وأخيرا تم تنظيم المهرجان الذي انتظره المغاربة من طنجة إلى الكويرة.. أخيرا انتصر منطق الحداثة والمشروع المجتمعي والتسامح الذي يضرب في جذور تاريخنا المغربي المتسخ بخرق كل الحقوق ما عدا الحقوق الشاذة.. تقاطر المغنون الأخيار على المنصات، ومعهم تقاطر الجمهور الأغيار، الذين استمتعوا بالموسيقى التي تهذب الأخلاق فبعمدما شاخت ثقافتنا وهرمت مرجعيتنا الرجعية، ها هو المهرجان يخرجنا من الظلمات إلى النور، وينير عقولنا ويفتح شهواتنا بعرض أبدان شقية لمغنيات أقل ما يقال عنها أن "لا علاقة لهن بالأنوثة".. لكنهن يفزن بالملايين.. وها هم نشطاء جدد يقومون على أنقاض 20 شباط، لا يطالبون بمحاربة الفساد، الذي أصبح جزء منا، والذي ولد بالمغرب أواسط القرن الماضي فترعرع بين أحضان خلفاء فرنسا في الوطن.. ولا ينددون بالرشوة، والتي هي أختنا البكر التي لا يمكننا الاستغناء عنها. ولا يحاربون العري.. بل هم يرقصون أمام المنصة، يرددون الأغاني الجميلة، يتابعون ببلاهة تمايلات هذه الأجساد البئيسة.. وينددون بمصادرة العلم الأمازيغي من الراقصين على جثة وطن.. هؤلاء الشباب تنوروا لدرجة أن كل ما كان قديما يسمى جرائم لم يعد يهمهم في شيء، فقد تغيرت كل القواميس والمعاني.. الدين هو الظلام والرجعية ومصادرة حقوق الشواذ أوامر الله ونواهيه لم تعد تعني أحدا.. فقد زال زمان الأنبياء والأساطير الحداثة هي الدين الجديد الذي وجب اعتناقه دون الاطلاع على فحواه.. ها هو "مول العصيدة" يدافع عن فتاة الفايس التي تدعي أن الحداثة هي الحل، وجعل منها قضية وطنية؛ فيما خرس لسانه عن عشرات المتظاهرين الذي اعتدت عليهم القوات العمومية فقط لأنهم يناهضون "موازين". هكذا هو حاله وحال العديد من الحداثيين العميان، الذين لا يرون من الأحداث إلا أقزامها ولا من الوقائع إلا شواذها.. هو وطن بدأ يكتسحه كل ما هو شاذ، فالشباب يستعمل لغة شاذة، والجمعيات تدافع عن حقوق شاذة.. الجميل في الأمر أن أمريكا تالتي تستعمل الفايسبوك وغيره في تعقب أفكار الناس وتوجهاتهم لابد سيهنأ بالها فيما يخص المغرب.. فالمغاربة لم تعد لهم مرجعية يدافعون عنها، ولا أفكار يتشبثون بها.. أو لنقل إن في المغرب من ينوب عن مخابرات أمريكا في تعقب وعقاب ومصادرة أفكار المجرمين الذين يتشبثون بالماضي الجميل... بقلم: