يُستفاد من مصادر التاريخ أن علاقة مركز الاسلام بأطرافه كانت دوما في حالة اضطراب، ويرجح عند الدارسين أن السبب وراء ذلك هو أن العرب والأعراب والمستعربون من بعدهم استعملوا الدين لغرض الغزو والاستعمار، لأن هؤلاء كانوا يضعون أرزاقهم في أيدي غيرهم، ومنذ العهد الاستعماري المبكر أي في عهد الرسول إلى اليوم ينظر الأعراب وخاصة في بلاد قريش إلى بلاد المسلمين في كل أنحاء العالم على أنها مصدر للتحصيل والتصريف، وهذا منطق امبريالي صرف، وقد انتهى المؤرخون في نقاشاتهم إلى القول بأن العرب ومنذ انطلاق الغزو صاحبهم سؤال رئيسي وهو كيف سيحكمون بلاد العجم وليس كيف سيجعلون العجم يعبدون ربهم؟ والمؤكد أن هذا السؤال سياسي في عمقه ولو أنه مغلف بغطاء عقدي. وإذا كان العرب خصوصا في عهد الخلفاء ثم الأمويين وشطرا مديدا من الدولة العباسية قد أفلحوا في ملء خزائنهم بأموال الأطراف في إطار تجاوزات رهيبة لمبادئ ونصوص الدين، فإن نجاحهم استمر عبر آليات تتجدد عبر التاريخ، ومنها الاعتماد على أموال الحج والحجيج، ومعلوم أن الاسلام لم يفرض على المؤمنين الحج إلى بلاد قريش، لكن العرب بذلوا جهودا جهيدة لتشجيع الناس على الذهاب إليهم، هناك حيث يتجدد الايمان حسب زعمهم، والأكثر من ذلك أنهم صنعوا أحاديث نسبوها إلى السلف لذات الغرض، وفي عمق الأمر ومما تأكد في التاريخ فإن العرب أبعد الأمم عن الاسلام وما فيه، وإذا حدث وأن تدين العرب والأعراب فإنهم يتدينون بغلو وتطرف، مقابل ذلك فإن الاسلام حفظه العجم من التلاشي وفي كثير من الحالات بالاستغفال. وبصرف النظر عن وقائع وأحداث التاريخ الاسلامي في شقه الديني، فإن ما يهمنا هاهنا هو الحديث عما يتعرض له الحجيج الآتون من مختلف الآفاق من قتل ومضايقات على يد العرب وأبناء قريش في أغلب المواسم، والتي غدت مواسما للتصفية لأسباب عقدية أو شخصية أو سياسية، وذهاب المؤمنين إلى الحج كان عبر التاريخ محفوفا بالمخاطر، بل انقطعت السبل إليه في مرات عديدة، لأسباب أمنية تارة أي في ظروف اختلال أمن السفر والطرق ولأسباب عقدية تارة أخرى كما كان الحال في أوائل الدعوة الوهابية التي تأسست على مبادئ المدرسة الحنبلية والمتأثرة بأفكار ابن تيمية، وهي العقيدة التي لاقت نوعا من التجاوب من طرف سلطان المغرب حينها سليمان العلوي، والتي بها حاول الحد من اتساع نفوذ الزوايا وتأثيرها داخل المجتمع إلى حد وقوع تطور جذري في طبيعة التصوف والذي غذا تصوفا شعبيا أسس لمجموعة من البدع التي حاولت دوما منافسة السلطة الزمنية للعاهل ( راجع في هذا الباب كتاب المزايا فيما أحدث من البدع بأم الزوايا، محمد بن عبد السلام الناصري وأيضا ينظر رد فعل السلطان من خلال خطبة سليمان العلوي، أوردها العربي المشرفي، شرح الشمقمقية، مخطوط غير مرقم)، ونظرا لطبيعة الدعوة الوهابية فإنها منعت الحجاج من الوصول إلى قبر الرسول لأنه وحسب ما دعت إليه فإن التقرب إلى الله لا يحتاج إلى وسيط ولو كان رسولا، ومعلوم في التاريخ أن هذه الدعوة حوصرت سياسيا ومجاليا ليس لانها عقيدة متشددة فقط ولكن من جهة لأنهاحدت من نفوذ العرب القريشيين بحرمانهم من العائدات المادية والمكاسب السياسية للحج ومن جهة أخرى لأنها عقيدة اتكالية تنقص من قيمة العقل وهذا ما رفضته الشعوب العجمية خاصة في بلاد الفرس والأمازيغ. ليس الحج هو المنفذ الوحيد الذي من خلاله وعبر التاريخ نهب العرب أموال الأطراف ومنها بلاد المغرب باسم الغلبة أحيانا وباسم الدين أخرى، فكيف يعقل أن نقبل اليوم التغاضي عن تعامل العرب حينها مع الأمازيغ على أساس التخميس والفيء على الرغم من إسلامهم؟ واليوم تجتهد السلطة السياسية عندنا في المغرب في إظهار فضائل العرب علينا، وتطالبهم بالهبات وأشكال الاعانات الأخرى والتخفيض من أسعار البضائع المنعم عليهم بها قدريا، ينبغي أن يحصل العكس تماما، على السلطة السياسية ومن خلال التاريخ أن تطالب العرب باسترجاع ما نهبت من الأموال والنقول من بلادنا وبقيمتها الوقتية مع جبر الضرر، وأن تقطع كل صلة بعالم عربي متخلف متجاوز. على المغرب أن يمنع تماما المغاربة من الذهاب إلى الحج في بلاد قريش، لأن لدينا أولويات تفضل الحج أجرا وواقعا، والأسبق أن كل من رغب في الحج أن تؤخذ منه تلك الأموال لتستثمر في ما يعود بالنفع على المجتمع من قبيل إنشاء المدارس وإقامة المستشفيات وبناء الطرقات وخلاف ذلك، وإن كان لابد لهذا الشخص من أن ينعت بالحج فيكفي أن يرتاد المزارات المنتشرة بربوع المغرب من صلحاء وأولياء، فهل هناك اختلاف بين الاعتقادين؟ طبعا لا إلا في حرصنا على الانتفاع من أموالنا بقدر حرص العرب على استغلالنا باسم الدين وفرض الوصاية الدينية، على المغاربة أن يقتنعوا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الذهاب إلى بلاد قريش قصد الحج ليس إلا هدرا للمال والجهد وأن ما يوعدون به من جنة ونعيم ليس إلا أباطيل تستغل سياسيا وتعطي للعرب فرصا أوسع للتمكين والاستقواء والتمتع بنعم نحرم أنفسنا منها ليستمتع بها أمراء قريش لما يأتونا إلينا أو لما يذهبون إلى بلاد الكفار كما هم يدعون. * أستاذ التاريخ والجغرافيا، بني ملال