فجوة أمنية تسرب منها متطرف حديث الخروج من السجن، ليلتحق بصفوف «الدولة الإسلامية»، المعروفة اختصارا ب»داعش». محمد أولاد عمر، شاب ينحدر من مدينة الفنيدق، كان أول شخص يُوقف في المغرب بسبب علاقته بترحيل الشبان المغاربة إلى سوريا، في غشت 2012، وقضى في السجن عقوبة مدتها عامين، قبل أن يغادره في أواخر عام 2014. وبعد ستة شهور من ذلك، غادر هو وزوجته، الأسبوع الفائت، عبر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، ليصل إلى معسكر تدريبي تابع لتنظيم «داعش». وقال مصدر من السلطة المحلية بالفنيدق، «إن محمد أولاد عمر غادر الأسبوع الفائت بمعية زوجته إلى سوريا دون أن يكون قد أودع طلبا لدى المصالح المختصة عقب خروجه من السجن، للحصول على جواز سفر». ويشير المصدر نفسه إلى أن «أولاد عمر لجأ في غالب الأحوال إلى استعمال جواز سفره القديم، الذي كان بحوزته قبل أن يلقى عليه القبض في 2012، ونجح بواسطته في العبور بمطار محمد الخامس». وتؤكد مصادر بالشرطة أيضا «سفر أولاد عمر إلى منطقة تابعة ل «داعش» في سوريا أو العراق»، لكنها تكشف أن «التفاصيل المرتبطة بسفره ما زالت موضع تحقيق». وتبقى الرواية الأكثر ترجيحا حول سفر أولاد عمر مغادرته التراب الوطني مستعملا جوازا قديما، غير أن مسؤولا بالشرطة يقر بأن «حتى استعماله لهذا الجواز ليس وسيلة تخفّ مناسبة، لأن اسم المعني بالأمر يجب أن يظهر في الحاسوب، وأن يطلق صفارة الإنذار، لكن لا شيء من ذلك حدث.. هنالك مشكلة ما في تحديث المعطيات وربطها بالمعلومات العدلية للأشخاص، وقد تسلل أولاد عمر من هذه الفجوة بشكل مؤكد». وعادت «ظاهرة» سفر الشبان المغاربة نحو مناطق التوتر في سورياوالعراق إلى البروز مرة أخرى في الشهرين الماضيين، بعد خفوتها لنحو عام من الوقت بسبب تشديد السلطات الخناق على المرشحين المحتمل التحاقهم بتنظيم «داعش». وسجلت مصالح الشرطة في هذا الشهر وحده مغادرة نحو 10 أشخاص ينحدرون من مناطق مجاورة لمدينة تطوان. وتطرح هذه العملية شكوكا حول قدرة حواسيب الشرطة في الحدود على تعقب وكشف المتطرفين المرشحين للالتحاق بمناطق التوتر، خصوصا أولئك الذين لديهم سوابق في قضايا الإرهاب، وأولئك الذين لا زالت العقوبات السجنية التي قضوها لم يشطب عليها بمقتضى رد الاعتبار. وبحسب القانون، فإن رد الاعتبار فيما يخص العقوبة بالحبس لمدة لا تتجاوز سنتين لا يكون بقوة القانون سوى بعد انتهاء أجل عشر سنوات من خروج المعني من السجن. ولا يمكن طلب رد الاعتبار في هذه الحالة قبل انصرام أجل ثلاث سنوات على مغادرة السجن. ويرفع هذا الأجل إلى خمس سنوات في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية. وتوبع أولاد عمر في 2012 بتهم زعزعة أمن الدولة وتكوين عصابة إجرامية ضمن تهم أخرى، وأدين بالسجن عامين نافدة. وبعد خروجه، عاد لعمله كتاجر في إحدى الأسواق الرئيسية بمدينة الفنيدق. وبالرغم من أن أولاد عمر كان يتمسك بالبراءة من كل الأفعال المنسوبة إليه، إلا أنه لم يظهر أي علامات على وقوع مراجعات بشأن تفكيره الجهادي. وكان معروفا برسائله من داخل سجن سلا 2 إلى الجهات المختصة، يستفتي بواسطتها حول سلامة «الجهاد في سوريا». وقد وجه في يوليوز 2013 رسالة إلى المجلس العلمي الأعلى، نشرتها على موقعها في الإنترنت، اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، وكان عضوا نشيطا فيها قبل سجنه، يقول فيها «أفتى علماء المسلمين في كل بقاع الأرض بوجوب نصرة المستضعفين من أبناء الشعب السوري الأعزل.. فما كان من المغرب إلا أن أعلن غير ما مرة وقوفه إلى جانب الشعب السوري، كما استضافت مدينة مراكش المؤتمر العالمي لأصدقاء سوريا. وأمام صمت المجلس العلمي الأعلى، ظن الجميع أن المطلوب من كل أبناء الأمة الإسلامية المسارعة إلى نصرة المسلمين في سوريا، ولم يتوقع أحد أن المغرب سيشكل الاستثناء كعادته، ويمنع الشباب من الهجرة إلى سوريا، بل ويقوم باعتقال العشرات من الشباب الذي ضحى بأهله وماله من أجل دينه وأمته». ثم تساءل: «هل الجهاد في سوريا واجب والصد عنه صد عن سبيل الله؟ أم أن مجرد التفكير فيه جريمة وإثم يستحق صاحبه السجن والاعتقال؟». ويقول سلفيون يعرفون أولاد عمر إن «الشاب لم يتغير بعد خروجه من السجن بالمرة، وظل متشبثا بمواقفه بشأن الجهاد في سوريا، والولاء لما يسمى ب»الدولة الإسلامية»، بل وأصبح بعد الإفراج عنه أكثر احتياطا في تعاملاته، وقليل الحركة، وغيّر محل سكناه». وأوقفت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في فاتح غشت 2012، أي بعد أربعة شهور من وصول أول شاب مغربي إلى سوريا وانضمامه إلى جبهة النصرة آنذاك (عبد العزيز المحدالي من الفنيدق)، كلا من محمد أولاد عمر ومحمد ياسين الشعيري، وكانا يعملان معا كتجار صغار، قبل أن يسافر الشعيري إلى سوريا ويضطر للعودة لبلاده. لكن سرعان ما عاوده الحنين إلى رفاقه الموجودين في «الدولة الإسلامية»، فخطط السفر مرة جديدة بمساعدة من أولاد عمر، لكن الشرطة أوقفت مطامحهما. ولا يزال الشعيري في السجن حاليا.