بقلم: عبد الغني العجان في سنة 1999 اختارت العناية الإلهية أن ألتقي برَجُلٍ قضى نحبه قبل يومين من كتابة هذه الأسطر، بحاضرة المحيط مدينة أسفي أستاذي الفاضل موسى إدريس الحاجي رحمه الله رحمة واسعة وأفاض عليه من شآبيب رحمته ورضوانه. ووافق أن اقتنيت عددا خاصا من مجلة "سيكولوجية التربية" المغربية حول موضوع "تنشيط الجماعات". لحظتها طلبت منه كلمة على صفحتها الأولى أنقل أحرفها الشَّافَّة عن معدن الرجل : "أخي عبد الغني، طلبت مني أن أكتب لك كلمة. أقول لك .. عليك أخي ان توظف كل ما استطعت من نشاطك من أجل أن يجتمع شمل أمتنا، وفقك الله أخي والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. أخوك الحاجي موسى، 29 ذو القعدة 1419." كلمة بليغة تشف على أن الرجل لم يكن من طينة من يكتب للمجاملة التي تدغدغ الوجدان لحظةً، أو تُحدث ارتياحا ونشاطا عابرا، ثم تتكسر بعد الانتشاء الوقتي لتذهب جفاء. كلمة وأي كلمة في زمن اختلط فيه الكلام حتى كدنا لا نميز فيه صدقا من نفاق، وزيفا من حقيقة، وظنا من يقين إلا ما رحم ربك.. لقد دلت عبارات هذا التوقيع الموجز أن الرجل لا يكتب كلماته كيفما اتفق، ولكن إن فعل فنصحا بانيا ممتدا مع العمر. وللإشارة فسياق الكتاب الذي وقع لي فيه الرجل رحمه الله، سياق تربوي تواصلي محض متخصص في "تنشيط الجماعات". هذا الموضوع الذي يحظى باهتمام مختلف المؤسسات التربوية والاجتماعية بأضرابها وأشكالها وألوانها. بيد أن النصيحة الأمينة للرجل تضع أمام سامعها أفقا تنشيطا واسعا يتجاوز تسيير الجماعات الصغرى من هيئات وجماعات قسم عمومية كانت أو خصوصية من غير أن يقلل من شأنها، إلى أفق أرحب هو الجماعة الأمة. وتلك حكمة غاية في العمق من مرب خاطب يومها شابا في ربيعه الخامس والعشرين أراد منه أن يفكر على مستوى أكبر وبطموح مهيب وعال جدا. ولعل قوة الفكرة في هذه الكلمة أن الرجل أشار إلى قيمة غاية في الأهمية على هذا الدرب. وذاك ما تجسده إيماءته إلى مسؤولية استفراغ الجهد والنشاط. في عالم لا مكان للمتكاسلين والمتقاعسين والنائمين ملء الجفون .. فرحم الله السيد الأستاذ موسى إدريس الحاجي الذي صدق بقوله وصدق بفعله. كتبه الله في من "صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ". آمين، صدق الله العظيم.