باقي نعقل على واحد الرجل كان عندنا في الحومة وكان عندو الحظ كايثقب المعدة والمصارن ، وباقي نعقل أن هذا الرجل دعي في إحدى الليالي إلى وليمة من الولائم ، وكان هذا الرجل " مهاوش بزايد " ،شعاره " الصريط والمريط وحتى حاجة ما تشيط " ، ولأن من الأكل ما يرسل المعتدين عليه إلى غرف العناية المركزة في رمشة عين ، فإن صاحبنا وبعدما طار عقله أمام طيور محمرة من الدجاج ، شرع في ازدراد الصدور والأفخاذ وما بينهما من كبد وعظام هشة ، وفجأة أحس بشيئ حاد يجرح حنجرته وينتقل إلى جوفه لينتج له مغصا قويا وألما حادا دفعه إلى الصراخ والولولة دون شعور، فتجمع الناس حوله ، هذا يسأله مابه ، وذاك يلومه على جشعه ، والبقية الباقية محتارة في أمره ، وحين لم يستطع صبرا وجوابا ، حمله الحضور على جناح السرعة إلى مستشفى المدينة ، وهناك وبعد " دهن السير " والفحص والأشعة اللازمة تبين أن صاحبنا ابتلع عظما حادا لدجاجة محمرة ، وتبين أن العظم جرح حنجرته وأحدث ثقبا في المعدة مما استدعى إخضاعه لعملية جراحية كللت بالنجاح ، إذ استطاع طبيب ماهر في تلك المستشفى إخراج العظم المبتلع ومده لصاحبنا الذي ما زال يحتفظ به كذكرى لحادثة " أكلية " كانت سببا في التزامه بعد ذلك بحكمة " كول وقيس " وتشبته بالمثل القائل : الكرش غرارة ورباطها عقل . اليوم ومع تكرار بنكيران للازمة "العفاريت والتماسيح " الملتهمة لخزائن الدولة ،والمبتلعة لملايير الشعب ، ألفيت نفسي أستحضر حكاية الرجل مع العظم ، ومع الاستحضار تذكرت مهارة الطبيب ونجاحه في إخراج ما ابتلعه الرجل من عظم جارح ، فقلت في نفسي : إذا كان لدينا أطباء قادرون على استخراج ما ابتلعته البطون من عظام وما نسي فيها من خيوط ولوازم أخرى ، فإن الضرورة تقتضي أن يكون لدينا أيضا أطباء متخصصون في استخراج ما ابتلعته بطون المسؤولين على مر الزمان من أموال وخيرات وأوقاف وميزانيات ، وطبعا فكما أن الطبيب الذي يستخرج " المنسيات " في البطون لا يقول للمبتلع " عفا الله عما سلف " وإنما يشرع بجد في استخراج ما ابتلع حتى لا تتأزم صحته ومن ثم يفقد حياته ، فكذلك يجب على الأطباء الذين سيتخصصون في استخراج واسترجاع ما ابتلعته البطون " المسؤولة " ألا يشهروا في وجوه هؤلاء ورقة " العفو عما سلف ابتلاعه " ، حتى لا نجد أنفسنا مستقبلا في مواجهة ديناصورات تبتلع الأخضر واليابس وتلتهم كل ما تجده في طريقها ... واللبيب بالإشارة يفهم ... ولا لهلا يفهم باباه.