اهتزت الدنيا و لم تقعد بعد، و سال المداد، و مُلأت الصحف، و حررت المقالات، و كُتبت الأعمدة، و نشطت الصفحات على الفايسبوك، و التويتر، و المدونات. مساند من هنا، و معارض من هناك. تهليل من هذا، و شتم من ذاك. و الأمر كله عصيدة نَتِة، أُعدت في مطبخ، وحدهم أصحابه يعلمون من أين تأتيه المؤونة، و لأية مائدة تُعَد، و من هم آكلوها. عصيدة تنبعث منها رواح كريهة، تزكم الأنوف النقية، و تحبس الأنفاس الزكية، و تنفر منها الجيفة. عصيدة مسمومة، اختار صاحبها توقيت إعدادها بعناية فائقة، بينما أَكُفُّ المغاربة فوق قلوبهم، و عقولهم هناك في مجلس الأمن، يترقبون قرارا مصيريا يهم سيادتهم على أراضيهم، و قبلها كرامتهم و عزتهم، التي صارت و للأسف تُمس من الداخل قبل الخارج، أو على الأصح، تمس من الخارج عن طريق الداخل. و هذه هي الحقيقة التي تجلت منذ أن زُجَّ بالمغرب في قلب أحداث أفتُعِلت أساسا لتشويه صورته دوليا، من " أكديم ايزيك" إلى قضية " أميناتو حيدار" إلى " مصطفى ولد سلمى". و كلها قضايا افتعلت لتمرغ سمعة المغرب في التراب عند من يدافعون عن حقوق إنسان دو إنسان، و حق شعب دون شعب، و شرعية دون شرعية. و في كل مرة ينتهز الذئاب الفرصة ليكشروا عن أنياهم، و يَعمدون إلى خرجات إعلامية، ينفثون من خلالها سمهم بين المغاربة، و يسوقون لأفكارهم الملغومة، التي تروم ضرب ثوابتهم، و خلخلة تماسكم، وزعزعة عقيدتهم، تحت راية الحداثة، و الحريات الفردية، و حقوق الإنسان... العصيدة لا زالت ساخنة، وضِعت فوق المائدة في عز الصراع المغربي الأمريكي حول حقوق الإنسان. هي ليست مصادفة، بل هو اختيار ذكي للظرفية التي كان فيها المغرب تحت الأضواء، و أعين العالم تراقبه، و لم يكن بالإمكان صدور أي موقف رسمي، لا من الحكومة المحسوبة على الإسلاميين - رغم رفضي القاطع لهذا الوصف - و لا حتى من الساهرين على الشأن الديني في هذا البلد، و المتمثل في وزارة الأوقاف، و المجلس العلمي الأعلى ، الذي كان بارعاً فقط في فتو ى حد الردة، حتى لا يستغل الأمر في غير موضعه، خصوصا و أن مثل هذه الأجندات تُعد و تُمول من الخارج، لتُنفذ من الداخل، حسب خطط مُحكمة. فبعد " الاستعمار العروبي الإسلاموي الدموي "، ثم " لا فصاحة و لا بلاغة في القرآن"، ها نحن اليوم أمام تصريح ناري آخر، يمس الإسلام و المسلمين في هذا المغرب الغريب الأطوار. الذي يدعي فيه الكل انتسابه للسلالة النبوية، و رسالة الإسلام تُهان على مرآهم و مسامعهم و هم لا يُبالون. شرفاء أسباط النبي، يكتَفون بوضع شارات على الزجاجات الأمامية لسياراتهم، يبتغون احتراما و تقديرا و " عين ميكة " من رجال الأمن، و هم ليسوا بقادرين حتى على الدفاع على صدق جدهم، الذي كفاه ربه بقوله {{ و إنك لعلى خلق عظيم }}. عصيد الذي لا يمكن اعتباره ناشطا أمازيغياً كما يدعي، بل هو ناشط علماني، أما الأمازيغ، فلا يختلف مغربيان كونهم أكثر الناس تشبثا بإسلامهم، و حرصا على المحافظة على قيمهم الدينية، من الريف إلى الأطلس إلى سوس، اعتبر في آخر ما جادت به قريحته الفكرية و الفلسفية، أن تعاليم الدين الإسلامي ينبغي أن تتطابق مع مرجعية حقوق الإنسان المعمول بها في العالم ، كما فعلت النرويج، و أي شيء يختلف عن ذلك يجب أن يلغى من هذه التعاليم ، و مناهج التربية الإسلامية. إيوا نْحَيْدُوا التربية الإسلامية، و نْقَرِّيوْا فْبْلاَصْتْهَا حقوق الإنسان، و التربية الجنسية، و الحرية الفردية، و جسدي ملك لي...، بما أن رسالة الإسلام رسالة تهديدية إرهابية و تتنافى مع حقوق الإنسان التي وضعها أناس لا علاقة لهم بالإسلام، و لم يضعوا في اعتبارهم أن هناك أمة مسلمة لها تعاليم دينية خاصة،. حسب ما فهم عصيد مِن " أَسلم تَسْلَم " أي " أسلم أو تموت " و هو شرح خاطيء، و كان عليه قبل أن يتفوه بما يجهل، أن يتبع قاعدة {{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }} ، فلا ينبغي له و لا لغيره و لو كان عبد ربه كاتب هذه السطور الخوض في ما يجهل ، لأن الدين له من يفسره، و تفسير الرسالة حسب العارفين تعني " أسلم تسلم من عذاب الله في الدنيا و الآخرة " و الدليل في الآية الكريمة {{ وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }} (29). الكهف. و كذلك الآية الكريمة {{ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }} (256). البقرة. لا إكراه في الدين أ الأستاذ عصيد، و لا تهديد و لا إرها، و لا سيف، و لا منجنيق. و دعك من محمد و دين محمد، و انتبه إلى مشوارك الأمازيغي، فهو رهانك. أما الإسلام فله رب يحميه، و لن تنال منه و إن أفنيت عمرك تهدي وتخرف. و أما الآيات الكريمات، فقدأستدلت بها في هذا الباب، بالرغم من أنني على يقين أن عصيد و أتباعه لا يؤمنون بها، و لا يعترفون بفصاحتها و بلاغتها، و إن كانوا يعجزون على أن يأتوا بشبيهة لها. ليس لأنني منظر و لا مفتي و لا حتى فقيه، فقط هي القليل من الكثير مما تعلمناه من مناهج التربية الإسلامية التي يطالب عصيد اليوم بتغييرها، كونها لا تروق له، و لا لكل من يدافع عن التحرر، و الحرية الفردية، و من خلالهما التعري باسم الاحتجاج، و ممارسة الجنس خارج إطار الشرعية، و التباهي بإفطار رمضان، و حق المثليبن في ممارسة نشاطهم، و الكثير من المظاهر التي يرونها حقا من حقوق الإنسان، و مظهرا من مظاهر التقدم و الحظارة. و أما ما قيل، و ما يقال، و ما سوف يقال، فيحق على أصحابها مقولة " إنهم يقولون، ما ذا يقولون، دعهم يقولون "