تقول النكتة والعهدة على من رواها بمتون وأسانيد متعددة أن طفلا من أبناء الشعب المقهور كان كلما جلس على قارعة الطريق إلا وسمع الكبير قبل الصغير والحليم قبل السفيه يطلق لقب " ولد الحرام " على كل ذي سيارة فارهة أو لباس نفيس أو جاه ملحوظ أو ثروة مكتسبة ، وكان لا يرى من سبقه إلى الوجود إلا ملصقا هذا اللقب الشنيع وهذه الصفة الفظيعة بكل من يمت إلى مراكز النفوذ والحكم بصلة من سلاطين وحكام ورؤساء ووزراء ومدراء وجنرالات وزبانية وهلم جرا ممن لهم يد في صنع القرارات فهؤلاء وغيرهم لم يكن الطفل الصغير يعرف عنهم شيئا سوى أنهم " أولاد حرام " ، لذلك حين سأله أحد أساتذته عن تطلعاته المستقبلية وأحلامه الطفولية أجاب ببراءة من رفع عنه القلم بأن منتهى حلمه أن يكون في المستقبل "ولد الحرام " وأن ينتمي إلى زمرة "أولاد الحرام" مادامت هذه الزمرة هي التي في نظره تحكم كل شيء وتتحكم في كل شيء رغم أنف كل شيء ولا يحكمها أو يتحكم فيها أي شيء . النكتة أو الواقعة ، لو أبعدناها عن نطاقها اللغوي وأسقطنا ما حملته من معان ودلالات وتصنيفات على واقعنا المعاش لوجدناها تنطبق عليه إلى حد كبير ولما وسعنا إلا ترديد ما يردده الشعب المصري في مثل هكذا واقع : " أولاد الحرام ما سابوا لأولاد الحلال حاجة " . فأولاد الحرام سواء في هذا البلد السعيد أو في غيره من البلدان المشابهة له في نهج السياسات المشبوهة هم أناس سارت بذكرهم الركبان حين احتكروا ما حولهم واحتقروا من حولهم ، وضربت بهم الأمثال من كل فن لما آنسوا غنى فاحشا وجاها مغريا ونفوذا مضلا ونسوا فقرا مدقعا وحاجة لا تخترع إلا ثورة وتقلب أيام دوام الحال فيها محال بإجماع السابقين واللاحقين . أولاد الحرام هم سادة العصر ، بل أسياد كل وطن ، يتلاعبون بالخيرات آناء الليل وأطراف النهار ، ماديون إلى أبعد الحدود ، وانتهازيون بلا حدود ، دينهم مصلحة بلا قيود ، وقبلتهم بنوك في الغرب تحفظ ما يهربون من أوطانهم ، شعارهم " أنا ومن بعدي الطوفان " ، فاسدون ومفسدون تجدهم في السياسة يؤسسون الحزب تلو الآخر، يباركون لكل طاغية طغيانه ، يصنعون من الحمار رمزا ومن الفيل شعارا ومن الكلب لونا ومن القرد قدوة ليتنافسوا على من يجعل من الكذب برنامجا ومن الزور والبهتان والتسويف والضحك على الذقون إنجازات ما بعدها إنجازات . وتلقاهم في الاقتصاد يحللون الأزمات ويفككون شفرات التقلبات المحرقة لجيوب وقلوب الفقراء المنعشة لأرصدة القارونات والبارونات ، لا يرون في الرشوة مهما كان حجمها ومهما ثقل وزنها إلا هدية أمرت الشريعة الغراء بعدم ردها على أصحابها حتى ولو كان بهم خصاصة ، ولا يرون في الريع إلا نهجا يضل ويشقى من لم يسر به أو يسايره . وحيثما وليت وجهك تصطدم بهم فهم في الحكم كما في الفن ، في الحكومة وفي الإعلام ، في الأحزاب وعلى مدرجات الجامعات ، يتكيفون مع كل موقف ، ويميلون مع كل ريح ويتلونون بكل لون ويلوكون كل كلام ، فتارة هم علمانيون وتارة أخرى إسلاميون معتدلون ، ومرة رفاق مناضلون ومرة أخرى جهاديون ، ... ومن سماتهم أنهم لا يخجلون !!! أولاد الحرام لا تشير إليهم الأصابع إلا بكل خير ، وويل لمن يشير إليهم بسوء أو ينعتهم بنعت قد يوافق الصواب في لقطة أو يغازل الحقيقة قضاء وقدرا ، فهم الكل في الكل ، محصنون من جميع الزوايا والنواحي ، دورهم محصنة بالعتاد والجنود ، وظهورهم محصنة بمن يملك من ذويهم الحصانة ، شهادتهم فوق كل الشهادات ، وشواهدهم وشواهد من يصلهم بهمزة وصل تقدم على كل الشواهد وتخول لهم صنع المَشَاهِد رغم عين وأنف ولسان المُشاهد . أولاد الحرام لو رمت حصر أوصافهم لما كفاني في ذلك الليل والنهار ، ولو أردت ذكر كل أفعالهم لجفت الأقلام دون بلوغ المراد ، ولو استثنيت أحدا من المعنى الذي فهمه الطفل الصغير ونقلته النكتة لاستثنيت كل من بنى مجده على أساس قوي ومتين وبوسائل سليمة ومشروعة لا وجود للأمور المتشابهة فيها ، فهؤلاء رمز الفخر والافتخار ، وهم النجوم إذا تعاندت الرؤى، لكن وللأسف الشديد أبناء الحرام ممن ذكرنا بعض صفاتهم وسماتهم لم يتركوا لهذا الصنف من الناس شيئا كما لم يتركوا لأولاد الحلال هنا وهناك شيئا ولو أن أولاد الحلال لم يتركوا لأولاد الحرام مجالا للسرقة والنهب والفساد والإفساد ، ولو أنهم ضيقوا عليهم الخناق بالتي هي أحسن طبعا لانتفت حرمة البنوة فيهم ولكان الكل أولاد وطن واحد ملؤه الحرية والعدل والمساواة وكل ما تستسيغه العقول وتطيب له الأنفس . وما أكثر أولاد الحلال حين تعدهم لكنهم عند الوقوف في وجوه أولاد الحرام قليل ...