاصة بإقليم الأندلس وخلق نموذج اقتصادي محلي يعطي الاستقلالية للمدينتين بعيدا عن حسابات حكومة مدريد الاشتراكية. وبالتالي فاءن الطبيعة الائتلافية التقدمية اليسارية للحكومة الإسبانية الجديدة سيجعلها تتبنى سياسة خارجية توافقية مع الرباط تجاه هذا الملف وغيرها من الملفات ، فالسياسة المثلى لمدريد هي تنمية علاقاتها مع الرباط لاسيما في الجانبين الاقتصادي والأمني.