هل الهالة التي تحظى بها بعض المهرجانات التي تقام تحت الرعاية السامية تستمد روحها من إحترام المغاربة لجلالته لما يوليه من إهتمامه المعهود لترسيخ مكانة المغرب الرائدة الثقافية والفنية والرياضية والسياحية ومجالات كثيرة ، أضحى بفضلها بلدنا قبلة للعديد من الدول العالمية ، هي السبب في توخي الحذر من تشخيص بعض حالات الإختلالات التي تسيئ للمغاربة والمغرب ؟ هل هذه الرعاية المولوية ، تجعل إنتقاد التدبير والتسيير الذي يسيئ أصلا إلى روح الرعاية السامية أمرا عسيرا ؟ ثم هل الرعاية السامية التي شملت مهرجان الفيلم بمراكش _ وهو بطل عصير كاب لهذه الحلقة المزعجة _ _ لم تمسسها لسنوات متتالية إختلالات ظلت متوارية إحتراما لإسم ملكنا الهمام ، فتجد الإطناب في المجاملات والتمجيد والتبجيل والتهليل الأجوف لمنظومة تنظيم المهرجان الفاشل من حيث الإدارة المالية ، والتأطير ، واللوجستيك ، بل وكل مايمت بصلة للمسة المغربية الحقيقية في هذا الملتقى السينمائي العالمي ,, أذن آجيو نشوفو علاش وكيفاش ، وهل نحن على حق في ملتمسنا الرامي إلى تفضل الديوان الملكي بسحب الرعاية الملكية عن مهرجان يميل إلى الفشل أكثر منه إلى نجاح يليق بهوية بملك وشعب . إنطلقت ولادة هذا المهرجان الدولي للفيلم الدولي سنة 2001، وعقد المهتمون المغاربة الأمل ليصبح من أهم المهرجانات بدول حوض البحر الأبيض المتوسط ، واستقطاب كبار السينمائيين والإهتمام بالسينما الأوربية والهندية والعربية والأمريكية ، وتوالت الدورات إنطلاقا من الأولى التي عرفت تكريم وجوه فرنسية " كالمخرج "كلود لولوش" والعربي الممثل العالمي الراحل " عمر الشريف " وبعدها تواترت الدورات ، وصمت حينها النقاد عن الهفوات باعتبار المهرجان حديث الولادة ، وأن البعد المتوخى منه يدفع الجميع للتكتل ليتمكن من الإستمرار ، لما له من أثر إقتصادي وسياحي ، غير أن صمت النقاد لم يستطع المواصلة ، وبدأت تتناسل باذئ الأمر على مستوى هشاشة مشاركة الأفلام العربية في الدورة 16 بعد أن ضمت الأفلام المتنافسة 14عملا أجنبيا فقط دون فسح المجال للأفلام العربية لتقول كلمتها ، وارتفع سقف الإنتقاد العلني منه والمكشوف ، فانفجرت ينابيع النقد اللاذع من خارج المغرب وتواصلت داخله ، إلى أن إعترف منظمو المهرجان بذنبهم وأوقفوه سنة 2017 لدراسة الهفوات وتغيير المنكر الذي ساد السنوات الماضية ، وإيقاف نزيف هدر الأموال يمنة ويسرة ، والبحث عن إمكانيات المصالحة مع الذات ووسائل الإعلام ، وكل من قال كلمة حق في شأن إنقاد ماء وجه المغرب اتجاه المهرجان . سنة 2018، عادت أقدام كبار فناني العالم لتطأ على السجاد الأحمر بمراكش ، وبدا المهرجان السينمائي متحمسا لطي إختلالات الماضي ، وتطويق الرعاية الملكية بما يجب من تدبير معقلن ، غير أن إستقطاب كبار الفنانين _ كما يقول كبار النقاد السينمائيين _ بغض النظر عن النقاد المدعويين ، أن المعيار الحقيقي لنجاح المهرجان ليس بالضرورة نجومية الفنانين ، بل إن محتوى البرمجة واختيار أفلام المسابقة وقوة الجانب التنظيمي واللوجستي ، وامتداد المشروع في محيطه المحلي وعلاقاته بالجمهور هو الأهم، ورغم طلاق المهرجان من التسيير المشترك مع مؤسسة أجنبية والإقتصار على الكفاءات الشخصية للمنظمين ،ورحيل المدير السابق الذي ترك أثرا طيبا إلا في نفوس من أرادوا له الرحيل ، فإن الإنتقادات السالفة بشأن السينما المغربية والعربية ظلت في تصاعد مثير تفوه بها حتى من كانوا من ضمن المشاركين. وحلت الدورة الحالية " 18 " حاملة معها أحلاما وردية ، سرعان ما تبخرت ، ولم يكن مرحبا بالنقاشات المتحضرة وتبادل الأفكار بالشكل المنتظر ، بل ظهر تفاوت قدرات الإدارة الفنية التي خرج بعضها عن السيطرة ، وبدأ الجميع يشم رائحة فرنسة المهرجان ليصبح نسخة ثانية لمهرجان " كان " الدولي " سواءا من حيث التأطير الإداري أو التسيير ، ولم يعد للتعددية أي دور يذكر عدا محاولات بين الأطراف للهيمنة ، وتغييب جد ملحوظ للمثلين المغاربة الكبار . أما النقاد المشاركون ، فقد نأووا بأنفسهم بذكاء عن إنتقاد التسيير والتدبير ليضمنوا عودتهم في المهرجانات القادمة ، وأطلقوا العنان المبالغ فيه أحيانا لإنتقاد بعض الأفلام حتى المتكاملة منها لإظهار براعتهم ، أما الصحافة الفرنسية الأوفر حظا من الإعلام المغربي ، فإنها تروج للأفلام الفرنسية إستعدادا لخروجها لقاعات البلد الأم ، أكثر من تركيزها على الأفلام المغربية أو العربية أو الإفريقية بصفة عامة ، وهذا ما يوحي بعودة الإستعمار الفرنسي على المستوى الفني بعد أن تمكن من الإقتصادي رغم تدهور العلاقات مؤخرا بشكل ملحوظ ، وإشهار الحرب الباردة بعد أن إستقبل الإعلام الفرنسي خلال هذا الأسبوع الإنفصالية أمنتو حيضر ولم يستحيي من تسميتها "بغاندي الصحراء "، وتوفير الفضاء الكافي لها لقصف المغرب كرد فعل لرفض المسؤولين المغاربة قبول عرض فرنسا بخصوص مشروع القطار السريع " مراكشأكادير " والتوجه صوب السوق الصينية. وخلاصة القول، لامعنى لمهرجان دولي تصرف عليه أموالا باهضة ، ويكلل برعاية ملكية سامية ، ويقام على أرض مغربية ، ولايغذي دورة الصناعة السينمائية المحلية ، ولم يستطع البتة تجاوز التعثرات السابقة ، بل تراكمت نقائصه أكثر مما سبق ، ولم يستطع المنظمون كما يقع بباقي المهرجانات الدولية إستقطاب الأفلام التي تعرض لأول مرة ، وولادة الظاهرة الجديدة المتمثلة في إستدعاء وجوه معروفة على مستوى التواصل الإجتماعي التي أولت الإهتمام لعروض الأزياء ، وظلت المبررات الجاهزة كل مرة بشأن التساؤل عن غياب الأفلام المغربية ، كون المخرجين تماطلوا في عمليات المونتاج _ بحسب الممثل دادس _ وإنتقاد ه أيضا للمركز السينمائي المغربي الذي لايدعم بالشكل الكافي ، كما أن الأفلام المغربية التي عرضت من العار والعيب أن تقدم على أنها تنافس الأفلام العالمية ، وغياب التواصل الإعلامي في مستوى الحدث لتكليف شركة لازالت بينها وبين العمل التواصلي سنوات ضوئية ، وتركيزها على عائداتها المالية والربح المنتظر الذي ستخصم منه الفائدة المتفق عليها مع من ساعد على تمرير الصفقة أما إن تحدثنا عن نجاح معين ، فلا يمكن نكران ماقدمته العناصر الأمنية من أجواء السلامة والحفاظ على أجواء مرور المهرجان في ظروف أشاد بها الجميع،والرعاية الملكية السامية السبب الأصلي في تلبية كبار النجوم للدعوة ، بينما آخرون يستغلونه لمصالح شخصية أكثر منها وطنية ثقافية ، تضيع معها النخوة المغربية ، فيصبح المهرجان إحتفالية سنوية تمرر على متنها صفقات يسيل لها لعاب الوصوليين ، وتصبح كلمة " على حساب القصر " هي السائدة لدى بعض النصابين ، وهذا ما جعلنا نلتمس رفع الرعاية الملكية عن هذا المهرجان إلى حين عودة المنظمين إلى رشدهم ، فإن توقف المهرجان سنة 2017 ، فإننا ندعوه للتوقف مرة أخرى لكن لسنوات عديدة ,,,,,