صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"    كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب        البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوائد الصدق ومفاسد الكذب
نشر في أخبارنا يوم 01 - 08 - 2014

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيُعاقِبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل خلقه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن الصدق دليل الإيمان ولباسه، ولبُّه وروحه؛ كما أن الكذب بريد الكفر ونَبْتُه وروحه، والسعادة دائرة مع الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.
والصدق من الأخلاق التي أجمعت الأممُ على مر العصور والأزمان، وفي كل مكان، وفي كل الأديان، على الإشادة به، وعلى اعتباره فضله، وهو خُلق من أخلاق الإسلام الرفيعة، وصفة من صفات عباد الله المتَّقين؛ ولذلك فقد وصف الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأنه جاء بالصدق، وأن أبا بكر وغيره من المسلمين هم الصادقون، قال - تعالى -: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر: 33].
كما أن التحلي بالصدق كان من أوَّليات دعوتِه - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء مصرحًا بذلك في قصة أبي سفيان مع هرقل، وفيها: أن هرقل قال لأبي سفيان: ((فماذا يأمركم؟)) يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو سفيان: ((يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة))[رواه البخاري ومسلم].
كما أن الصدق سمة من سمات الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، قال -تعالى- عن خليله إبراهيم على نبينا وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) [مريم: 41].
وقال عن إسحاق ويعقوب: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) [مريم: 50].
وقال عن إسماعيل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) [مريم: 54].
وقال عن إدريس: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ) [مريم: 56].
وقال عن صحابة رسولِه الأخيار: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) [الأحزاب: 23].
وقد أنزل الله في شأن الصادقين معه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، فقد ثبت عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشق ذلك على قلبه، وقال: أول مشهد شهده رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غبتُ عنه، أمَا والله، لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَرَينَّ الله ما أصنع! قال: فشهد أحدًا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمر، إلى أين؟ فقال: واهًا لريح الجنة! إني أجد ريحَها دون أُحُد، فقاتل حتى قُتِل، فوُجِد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة، فقالت أخته الرُّبَيِّع بنت النضر: ما عرفتُ أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب: 23][رواه البخاري].
ويكفي الصدقَ شرفًا وفضلاً أن مرتبةَ الصدِّيقية تأتي في المرتبة الثانية بعد مرتبة النبوة؛ قال الله - تعالى -: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [النساء: 69].
وقد أمرنا الله بأن نتحلى بهذا الخُلق العظيم، وأن نكون مع الصادقين، فقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) [التوبة: 119].
وجاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يَهْدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدقُ ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا))[رواه البخاري ومسلم].

ولم يأمُرِ المولى -تبارك وتعالى- عبادَه بالتحلِّي بالصدق، إلا لِما في ذلك من الثمرات الفريدة، والفوائد العديدة، التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، ومن ذلك:
أولاً: الصدق أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدُقُ ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب؛ فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا))[رواه البخاري ومسلم].
ثانيًا: انتفاء صفة النفاق عن الصادقين؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه كان منافقًا: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان))[رواه البخاري ومسلم].
ثالثًا: تفريج الكربات، وإجابة الدعوات، والنجاة من المُهلِكات، كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار التي أخرجها البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أنه قال بعضهم لبعض: ((...إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدقُ، فليدعُ كلُّ رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه))، فدعا كل واحد منهم ربَّه بما عمِله من عمل صدَق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان أن جاء الفرج، ففرج لهم فرجة بعد أخرى، حتى خرجوا من تلك المحنة.
قال الربيع بن سليمان:
صبرٌ جميلٌ ما أسرَعَ الفرجَا *** مَن صَدَقَ اللهَ في الأمورِ نَجَا
مَن خشِيَ اللهَ لم ينَلْهُ أذًى *** ومَن رجا اللهَ كان حيثُ رَجَا
ويُحكَى أن هاربًا لجأ إلى أحد الصالحين، وقال له: أَخْفِني عن طالبي، فقال له: نَمْ هنا، وألقى عليه حزمة من خوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه، قال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخَرُ منهم فتركوه، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح.
ويُروَى أن الحجاج بن يوسف خطب يومًا فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: إن أقرَّ بالجنون خلَّصتُه من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليَّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه، خلَّى سبيله.
ونرى في سيرة السلف الصالح حرصَهم الشديد على الصدق، فهذا الشيخ عبدالقادر الجيلاني يقول: عقدتُ أمري منذ طفولتي على الصدق، فخرجتُ من مكة إلى بغداد لطلب العلم، فأعطتْني أمي أربعين دينارًا لأستعين بها على معيشتي، وعاهدتْني على الصدق، فلما وصلنا أرضَ همدان، خرج علينا جماعة من اللصوص، فأخذوا القافلة كلها، وقال لي واحدٌ منهم: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ، فتركني وسألني آخر، فقلت: 40 دينارًا، فأخذهم مني كبيرهم، فقال لي: ما حملك على الصدق؟ فقلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فأخذت الخشيةُ رئيسَ اللصوص، فصاح وقال: أنت تخاف أن تخون أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله؟ ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائبٌ على يدك، فقال مَن معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا بسبب الصدق.
رابعًا: التوفيق لكل خير، كما يدل عليه قصة كعب بن مالك في تخلُّفه عن تبوك، كما في البخاري ومسلم، وفيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب: ((ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعتَ ظهرك؟))، قال: قلت: يا رسول الله، إني والله، لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني سأخرج من سخطِه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً - أي: فصاحةً وقوة في الإقناع - ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتُك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه - أي: تغضب عليَّ فيه - إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمَّا هذا، فقد صدق))، فلما صدق مع الله ومع رسوله، تاب الله عليه، وأنزل فيه وفي صاحبيه آيات تتلى إلى قيام الساعة، فقال - تعالى -: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 117] إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) [التوبة: 119][رواه البخاري ومسلم].
خامسًا: حسن العاقبة لأهله في الدنيا والآخرة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقَ يَهدِي إلى البرِّ، وإن البر يَهدِي إلى الجنة))[رواه البخاري ومسلم].
سادسًا: أن الصادق يُرزَق صدق الفراسة، فمَن صدقت لهجته، ظهرت حجته، وهذا من سنة الجزاء من جنس العمل؛ فإن الله يثبِّت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، فيُلهِم الصادق حجَّته، ويسدد منطقه، حتى إنه لا يكاد ينطق بشيء يظنه إلا جاء على ما ظنه، كما قال عامر العدواني: \"إني وجدت صدق الحديث طرفًا من الغيب، فاصدقوا\".
سابعًا: ثقة الناس بالصادقين، وثناؤهم الحسن عليهم، كما ذكر الله - عز وجل - ذلك عن أنبيائه الكرام: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) [مريم: 50].
والمراد باللسان الصدق: الثناء الحسن؛ كما فسره ابن عباس.
ثامنًا: البركة في الكسب، والزيادة في الخير، فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرَّقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، مُحِقَتْ بركة بيعهما))[رواه البخاري ومسلم].
تاسعًا: استجلاب مصالح الدنيا والآخرة؛ قال - تعالى -: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) [المائدة: 119].
عاشرًا: راحة الضمير وطمأنينة النفس؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الصدق طمأنينة، والكذب ريبة))[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].
الحادي عشر: التوفيق للخاتمة الحسنة؛ لما ثبت في الحديث الذي أخرجه النسائي وغيره عن شداد بن الهاد - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتَّبعه، ثم قال: أهاجرُ معك؟ فأوصى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزاته، غنم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقَسَمَ وقَسَمَ له، فأعطى أصحابَه ما قَسَمَ له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسْمٌ قَسَمَه لك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمتُه لك))، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى إلى هاهنا - وأشار إلى حلقه بسهم - فأموت فأدخل الجنة، فقال: ((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا إلى قتال العدوِّ، فأتي به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحمَل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدق الله فصدقه))، ثم كفَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في جبَّته التي عليه، ثم قدَّمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك فقُتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك)).
الثاني عشر: الثناء في الملأ الأعلى؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((حتى يكتب عند الله صدِّيقًا))[رواه البخاري ومسلم].
الثالث عشر: الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال - تعالى -: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا - رضي الله عنهم - وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )[المائدة: 119].
وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما عمل الجنة؟ فقال: ((الصدق))[رواه أحمد].
الرابع عشر: الفوز بمنزلة الشهداء، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن سأل الله الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))[رواه مسلم].
وغير ذلك من فوائد وثمرات الصدق مع الخالق، ومع الخلق، ومع النفس.

وفي المقابل: أمر الله بتجنب الكذب، وحذر منه؛ لما فيه من المفاسد، ومن ذلك:
أولاً: الكذب من خصال المنافقين، ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))[رواه البخاري ومسلم].
ثانيًا: مَن تكرر منه الكذب حتى صار عادة، يُكتَب عند الله في صحائف الكذَّابين، وهذا من أقبح وأشنع ما يكون، كما في الحديث: ((وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا))[رواه البخاري ومسلم].
فالمرء لا يرضى أن يصنف من قِبَل أهله وأصحابه في قائمة الكذابين، فكيف يرضى أن يكون عند خالقه كذلك؟
ثالثًا: الكاذب قد يُرَدُّ صدقُه؛ لأن الناس لا يثِقون بكلامه، قال ابن المبارك - رحمه الله تعالى -: \"أول عقوبة الكاذب من كذبِه أنه يُرَدُّ عليه صدقُه\"[رواه ابن أبي الدنيا].
خامسًا: جملة من مفاسد الكذب، ذكرها ابن القيم - رحمه الله - فقال: \"وكم قد أزيلت بالكذب من دول وممالك، وخربت به من بلاد، واستُلِبت به من نِعَم، وتعطَّلت به من معايش، وفسدت به مصالح، وغُرست به عداوات، وقُطعت به مودات، وافتقر به غني، وذل به عزيز، وهتكت به مصونة، ورُميت به محصنة، وخَلَت به دُور وقصور، وعُمِّرت به قبور، وأزيل به أُنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدوًّا مبينًا، ورد الغنيَّ العزيز مسكينًا، وكم فرَّق بين الحبيب وحبيبه، فأفسد عليه عيشته، ونغَّص عليه حياته، وكم جلا عن الأوطان، وكم سوَّد من وجوه، وطمَس من نور، وأعمى من بصيرة، وأفسد من عقل، وغيَّر من فطرة، وجلب من معرَّة، وقطعت به السبل، وعفَت به معالِم الهداية، ودرست به من آثار النبوة، وخفِيت به من مصالح العباد في المعاش والمعاد، وهذا وأضعافه ذرَّة من مفاسده، وجَناح بَعُوضة من مضارِّه ومصالحه، ألا فما يجلبه من غضب الرحمن، وحرمان الجنان، وحلول دار الهوان، أعظم من ذلك، وهل ملئت الجحيم ألا بأهل الكذب الكاذبين على الله وعلى رسوله وعلى دينه، وعلى أوليائه، المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية؟ وهل عمرت الجنان ألا بأهل الصدق الصادقين المصدقين بالحق؟ قال - تعالى -: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: 32 - 34]\"[مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/74)].

أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا من الصادقين مع الخالق ومع الخلق، ومع النفس، في جميع أحوالنا وأقوالنا وأفعالنا، وأن يصرف عنا الكذب إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.