الملك محمد السادس عاشق للسينما وقريب من عمالقة الفن السابع، الذين أصبحوا ضيوفا على مهرجان مراكش، وأكثر قربا من الفنانين المغاربة ومن السينما المغربية. للملك أيضا شغف خاص واطلاع واسع بالفن التشكيلي، الذي يقتني لوحاته،ويحمل الكثير منها توقيع فنانين مغاربة.
الفن السابع والتشكيل هما المجالات الأقرب إلى محمد السادس، لكنهما لم يغطيا على ذوقه الموسيقي واهتمامه بالمسرح. في هذا المقال محاولة للنبش في حياة الملك الفنية، كما تعكسها حكايات فنانين عرفوا الملك عن قرب، حكايات لا تخلو أحيانا من مواقف طريفة.
عاشق كبير للسينما الأمريكية ولا يحب الدبلجة "لحسن حظكم، عندكم ملك يهتم بالسينما مش زي عندنا"، الجملة هنا لهرم السينما المتمرد من بلاد الإهرامات وعمالقة الفن السابع، الراحل يوسف شاهين، والمناسبة مهرجان مراكش السينمائي الدولي في دوراته الأولى.
عندما وشحه الملك محمد السادس بوسام التكريم، وجد شاهين نفسه تحت تأثير اللحظة، فجأة وهو يخاطب الملك:"أريد أن أسلم عليك لأشكرك، ماذا سأفعل؟"، فأجابه الملك باسما:"يكفي أن تصافحني بيدك".
اسم آخر من عمالقة هوليود هذه المرة، فبعد مرور خمس وعشرين سنة، سيتمكن المخرج العالمي مارتن سكورسيزي من تقديم شكره للملك، لأنه صور فيلمين في المغرب أحدهما "آخر إغراءات المسيح" سنة 1988، ولأن الرجل واحد من الأسماء السينمائية المفضلة عند الملك محمد السادس، فقد فكر هذا الأخير في أن يكون تكريمه تكريمين، من خلال مفاجأته بحضور مجموعة ناس الغيوان التي استوحى منها موسيقى فلمه "آخر إغراءات المسيح" عن طريق الصدفة، حين قاده الأرق في الثمانينات إلى الانتقال بين قنوات التلفزيون، قبل أن يقف مشدوها أمام فيلم مغربي لأحمد المعنوني بعنوان "الحال" الذي رصد فيه حياة هذه المجموعة وجولاتها الموسيقية.
سكورسيزي لم يخف اندهاشه حين اكتشف من خلال حديثه مع إحدى الأميرات أنها تعرف كل أفلامه وسبق أن شاهدت جلها.
المقربون من الملك محمد السادس بكل تأكيد لن يصابوا بدهشة سكورسيزي، فالملك من عشاق السينما الأمريكية، ويفضل مشاهدة أفلامها بلغتها الأصلية، ولا يحب الأفلام المدبلجة، ومن نجومها يفضل كذلك شين كونري.
"الراي" ويوم انفجر الملك ضحكا بسبب "المخزن" بعيدا عن السينما، لمحمد السادس ذوق موسيقي خاص، لعل أبرز عنوانه هو جوني هاليداي، الذي راقت موسيقاه منذ الطفولة، ويظل هاليداي صديقا للملك بعد أن كان صديقا لوالده الملك الراحل، وهناك أيضا مغني الراي الشاب مامي، الذي قال عنه الملك محمد السادس في تصريح ل"لوفيغارو" إنه "يستمع إليه إلى جانب كل الألوان الموسيقية الحالية"، لكن هذا لا يعني، يقول مصدر مطلع، أن الملك محمد السادس لا يستمع لألوان موسيقية أخرى، وكونه أعطى هبة مالية في إحدى دورات مهرجان موازين لمجموعات شبابية وكذلك لجوديا بلكبير عاشقة إديث بياف، لا ينبغي تفسيره تفسيرا ضيقا، هناك فرق بين تشجيع الشباب، وتشجيع الأغنية الشبابية، والدليل على ذلك أن الملك محمد السادس قام بإلحاق شمس الدين ابن الفنانة الكبيرة نعيمة سميح بكورال الجوق الملكي، كما ظل يشجع المطرب عبدو الشريف الذي اشتهر بأدائه لأغاني عبد الحليم حافظ.
ربما يظل الجانب الموسيقي وحده الغامض في الحياة الفنية للملك، لكن في المقابل، كان محمد السادس يتابع الحركة المسرحية المغربية، وكثيرا ما كان يشاهد مسرحيات بعض الفرق ومنها مسرح اليوم، الذي جاء خصيصا لمشاهدة أحد عروضه بمسرح محمد الخامس، بعنوان "ياك غير أنا".
وهناك واقعة طريفة حدثت بين الملك والفنانة ثريا جبران، فعند مرور سنة على أحداث 16 ماي الدامية، حين أهداه مجموعة من الفنانين لوحة تشكيلية كبيرة موضوعها حول مناهضة الإرهاب، وبعد أن دعاه الفنان التشكيلي عبد اللطيف الزين لوضع بصمة يده أيضا، دعاهم الملك لصورة جماعية، فطلب محمد السادس من ثريا جبران أن تقف إلى جانبه، قبل أن يلتفت إليها مازحا ومذكرا إياها بجملة من مسرحيتها "ياك غير أنا": "دابا ما كاين مخزن"، فأجابته ثريا جبران وهي تتصنع الجدية بصوت خافت :"عندك يسمعونا، ويجيو يشدونا"، فانفجر الملك ضاحكا، مما آثار انتباه الفنانين الحاضرين، وحين سأل بعضهم ثريا جبران بعد ذلك عما بينهما وبين الملك ردت عليهم :"مادام مسموحا للفنان أن يطلب من الملك "كريما لنقل"، أنا طلبت منه "كريما خاصة بالطائرة".
يتذكر أيضا الفنانان المغربيان عاجل وفولان، حين وصف محمد السادس، عندما كان وليا للعهد، في لقاء ضم مجموعة من الفنانين في تظاهرة "لنتحد ضد الفقر"، مسرحية "شرح ملح" بأنها عمل إبداعي متميز لمسرح الحي.
وكما أضحكه الرواد، يستسلم الملك محمد السادس لدعابة جمال الدبوز، الذي سئل مرة، عن علاقته بالعائلة الملكية، فأجاب:"بدأت أتعرف على الأسرة الملكية، فهي إنسانيا كجميع الأسر، لها هواجسها، ولحظات فرحها، وهذا يشعرني بالأمان والراحة مع أفرادها، أظن أنهم يعتبرونني كصديق، إنهم يدعونني إلى الاحتفال معهم بأعياد الميلاد، لقد كانت أمي فخورة بي حين شاهدتني في الدورة الأولى للمهرجان الدولي لمهرجان مراكش أتناول العشاء على مائدة الملك محمد السادس، أعرف أن نواياه حسنة، إنه ملك يفضل أسلوب الإقناع، وهذا دليل على ذكائه.