"نعيش في عالم يطالبك فيه اللصوص بالتقدير والاحترام أو الصمت"م.ز فتح مجموعة من الطلبة على مستوى مدينة سوق السبت نقاشا يتعلق بآفة خطيرة تنخر المدرسة العمومية في المغرب ويتواطأ فيها العديد من المدرسين المنعدمي الضمير أو من الذين تخلوا عن رسالتهم، أو الذين لم تكن لهم رسالة أصلا، بل وجدوا أنفسهم فقط متورطين في هذه المهنة بفعل الحظ أو الضرورة ! وهو النقاش الذي لم يجد له صدى عند النقابات أو الأحزاب أو جمعيات الأباء وأولياء التلاميذ الذين غابوا في هذا الملف كما يغيبون في ملفات عديدة، اللهم إن تعلق الأمر بالمزايدات أحيانا أو حل مشاكل حقيقية على حساب التلميذ إرضاء للإدارة أو النيابة أحيانا. أو القيام بردود أفعال أحيانا تبرد مع برودة الحدث. كما حدث مؤخرا بخصوص عشرة أقسام لم يكن من الممكن أن يدرسوا الفلسفة والإجتماعيات لكن سياسة(الترقيع) بدأت لإيجاد أشباه الحلول بتواطؤ من الجميع. مع العلم أن الإدارة الوصية والدولة بأعلى مستوياتها تتحدث عن الإصلاح الذي بتنا نراه تدميرا ممنهجا يصفي ما بقي من ضوء في هذه المدرسة. تتلخص القضية في كون العديد من التلاميذ يشتكون في صمت وأحيانا يعبرون عن رفضهم للضغط الذي يمارس عليهم في الأقسام أو من طرف الأساتدة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من أجل الإلتحاق ليلا بمنزل الأستاذ أو بعض المحلات التي يكتريها لساعات إضافية يكون حضور التلميذ إليها فقط من أجل تبرير رشوى يدفعها شهريا لأستاذه حتى يضع له نقطة جيدة لا يستحقها. تتعدد طرق الضغط، تبدأ بالتلميح والعنف الرمزي المباشر على التلميذ، بتسفيه إجاباته وجعلها تبدوا بدون أية قيمة أمام زملائه وتعليل ذلك بكون مستوى التلميذ ضعيف جدا، وخلق خطاب ترهيبي يجعل التلميذ يحس أن زاده المعرفي لا يسمح له نهائيا بأن يكون في المستوى الذي يدرس فيه وأنه من العسير عليه النجاح وفق هذه الشروط. إذا لم يستوعب التلميذ ما يقوله مدرسه ملمحا(جي تعاون راسك بسويعات باش يتحسن مستواك) -ومدام المستوى الإجتماعي لأغلب تلامذتنا متدنيا-، يدعي التلميذ أنه لم يفهم الرسالة، وهو ما يفرض على المدرس الإنتقال إلى المستوى الثاني من الترهيب والضغط النفسي على التلميذ. ففي الفرض الأول (يضع المدرس فرضا صعبا بكل المقاييس) الغاية منه (عصر التلميذ) يفاجئ التلميذ بحصوله على نقطة 2/20 أو 6/20 فيسأل أستاذه عن المشكل، فيقول له (راه كلت ليك خاصك تعاون راسك) يستوعب تلميذنا الرسالة ويمارس بدوره ضغطا على الأسرة التي تنتزع 250 درهما في كل مادة وتعطيها لابنها(الفلسفة/الإجتماعيات/الفزياء/العلوم الطبيعية/التربية الإسلامية/الفرنسية والإنجليزية) وفي الفرض الثاني يصبح تلميذنا ذكيا وعبقريا ولديه قابلية كبيرة للتعلم، يندهش منها الأستاذ فينتقل من 2/20 إلى 16/20 فيشيع الخبر السار ويفهم الجميع الرسالة فتلتحق جحافل التلاميذ بأستاذهم (للمكازة).مع الوقت يألف الأستاذ الحياة البادخة التي توفرها هذه الساعات، فيرى أنه من الضروري رفع العدد داخل كل مجموعة والضغط على الجميع إن تمكن من أجل مضاعفة المبلغ، فينسى نفسه ويصبح عبدا لحاجاته، تضيع الرسالة ويعم الوباء، فيلتحق بمصاصي الدماء الاخرين ليشكلوا قبيلة يدافعون من خلالها عن أنفسهم ويطالبون فيها الجميع بتقديرهم أو الصمت، يضغطون على الأستاذ و على المدير والإدارة من أجل إعطائهم استعمالات زمن على المقاس تتضمن المستويات الإشهادية التي يضمنون فيها عمولات جيدة .ونظرا لأن الإدارات "التربوية" لا تملك أي فلسفة تربوية توجه تدبيرها وتسييرها فإنها تتواطؤ لكسب العصابة إلى جانبها.(بسياسة دير ليهم الخاطر)مع الوقت يصبح الأستاذ أسطورة يؤمن التلاميذ أن للمعرفة التي يقدمها مفتاحا، ليس هو الإجتهاد والمثابرة، بل دفع مبلغ (5000 ريال). يؤمن التلاميذ بذلك فيأتون تلقائيا مع الوقت، فيوهم الأستاذ نفسه أنه نظرا لعبقريته الفذة يأتي التلامذة إليه طلبا لمعرفته التي لا حدود لها ! وبئس الإعتقاد حين يصبح الوهم حقيقة، يصبح الناس في أمس الحاجة إليه، بل يدمنون عليه أكثر من الحقيقة نفسها ! الدافع لهذا الكلام أيها القارئ المفترض الذي قد نتقاسم معك هذا الهم، هو ما نشر على مستوى إحدى الصفحات التي تضم أكثر من خمسة ألاف تلميذ وطالب على مستوى مدينة سوق السبت، حيث نجد شعارا عريضا يطالبون فيه بضرورة تدخل الجهات الوصية لوضع حد لهذا الابتزاز(الساعات الإضافية)، وهو ما يفرض على كل إنسان وأستاذ أن يسانده نظرا لعدالة المطلب ومشروعيته، كما أن الواجب يقتضي ذلك لأنه بدون التفكير في المدرسة لا يمكن التفكير نهائيا في الإنسان، فهي أساسه والمجال الذي يبنى فيه، وهو ما لا يمكنني بصفتي أستاذا إلا أن أدعمه وأشجعه لسبب رئيسي: هو كون هذه الآفة بمثابة سرطان ينخر الجسم التعليمي، ولسبب ثاني هو كون مساندتي لهذا المطلب هو مساندة لمطلب عادل يريد استعادة وظيفة المدرسة ممن يخطفونها منا .فالتعليم ليس وظيفة كباقي الوظائف، إنه المجال الذي يصنع فيه الإنسان الذي سيدير المجتمع غدا وبالتالي فتدميره هو تدمير للإنسان والمجتمع بالضرورة. لا يعي العديد من هؤلاء القتلة في مدارس عديدة في المغرب أنهم يدمرون لدى الطفل(التلميذ) النموذج الذي كان ينتظر منه أن يكون متميزا في سلوكه وفعله، ونقدي هذا ليس نقدا لأشخاص بعينهم بل هو نقد لممارسة تهدد كرامتي بصفتي أستاذا وتهدد مستقبل ابني وأبناء العديد من المغاربة. لأننا أصبحنا جميعا في قفص اتهام يلخصها اللسان العامي(مبقاو لا اساتدة لا والو). وهو توصيف مقبول لكنه تعميم يجمع الحابل بالنابل. فإذا كان الشغل الشاغل للأستاذ/ المربي هو السيارة والبيت وقضاء العطلة في الأماكن الفخمة-وهي حقوق مشروعة- بغض النظر على الوسيلة، فماذا يمكن أن ننتظر من طفل/تلميذ تربى داخل مؤسسات تعليمية ألف فيها أن يدفع مبالغ معينة للحصول على النقطة؟ ففي المستقبل يمكنه أن يدفع من أجل شراء أي شيء معين. من خلال هذا الكلام لا نعفي أو نبرئ مسؤولية النيابات والأكاديميات والوزارة الوصية والحكومة، بل إنها تتحمل المسؤولية الكاملة فيما حل بالتعليم، ولا نبخس عمل العديد من الشرفاء اللذين يعملون بجد في مناطق حيادية، إلا أن الواجب لم يعد يقتضي من الإنسان أن يكون محايدا بل يقتضي منه التعبير في بعض اللحظات عن موقف حاسم من قضايا معينة وخاصة إن كانت هذه القضية وجودية لكي يكون هناك شعب أو مجتمع من المجتمعات، وبالتالي فتواطؤ الأحزاب والنقابات و جمعيات الأباء ومؤسسات الدولة ولو بالصمت، هو تشجيع مباشر على هذا السرطان. إن البعض يفضل و يحبد لعبة السلطة وهي الإنخراط في معارك يمكنها أن تجعل منه حدثا، لكن الأحداث تنسى كما تنسى الصور في ألبوماتها، لكن الخدوش التي تصيب الذاكرة لا يمكنها نهائيا أن تنسى.رغم أن الدولة أضعفت الإطارات النقابية فلم تعد هذه النقابات تناضل في سبيل حقوق جديدة بل تسعى جاهدة لتحافظ على ما سبق. تتحمل الدولة مسؤولية مباشرة في هذا التدمير المباشر لأنها عاجزة على التحسين والرفع من أجور رجال التعليم حتى يؤدون وظيفتهم عل أحسن وجه، ولكي تضعف النقابات فتحت هامشا يجد فيه كل منعدمي الضمير من المدرسين حلا ذاتيا لأزمتهم المادية بغض النظر عن الوسيلة ومشروعيتها، لذلك فالنقابات عاجزة اليوم لأنها بدون قواعد صلبة لديها مبدأ أو موقف ما تدافع عنه. تتناسى هذه النقابات أن الأغلبية العددية ليست ضرورية، بل يجب الرهان على النوع وخوض معركة داخلية موازية للمعارك العمودية مع السلطة ضد جميع المخربين للمدرسة العمومية، ولم لا جعلها معركة وطنية في سبيل استعادة المدرسة من خاطفيها، وحينما يصدر قانون يجرم ذلك ويضع الوسائل الكفيلة بالمراقبة سيكون من المفروض على جميع الراغبين في تحسين مستوى عيشهم العودة إلى إطاراتهم للنضال من داخلها على هذه المطالب وفق ما يكفله القانون وليس على حساب التلميذ والمدرسة. يعتقد البعض أن التغيير لا يمكن أن يكون إلا حينما يرفع شعارات ضد النظام و والمخزن والفساد، هذه الشعارات العامة تخفي بنظري في أحيان كثيرة أو تغطي أحيانا على قضايا حقيقية و يومية يمكن للجميع أن ينطلق منها في التأسيس لوعي جديد. أتمنى أن يوجد هناك صوت يستجيب لهذا الرفض، فلابد من قول "لا"، هذه الكلمة الخطيرة في التاريخ التي لا نعرف معناها إلا سلبيا، كان لها دور كبير في إحداث فوارق عديدة في لحظات تاريخية حاسمة، حينما يستيقظ أحد ما ويقول إن الوضع ليس بخير ويجب أن نتوقف، أتمنى فعلا أن يعبر كل الصامتون عن موقف تاريخي ليس فقط على مستوى سوق السبت بل على مستوى المغرب ككل، فإذا كان هناك من شيء ما يمكن أن يتم شرحه على مستوى الساعات الإضافية فلماذا لا يتم شرحه على مستوى القسم؟ إن الأستاذ الفاشل الذي لا يستطيع شرح درسه داخل القسم ويجعل تلامذته مستوعبين جيدا لهذا الدرس سيكون فاشلا كذلك خارج القسم ! اللهم إن كان يأخذ رشاوى من أجل وضع نقط لأشخاص لا يستحقونها فيبيع للتلميذ وهما بكونه ذكيا، لكن التلميذ حينما يصل إلى الجامعة يعي تمام الوعي حجم التضليل والتغرير الذي تعرض له من طرف تجار غايتهم تنمية حساباتهم البنكية. لا يمكن للبعض أن يكون أستاذا إلا إذا توفر فيه شرط ضروري وهو أن يكون إنسانا بالدرجة الأولى، الأستاذ لا يشجع تلامذته على الغش بل يوفر لهم المعرفة التي تجعلهم في غنى تام عن اللجوء إليه بدون مقابل.فالصراع في سبيل مدرسة عمومية قوية هو صراع في العمق حول العدالة والمساواة. بل هو صراع في سبيل إنسان حر. في النهاية أعتقد أننا لسنا بحاجة للكلام الكثير حول انتشار الرشوة والفساد وغياب المسؤولية المهنية في قطاعات كثيرة، لسنا بحاجة للبحث عن سبب لفشل السياسة، وفشل المجتمع على جميع المستويات، يكفي أن نطل على المدرسة ففيها يتم إنتاج كل الأعطاب والإنحرافات الكارثية، على مستواها يتم إنتاج من يدفعون الرشوى ومن يأخذونها، على مستواها يتم إنتاج أطفال للمستقبل: أنانيون ومرضى يفكرون فقط في ذواتهم، متنصلين من أي التزام أخلاقي تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه، على مستوها ننتج قتلة حقيقيين للحياة في المستقبل. ملحوظة: ليست هذه دعوى أخلاقوية كما قد يراها البعض بل هي إيمان بأنه بدون أساس أخلاقي ولو كان ميتافزيقيا لا يمكن نهائيا أن يوجد ما نستند إليه في لحظات تكون فيها القوانين غير مثالية أو مساعدة على الجريمة، لقد كتب دوستوفسكي يوما"إن كان الله غير موجود فسيكون كل شيء مباح" وهو ما استند إليه سارتر في دفاعه عن الوجودية بوصفها نزعة إنسانية، و أعتقد بدوري أن الاستناد إلى مبدأ أخلاقي، هو ما يجعل المرء لا يتواطأ في اللحظات التي يكون فيها الشر قد أصبح خيرا والخير قد أصبح شرا من منظور فئات عديدة.