حين حطت بنا الطائرة في مطار أمستردام ، أحسسنا بالدفء يحيط بنا من كل جانب : دفء الشمس التي رافقتنا من المغرب لتسطع بشكل طارئ في سماء هولندا ، ودفء المنظمين لمهرجان الفيلم المغربي بروتردام في دورته السادسة ، دفء أججته حرارة الاستقبال وسعة الحفاوة وكرم الضيافة . أحسسنا نحن ضيوف المهرجان بأننا بين أهلنا وذوينا .لا شيء يوحي بأنك في الغربة في هذا الجانب الإنساني ، باستثناء مظاهر النظام والرقي في العمران والمواصلات والمرافق الحيوية العمومية والخصوصية ، والانضباط لكل مواصفات المدنية : في الإدارة والعلاقات وفي السلوك اليومي للمواطن ... هي روتردام إذن تستقبل ضيوفها بكل هذا البهاء المدني ، لتتحول إلى قبلة لعشاق السينما المغربية . المناسبة هي الدورة السادسة للفيلم المغربي بروتردام الذي تشرف عليه مؤسسة الجسر بإدارة الفاعل الجمعوي المغربي الأستاذ محمد الصغير ، الكبير في قيمته المعنوية بفضل جهوده الجبارة المتواصلة لإيصال صوت الثقافة المغربية ، وترسيخ صورة الحضارة المغربية الشامخة ، والمتألقة بقيمها النبيلة والجميلة داخل المجتمع الهولندي ، ولدى أبناء الجالية المغربية المقيمة هناك . وهي عملية تندرج أصلا ضمن نضاله الحثيث من أجل دعم الحوار الثقافي بين الحضارات . وما مهرجان الفيلم المغربي إلا محطة في سلسلة المحطات التي تقف عندها مؤسسة الجسر لتحيق هذا الهدف النبيل . وقد امتد المهرجان الذي ترأس إدارته الفنية الفنان السينمائي المعروف المحجوب بنموسى من 20 إلى 25 مايو تبارت فيه خمسة أفلام من أجود الأفلام المغربية التي أنجزت خلال السنتين الأخيرتين هي على التوالي : * موسم لمشاوشة * لمحمد عهد بنسودة ، و* المنسيون * لحسن بنجلون ، و* زمن الرفاق * لمحمد الشريف الطريبق ، و* أولاد لبلاد * لمحمد إسماعيل ، ثم * خربوشة * لحميد الزوغي . وعلى هامش المهرجان قدم شريط * وشمة * بمناسبة مرور خمسين سنة على ظهور السينما المغربية . وبمواراة له ألقى الناقد عز الدين الوافي محاضرة حول تطور السينما المغربية خلال نصف قرن . كما قدمت فرقة * فنون * عرضها المسرحي الجديد * لالياتي بوان كوم * بإدارة الفنان أنور الجندي ، وحضور بعض نجوم المسرح المغربي كفاطمة بنمزيان وحبيبة المذكوري وعبد القادرمطاع وفضيلة بنموسى ونجاة الخطيب ، وأحمد الناجي ، وحسن ميكيات وغيرهم ...وتوج العرض بصعود الممثل المغربي القدير محمد حسن الجندي فوق الخشبة تحت تصفيقات الجمهور ، قبل أن تقدمه الفنانة نعيمة المشرقي بكلمات بليغة ومؤثرة . وقد عاين تلك الأفلام جمهور غفير من أبناء الجالية المغربية المقيمة في روتردام وضواحيها ، إلى جانب كثير من المواطنين الهولنديين الذين استهوتهم السينما المغربية ، فلاحظ الجميع المستوى الراقي الذي وصلت إليه سواء على مستوى التيمات والقضايا الجريئة التي تعالجها ، أم على المستوى التقني وأداء الممثلين . وما ميز هذه الدورة كذلك أن لجنة التحكيم كانت مكونة من مبدعين ونقاد متخصصين ، على رأسهم الناقد السينمائي المغربي عمر بلخمار ، والمخرجة والممثلة المغربية بشرى إيجورك ، والفنانة المسرحية السينمائية الهولندية بيرناديت لومانس والمخرج السيمنائي المقيم بهولندا كريم طرايدية ، ثم صاحب هذا المقال مصطفى رمضاني بصفته ناقدا . وقد جاءت النتائج على الشكل التالي : الجائزة الكبرى لفيلم المنسيون لحسن بنجلون جائزة الإخراج مناصفة بين فيلم لمشاوشة لمحمد عهد بنسودة وفيلم أولاد لبلاد لمحمد إسماعيل . جائزة أحسن ممثلة للفنانة هدى صدقي عن أدائها في فيلم خربوشة . جائزة أحسن ممثل للفنان عبد الرحيم المنياري عن أدائه في فيلم المنسيون . أما جائزة الجمهور ، فقد منحها الجمهور لفيلم أولاد لبلاد لمحمد إسماعيل . ومن اللحظات الإنسانية القوية في المهرجان ، لحظة تكريم ثلاثة من عمالقة الفن المسرحي والسينمائي المغربي : الفنان الكبير محمد حسن الجندي ، والفنانة المتألقة ثريا جبران ، ثم الفنانة القديرة نعيمة المشرقي . وقد شارك في هذا التكريم ثلة من المبدعين الذين ألقوا شهادات في حق المحتفى بهم ، تحت هتافات الجمهور وزغاريد النسوة وعناق الأحبة ، مما جعلها لحظات إنسانية خالدة . ومما أعطى حفل الاختتام والتكريم بعده الرمزي ، حضور عمدة روتردام الأستاذ أحمد بوطالب ، والكلمات الرقيقة والمعبرة التي ألقاها بكل عفوية وعمق ركز فيها على أهمية مثل هذه التظاهرات الفنية في تقريب المسافة بين الجالية وأصولها ، وفي تمتين جسور الحوار والتواصل بين الشعوب والحضارات . وقد خلفت تلك الكلمات صدى طيبا لدى المشاركين والمنظمين والعام الجمهور العام ، خصوصا وأن السيد العمدة واكب جل فقرات المهرجان ، وشارك الضيوف نقاشاتهم وحواراتهم بكل تواضع وفعالية . فهنيئا للإخوة منظمي المهرجان نجاح هذه التظاهرة الفنية وتألقها : الأستاذ الفاعل الجمعوي النشيط محمد الصغير ، والفنان الديناميكي المحجوب بنموسى ، ولكل مساعديهم جنود الخفاء : عبد الناصر ، وقصي ، وحميد وكل الذين ضحوا بوقتهم وراحتهم طواعية وتطوعا من أجل أن يوفرا لنا نحن الضيوف ، ولعشاق السينما المغربية من أبناء الجالية وسكان روتردام المضيافة كل أساب الراحة. وأخيرا هنيئا لعمدة روتردام الأستاذ أحمد بوطالب نجاحه الواضح في تحويل مدينة روتردام إلى فضاء للحوار والتلاقح الحضاري . د. مصطفى رمضاني ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة