الرباط «القدس العربي»: حفل المشهد السياسي المغربي بهجمات متبادلة بين الاحزاب المرشحة للمشاركة في الحكومة التي كلف الزعيم الاسلامي عبد الاله بن كيران بتشكيلها، دون ان تظهر حتى الان مؤشرات حول مصير المحاولات التي يجريها مع هذه الاحزاب، الا انه يؤكد انه متمسك بالشرعية وارادة المواطنين ولن يخضع للابتزاز. وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الذي فاز بتشريعيات 7 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، إن الفرق بيننا كأبناء للحركة الإسلامية بالمغرب وبين باقي الحركات الإسلامية بالوطن العربي، يتمثل في أننا لا ننازع السلطة ولا ننظر إليها كوسيلة لتنزيل ما نؤمن به أو نتصوره من أفكار. وأضاف خلال في لقاء بأعضاء اللجنة الوطنية لشبيبة حزبه مساء أول أمس السبت ببيته في الرباط، أن باقي الحركات الإسلامية ظنت أن التحدي أو الإشكال موجود في السلطة، فذهبت تنازع في السلطة لاسترجاعها أو انتزاعها من الذين يملكونها لكي تطبق ما هي مقتنعة به، هذا ليس لدينا، «نحن آمنا بالمشاركة والمساهمة، لأجل إصلاح بلادنا، التي هي المركب الذي يقلنا جميعاً». وشدد على أنه «ليس هناك إنسان لا يمكن أن يساهم في إصلاح هذا المركب الذي يقل الجميع، وهو الوطن، ونحن جئنا من أجل الإصلاح، ونكتفي بالقدر المعقول والقانوني الذي يسمح به»، ومن الطبيعي، أن الذين يتعاملون مع هذا المجال على أنه ريع سوف يتضايقون منا. قال إنه كان يتوقع أن يتلقى حزبه «هزيمة» في الانتخابات الأخيرة، نظراً ما كان يدبر في الخفاء لمنع وصوله إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى «لكن ما وقع كان كرماً من عند الله وان هذه الانتصارات التي حققها تعني أن أساليب المكر والخداع الذي كان يقوم بها خصومه «لم يكن لها أي نتيجة» واعتبر أن تصويت المغاربة، بكثافة، لصالح العدالة والتنمية لتأكدهم من نظافة يد قياداته وفهمهم أن ما يشاع عن هذا الحزب غير صحيح واكد أن حزبه ظل وسيظل دائما وفياً للقانون وللمؤسسات وللملكية، حتى لو اقتضى الأمر حل الحزب اذا اقتضت مصلحة البلاد ذلك وأن حزبه «لن يتسبب في أي أذى لبلده، وسيستمر في هذا الطريق إلى النهاية مهما حصل». وتجنب بن كيران الحديث سواء ايجاباً أو سلباً عن التجمع الوطني للأحرار الذي احتل المرتبة الرابعة بالانتخابات (37 مقعداً) ويترأسه عزيز اخنوش، رجل الاعمال والذي بدأ يوصف ب»صديق الملك»، والذي حمله بن كيران في وقت سابق مسؤولية «المأزق» الذي تعرفه البلاد، لوضعه اشتراطات لمشاركته بالحكومة التي يعرف انها مشاركة مرغوبة من الجهات العليا بالبلاد ومن بين هذه الاشتراطات استبعاد حزب الاستقلال الذي احتل المرتبة الثالثة بالانتخابات (46 مقعداً) واعلن رسمياً موافقته على المشاركة بالحكومة القادمة واستبعاد حزب التقدم الاشتراكية (12 مقعداً) الذي قال بن كيران انه شكل مع حزبه «تحالفاً صلباً» حيث ابان حزب التقدم والاشتراكية عن وفاء كبير، رغم أنه أدى فيه الثمن غالياً، لاسيما الأمين العام للحزب نبيل بنعبد الله، في إشارة لا تخلو من دلالات سياسية كبيرة، باعتبار المحنة التي واجهت بن عبد الله مع القصر الملكي وأضاف أن هذا التحالف تعزز وتقوى أكثر بعودة حزب الاستقلال، إلى مكانه الطبيعي إلى جانب الأحزاب الوطنية الكبرى. وشدد بن كيران على أن حزبه «سيحترم إرادة المواطن وسيدافع عن قرار الشعب المغربي بقوة» ولن يتخلى عن حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية من تشكيلة الحكومة الذي يحاول تشكيلها لان جوهر القيم التي يتأسس عليها حزبه، إنه إذا اقتضت مصلحة الوطن حل حزب العدالة والتنمية، فإنه لن يتردد في ذلك، «لكن المصلحة الآن تقتضي من حزب العدالة والتنمية ومن شبابه الحرص على القيم، وعلى تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي لأن حزبه لم يأت لا لمنصب ولا لجاه وان هذا النموذج الذي يتبناه أصبح يغري الكثير من الطبقة السياسية ورجال الاعمال وغيرهم، وأصبحوا يقبلون عليه بقوة. وأضاف «نحن لا نتعامل مع المجتمع مثل ما يفعله صراف العملة، الذين تعطيهم عملة داخلية فيمكنونك من عملة خارجية او العكس بل نتعامل بقواعد أخرى. واكد بن كيران، أنه لا يعيش محنة بعد فشله في إقناع الأحزاب السياسية بالانضمام إلى أغلبيته وإعلان تشكيل الحكومة، بالرغم من مرور قرابة الشهر ونصف الشهر على إجراء الانتخابات «لست في محنة، ولا أغادر كثيراً المنزل إلا في الاستثناءات وإذا كتب الله أن أستمر في هذه المهمة (رئاسة الحكومة) سأستمر، وإذا لم يكتب «بلاش منها». وقال «ليس هناك دواع للهول، وليس هناك ما يستدعي ذلك؛ لأننا لا نلعب، ولكون منهجنا أصيلاً ومتكاملاً ومبنياً على قواعد صلبة لان الفرق بيننا وبين الآخرين هو أننا لا نتصارع مع أحد على السلطة، ونشتغل في القانون، وهذه الصورة المشرقة التي قدمنا سلاح لا يوجد سلاح مضاد له» وأكد أنه بعدما كان حزبه وحيداً فإن اليوم «أحد أحزاب الحكومة صمد معنا، ودفع الثمن وثبت»، في إشارة إلى حزب التقدم والاشتراكية، وأن «حزباً آخر اتهمنا بالغرائب والعجائب، وانسحب من الحكومة الأولى؛ لكنه اليوم يقوم بأدوار بطولية، ويقف مواقف مشرفة»، في إشارة إلى حزب الاستقلال و»حتى الأحزاب الأخرى، بالرغم من التصرفات ستقتنع؛ فالتجمع الوطني للأحرار، مثلا، رفع رئيسه عزيز أخنوش شعار «أغراس أغراس» بعد انتخابه وهذا الكلام يقتضي أننا لن نقوم بالإصلاح لوحدنا». وقالت اوساط حزب الاستقلال أن السبب وراء خروج عدد من الأحزاب التي لم يكن يسمع لها صوت للمطالبة اليوم باستبعاد حزب الاستقلال من الحكومة، راجع إلى أن الذين يقفون وراء هذه الأحزاب لا يقبلون أن يكون هناك حزب مستقل بقراره ويرفض الإملاءات. وأضافت «أن حزب الاستقلال سعيد بموقفه، ومستعد لكل الاحتمالات، ويكفيه فخراً أن بعض الأحزاب التي لم تكن تعقد حتى اجتماعات مكاتبها السياسية، اصبحت مواظبة على إصدار البيانات بشكل منتظم، كما أن مفهوم الأحزاب الإدارية الذي كان قريباً من الاندثار منذ مشاركتها في حكومة التناوب، عاد بقوة هذه الايام، ليتحقق الفرز بين الأحزاب الوطنية والديمقراطية، والأحزاب الإدارية». وأكدت هذه الاوساط «أن اليد الخفية التي تتحكم بهذه الاحزاب تعتقد أنها قادرة على معاقبة حزب الاستقلال على مواقفه، ولكن هيهات فالشعب المغربي أصبح واعياً ويعرف كيف تجري الأمور». وعرف المشهد الاعلامي خلال الايام الماضية «تحليلات» دستورية ل»خبراء» التي تكاثرت كالفطر، حول مآل مشاورات بن كيران وما بعدها اذا ما آلت للفشل، ومن هذه التصورات تكليف الملك لشخصية ثانية بحزب العدالة والتنمية، حيث ان الفصل ال7 من الدستور المغربي يقول بتكليف الملك لشخصية بالحزب الفائز دون ان يشترط ان يكون أمينه العام، وهو ما استبعده مصطفى الرميد وزير العدل وعضو الامانة العامة للحزب واكد ان الناخبين اختاروا بن كيران والمك اختاره وكلفه وليس هناك أي شخصية غيره مرشحة. كما دعا «خبراء» الى تكليف الحزب الثاني، حزب الاصالة والمعاصرة وهو ما يخالف الدستور بل ذهب بعض من هؤلاء الى اقتراح اخنوش الذي فاز حزبه بالمرتبة الرابعة، الا ان الحل الدستوري اذا ما فشل بن كيران يبقى العودة لصناديق الاقتراع وهو ما يمكن ان يؤدي الى فوز العدالة والتمية بأغلبية اوضح. وانتقدت جريدة «العلم»، لسان حال حزب الاستقلال، فرضية العودة إلى الحزب الذي حل ثانياً في الانتخابات التشريعية الأخيرة من أجل تشكيل الحكومة، واصفة مناضليه ب»سراق الشرعية». واعتبرت الصحيفة اللجوء إلى الحزب الثاني لتشكيل الحكومة في حالة ما إذا عجز بن كيران عن ذلك بمثابة «تجاوز للشرعية»، وسيكون الأمر «سابقة خطيرة» دستورياً، و»إذا ما تم الانتقال للحزب الثاني ستكون المهمة سهلة، وفي المرات المقبلة من الممكن اللجوء للحزب الثالث أو الرابع أو العشرين، بمقتضى هذا الاجتهاد لا يمكن حصر القائمة». وقال خالد أدنون، الناطق الرسمي باسم حزب الأصالة والمعاصرة «ما ينشر من مواقف الأحزاب، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا تهمنا، ونحن غير معنيين بالتحالفات الحزبية لا من قريب ولا من بعيد» ونقلت هسبريس عن ادنون «كل ما نطمح إليه هو تشكيل الحكومة في أقرب وقت؛ لأن هناك عطالة خطيرة في المؤسسات الدستورية والسياسية» و»موضوع التحالفات وما يرتبط به عبّرنا عن موقفنا منه ضمن بلاغ سابق للحزب، ونحن غير معنيين بهذا النقاش». واتهمت صحيفة العلم «بعض الجهات» بالعمل على تعقيد مهمة بن كيران حتى يستحيل عليه تشكيل حكومة جديدة، ويعلن عن العجز والإفلاس، وبالتالي ينصّب «سراق الشرعية» أنفسهم عوض ما قررته صناديق الاقتراع. وتتوجه الانظار الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعداً) والمرشح للمشاركة بالحكومة الا ان مواقفه لا زالت تثير قلق بن كيران من خلال ما يتم تسريبه من تصريحات ومواقف من بينها ربط مشاركته بمشاركة التجمع الوطني للاحرار. ونفى يونس مجاهد، الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن يكون حزبه قد ربط مشاركته في الحكومة بالتجمع وقال إن هذه التصريحات قد تكون بمثابة حجة «للتملص من استدعاء الحزب للمفاوضات في جولة ثانية». وقال مجاهد إن تصريحات رئيس الحكومة المكلف بشأن ربط مصيرنا بالتجمع الوطني للأحرار «لا نعلم ما مصدرها، ولا السند الذي ارتكز عليه رئيس الحكومة للإدلاء بمثل هذا الخبر، ولا المرجع الذي اعتمد عليه» وأضاف «مواقفنا نعبر عنها إما ببلاغات أو بتصريحات مسؤولة رسمية لقياداتنا، وإلى حد الآن لم يصدر أي شيء بهذا الشأن».