لا نختلف البتة في الأصول الأمازيغة لشعوب شمال إفريقيا، لا نختلف في تنوع المورد الثقافي الأمازيغي لسكان المغرب الأحرار، لا نختلف إذا ما أعدنا صيانة تركيبة بناء التاريخ الامازيغي المغربي المسكوت عنه بالتغاضي مرة، أو بالمسح عنوة من ذاكرة الهوية الجماعية مرات عديدة. نعم، الطفرة النوعية والكمية للحريات بالمغرب، أنشأت معها أعمدة نور جديدة كاشفة عن الموروث الثقافي الامازيغي المغربي، أنشأت معها جمعيات من المنتظم المدني تحمل هم إعادة تشكيل بناء هرمية التاريخ المغربي القديم. لكن الأمر الذي لا يستساغ عند التفكير في حدوده المعرفية، تلك البهرجة الاحتفالية الزائدة على النمط الحياتي الامازيغي، لنقر ولو بالشك أن تلك الأنشطة الاحتفالية الدخيلة هي التي تساهم في قتل وطمس الرصيد الرزين للمأثور الثقافي الامازيغي المغربي. لما آثارنا طرح فرضيتنا الأولى بكشف مسلك مخالفتنا لإخواننا في الجمعيات المدنية الأمازيغية العاملة في الحقل الاجتماعي/ البيئي ، لما نتوجس خوفا من فقداننا لأصدق التعبيرات الاحتفالية للأسر الامازيغة البسيطة؟، لما نركب الفلكرة الزائفة ونسوق منتوج صورة تجانب حقيقة الهوية الامازيغية الشامخة بالمغرب؟، لما نغرق الذاكرة المغربية بنمذجة من "الشطيح" في حين المغرب العميق يعيش أزمة حياة كرامة وعدل وإنصاف؟ لما لا نجمع بالنبش عن شتات المأثور الشفهي الامازيغي ببساطته وحمولته التاريخية كذاكرة هوية دون موائد مستديرة؟. من حق كل الشعوب عيش لحظة فرح واحتفال، من حقنا جميعا الاعتراف بثقافة الآخر والتساكن معها بالمعروف. لكن ليس من حقنا تقزيم ثقافة شعب برمته والاحتفال به فوق منصات مشعة بالأنوار، ليس من حقنا سحب بساط الاحتفال من الأسر الأمازيغية المغربية البسيطة إلى الفنادق المصنفة، ليس من حقنا إعدام ثقافة الاحتفال الأسرية الداخلية وتحويلها إلى الساحات العمومية. هي ذي الحقيقة التي تغيب عنا وتنكص الفعل الثقافي الامازيغي المتجذر في قدم الماضي ، هي ذي الحقيقة التي تعادينا من كشف غطاء المستور والمسكوت عنه داخل الأسر المغربية الأمازيغية. نتساءل بخفة روح، هل نحن أدمنا الاحتفالات عبر مهرجانات ومنصات "الشطيح" والخطابات المنمقة؟، هل نحن نساهم في إحياء ثقافة الأمجاد أم نضحي بها قتلا بشهب اصطناعية؟ لما نحتفي ببذخ وترف في فنادق مدينة مصنفة ونتحدث عن الديك الرومي "ايض ايناير2967" عند الأسر الامازيغية البسيطة في البوادي؟، هل نحن نزكي الفكر النخبوي داخل الموروث الثقافي الامازيغي المغربي بين احتفالات "جمعيات"مدن، وأسر امازيغية توجد عند كل نقطة أبعد في المغرب العميق؟. ممكن أن كلامنا لحدود التساؤلات الوصفية الثانية التي أوردناها، لم ولن تروق لكل القيمين بربوع الوطن من المنظمات المدنية والجمعوية - (العاملة ضمن الحوض الثقافي الامازيغي) - التي جعلت من امتداد مهامها الأساسية احتفالات بحلول رأس السنة الامازيغية الجديدة تحت أضواء كاشفة وكاميرات توثق الانفصام القطعي عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمكون الامازيغي المغربي الحقيقي. فلن نبتعد كليا إذا ما شمل حديثنا مفهوم الوجود الامازيغي وأثره. وجود لن يغطيه غربال الاحتفال بالشهب الاصطناعية، وجود لن يرفع عن كل أمازيغي بأعالي الجبال الإكراهات ووضعيات التهميش الذي يكابدها يوميا في حياته الفردية والجماعية، وجود لن نتلاعب به سياسيا ولا ثقافيا ولا لغويا، بل حق القول من الوجود الذي نبحث عنه هو تمرد على الواقع البئيس لأوضاع المغرب العميق، هو البحث عن صون الكرامة بأعمق نقط في الخريطة الوطنية، هو العدل في الفرح وملذات العيش، هو الإنصاف في الرفع من المستوى المعيشي للمغرب الجانبي والهامشي، هو تضامننا المطلق مع الأسر التي تعيش الكفاف والبرد وقلة حيلة اليد ونحن بربطة العنق ندعوها للاحتفال والتفكير في الهوية الورقية، أية قيمة عملية لتلك الهوية؟ إنها المفارقات الآتية. ميزانية الاحتفالات بحلول السنة الأمازيغية الجديدة تزيد حجما سنة بعد سنة بربوع المملكة عند الجمعيات التي تتزعم النهوض بالثقافة الامازيغية. احتفالات نقلت من العفوية الأولية إلى خدمة أجندات خفية وعلنية إلا لماما. انتقلت من إحياء الذاكرة الجماعية الامازيعية بوسطها الطبيعي، إلى سرقتها بالجر من الوسط الأسري وتقديمها في طابق برنامج فولكلوري هجين بمنصات نصبت بمكبرات الصوت. إنها ميزانيات تصرف بين ليلة وضحاها وتنمحي ذاكرتها من الذكرى. لنفترض ثانية لو كانت هناك نيات حسنة مجتمعة في غاية التأسيس وبمؤشرات وظيفية سليمة، لكانت تلك الميزانيات المحصل عليها للاحتفال تكون دعما اجتماعيا لأسر أمازيغة لا تحتاج خاتم الاحتفال، وإنما هي في حاجة ماسة إلى لباس وسكن وتطبيب، وتعليم جيد، وفك لعزلة طولت عقودا من الزمن. ألف تحية بحلول "ايض ايناير2967" لكل مواطني المغرب بالشمل والتعايش السلمي، وكل عام وأنتم بخير، يا من أوتادكم لا زالت تدق في أرض الأجداد زيتونا، يا من تحتفلون في وسط أسري وقبلي بسيط، يا من يجعل من القيمة الجوهرية لرأس السنة الامازيغة منطلقا للتضامن والتآزر بين الأسر والقبائل الامازيغية. دعوتي الصادقة، اتركوا للأسر الامازيغية تقاليدها الحصينة بالنقل الشفهي والمناولة البسيطة، اتركوا للعادات التاريخية بهجتها السليمة في نفوس كل الأمازيغ، دعوتي بالفطرة، بأن لا تسرقوا فرحة أمازيغ المغرب العميق بتسويق باذخ واحتفالات مفبركة تساهم في قتل الموروث الثقافي الامازيغي المغربي العام لا في إحيائه، دعونا جميعا من البهرجة المعيارية فوق منصات ليس لها مع "ايض ايناير2967" إلا ليلة واحدة.