يُخطئ الكثير من الناس عندما يظنون أن الاستثمار يكون في الأموال فقط -أيا كان نوع هاته الأموال- وينسون أو يتناسون أن لديهم رأس مال ثمين يمكن أن يستخرجون منه الكنوز الكثيرة، فتكون غفلتهم هاته، للأسف سببا في ضياع حياتهم في غرفة الانتظار، انتظار فرصة العمر! أو هبة يجود بها الزمن!... ولكن بدون جدوى مما يثير الاستغراب فعلا أن تجد أشخاصا يهدرون الأوقات، الشهور والسنوات، الأيام والساعات في المقاهي أو الحانات، في أتفه الحوارات و الجلسات...ثم يحلمون مع ذلك بمستقبل زاهر وتجدهم يشتكون الزمن والحياة ويتضجرون من قسوة العيش ويلقون اللوم على الغير ويحملون غيرهم المسؤولية مع أنهم يضيعون ويفقدون أنفسهم كنزا عظيما وُهبَ لهم ليستثمرونه وخُلق معهم ليستغلونه ويحققون به ما يرغبون. إنه كنز"الصحة والفراغ" فهما رأس مال المرء للنجاح في عاجله (الدنيا) والفوز في آجله (الآخرة)، لذلك فلا عجب أن نجد حبيب الحق وسيد الخلقr يؤكد هاته المعاني في هذا القول الجامع "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"(رواه البخاري)، فما أكثر الأوقات المهدورة في زمننا هذا، وما أكثر الأجساد المغدورة من قبل أصحابها للأسف إما في تدخين أو مسكرات أو زنا أو مخدرات نسأل الله للجميع المعافاة، فلا تظن قارئي العزيز أن المسائلة و المحاسبة على هذا الكنز غائبة، أو أن صاحب الهبة لن يسأل عن هبته فنبيكr بين أنه"لن تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ"(صحيح الترغيب، الألباني). اعذرني كثيرا فخوفي على نفسي ثم عليك، كان سببا لهاته الكلمات غيرة و محبة للغير ودعوة للخير تذكيرا وتحذيرا، خاصة ونحن نودع سنة كاملة ولبنة من لبنات بناء العمر ونقترب أكثر من المستقر والقبر، فلا تجعل بداية السنة الأخرى احتفال التابع للمتبوع، والمتأثر بالمغرور، ولا تقرأ رسائلي ثم تمر، بل تدبر وتأمل واعتبر، ولتكن ممن استرجعوا كنزهم المفقود من صخب الحياة ومكر المغريات وحققوا به المقصود، فلنبكي الأيام الضائعات ولنحرص على استغلال الباقيات فما صلاحك إل لنفسك و" وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" (سورة الإسراء الآية 15) و قل لمن يستثمر رأس مال حياته فيما يظن أنه الصواب، راجع قصدك من عملك وزنه بمدى حسن نيتك، وضعه في إطار منهج نبيك r ليتأكد لك صوابه من خطأه، حتى لا تكون ممن قيل فيهم"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104}"(سورة الكهف) فيا صاح لا تضيع ما بقي من رأس مالك في ما تبقى من حياتك، عَلْك تُكَون به رصيدا في البنك -بنك الآخرة- و حتى في بنك الدنيا لما لا -فلا تعارض بين هاته وتلك- إذا سخرت هاته لتلك، فجدد العهد وأحسن القصد لأنه أمامك كثرة الأبواب، فلا تدخل حتى تتحرى الصواب. يوسف عطية: أستاذ باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة